طرابلس ـ عبد الكافي الصمدرغم أن الاشتباكات التي دارت يومي 22 و23 حزيران الماضي في مناطق باب التبانة وجبل محسن والقبة في طرابلس، قد انتهت بما يشبه الهدنة المؤقتة، في ظل غياب تسوية جدية لمعالجة جذور المشكلة وتداعياتها، فإنها كشفت عن مشهد سياسي جديد في عاصمة الشمال يُنتظر له أن يتبلور بصورة أوضح في الأيام المقبلة، وإن بدأ بعض ملامحه بالظهور.
وتمثلت المفارقة الأبرز في هذا المشهد انتشار شائعات تتحدث عن أن معظم القوى السياسية في طرابلس، سواء في الموالاة أو المعارضة، قد شاركت في الاشتباكات، وإن بنسب متفاوتة، من خلال دعمها مجموعات المسلحين في باب التبانة تحديداً، الذين هم في أغلبيتهم من أبناء المنطقة، من غير أن يتطوع أحد لنفي هذا الأمر أو إيضاح ما حصل.
ويعود سبب هذا التكتم إلى أن باب التبانة هي الخزان البشري الأكبر في طرابلس، وبالتالي فما من طرف سياسي فيها يمكنه تجاهل هذه المنطقة إذا أراد ترسيخ وجوده، سياسياً وانتخابياً وشعبياً، فكيف إذا كان الأمر والجميع يتحضّر لإجراء انتخابات نيابية بعد تسعة أشهر، يُرجَّح أن يُحسب الفارق فيها بين الرابح والخاسر بأصوات قليلة، نظراً إلى ضراوة المناسبة بعد اعتماد القضاء دائرة انتخابية.
وقد نبع دعم الأطراف السياسيين الطرابلسيين لمجموعات باب التبانة انطلاقاً من معرفتهم بوجود فكرة متجذرة لدى أهالي المنطقة، خلاصتها أن من لا يقف معهم في وجه جبل محسن، بسبب ما يسمونه «الجرح القديم» الموجود بين المنطقتين، لن يلقى منهم تجاوباً ولا تعاوناً، ولن يكون موضع ترحيب بينهم.
لكن مد اليد إلى باب التبانة بهذه الطريقة أثبت أنه ليس مضمون النتائج، وأن ارتداداته السلبية ستكون كبيرة ويصعب تعويضها، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وخصوصاً بالنسبة إلى جهات مستجدة وطارئة على طرابلس، ولا خبرة لها في التعامل مع المشكلات الحقيقية في باب التبانة وغيرها، ولا في كيفية احتوائها ومعالجتها؛ فضلاً عن أن إمداد بعض سكان المنطقة ببعض المال وطلقات الرصاص، أو اتخاذ مواقف نارية (وصل بعضها إلى حد ربط ما يحصل بين المنطقتين بأحداث 11 أيلول 2001 والملف النووي الإيراني)، سرعان ما انفضحت هشاشتها، بعدما تبين أن لا قدرة لأحد على حسم الأمور ميدانياً، وأن معالجة المشكلة تتطلب جهداً مختلفاً، وظروفاً أفضل يبدو أنها لم تتوافر بعد. وبما أن الانتخابات النيابية شكلت المحرك الرئيسي لأغلب القوى الطرابلسية، كل من وجهة نظر معينة، فإن المفارقة الغريبة تمثلت في أن أطرافاً منها، كانوا قد أعلنوا حتى الاستماتة «دعمهم ودفاعهم عن باب التبانة في وجه من يعتدي عليها»، قاموا طوال فترة الاشتباكات وما تلاها، وبعيداً عن الأنظار، باتصالات هاتفية مع المعنيين في جبل محسن عرضوا فيها «تقديم خدماتهم، أو أي شيء يلزم، لأننا جميعاً أخوة وجيران وطرابلسيون ولبنانيون».