السلب المسلّح في المتن. عبارة ارتفعت وتيرة الحديث عنها خلال الأيام الخمسة الفائتة، وبالتحديد، منذ أن أثار النائب إبراهيم كنعان قضية سلب السيارات بقوة السلاح في المنطقة المذكورة. وقد تضاربت الأرقام التي ذكرها سياسيون وأمنيون، وتناقلتها وسائل إعلام عما يجري في هذه المنطقة. فأين الحقيقة؟
حسن عليق

50 سيارة فقدها مواطنون في منطقة المتن الشمالي خلال شهر حزيران الفائت، بحسب ما تُظهِره إحصائيات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. السيارات الخمسون المفقودة، تنقسم بين 44 مسروقة و6 سُلِبَت بقوة السلاح، لتكون مجتمعة أكثر من نصف عدد السيارات المسجل فقدانها في محافظة جبل لبنان، التي شهدت أقضيتها الأخرى مجتمعة في الفترة ذاتها 39 عملية سرقة سيارة وعملية سلب واحدة. الشهر السابق (أيار) كان قد سجّل رقماً قياسياً متنياً أيضاً، فقد سُرِقَت في نطاق سرية الجديدة 51 سيارة، وسُلِبَت واحدة، مقابل 35 سيارة مسروقة و3 مسلوبة في مناطق جبل لبنان الأخرى. أما في شهر نيسان، فحل المتن في المرتبة الثانية بين أقضية جبل لبنان الأخرى، مسجلاً 40 سيارة مسروقة من دون تسجيل أي عملية سلب (سُرِقَت من قضاء بعبدا 42 سيارة)، ليبقى للأقضية الأخرى 19 سيارة مسروقة. في عام 2007، لم تكن أحوال السارقين في المتن كما هي هذا العام. فقد فُقِدَت من المنطقة المذكورة 5 سيارات (سرقة وسلباً) من أصل 29 في جبل لبنان.

كنعان: الحل بزيادة العديد والتقنيات

الأرقام تضاعفت إذاً. وهذا الأمر دفع بأمين سر تكتل التغيير والإصلاح النائب إبراهيم كنعان إلى رفع الصوت ومطالبة الأجهزة الأمنية، وخاصة المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، بتحمل مسؤولياتها. وكان لمطالب كنعان خلفية بشقين: الأول يتعلّق بشكاوى المواطنين الذين يأتي مسلحون ويخطفونهم ثم يفلِتونهم ويأخذون سياراتهم، ليتصلوا بهم لاحقاً ليفاوضوهم على إعادتها مقابل فدية. ويصف كنعان جرائم السلب المسلح بأنها ليست جرائم عادية كما يحاول البعض تصويرها، بل هي جرائم اعتداء على أمن المواطنين. «والأمر الوحيد الذي لم يفعله المجرمون هو دخولهم إلى منازلنا»، يقول كنعان.
أما الشق الآخر فيتعلّق بما يقول كنعان إنه «معطيات أمنية وقضائية»، تؤكّد له أن عديد الدرك في المتن انخفض من 800 عام 2005 إلى أقل من 400 عام 2008. ويرى النائب المتني أن أي خطة مرحلية لإطلاق دوريات في المنطقة ليست حلاً جذرياً. فالمتن بحاجة لزيادة عديد رجال الأمن العاملين فيه، وخاصة عديد مفرزة طوارئ الجديدة من 84 فرداً إلى 150، مع ضرورة إضافة سائقين جدد للآليات الأميرية. واستغرب كنعان عدم صدور معطيات رسمية من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي التي اعتمدت على التسريبات المنفعلة، مؤكداً أن خلفية طرحه للمسألة تتعلّق بكونه نائباً عن المنطقة ومعنياً بشؤون مواطنيها الذين ضاقوا ذرعاً بما يجري. «فمن غير المعقول أن تحصل معظم عمليات السلب على طريق المتن السريع من دون أن تتحرّك القوى الأمنية لوضع حواجز ثابتة ومتحركة على هذا الطريق».

ارتدادات للزلزال الأمني

بالمقابل، ذكر مرجع رفيع في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لـ«الأخبار» أن ارتفاع نسب الجرائم في أيار وحزيران مرتبط بشكل مباشر بالأوضاع السياسية ــــ الأمنية العامة في البلاد. فاشتباكات أيار مع ما سبقها من توتر سياسي طويل الأمد، كانت بمثابة الزلزال الذي لا بد سيكون له ارتدادات متعددة. ومن أبرز هذه الارتدادات، أضاف المرجع ذاته، أن السارقين شعروا بأن الجو مؤاتٍ لزيادة نشاطهم. وكان الارتفاع الأبرز بالنشاط الجرمي في منطقتي كسروان والمتن. ورجّح المرجع أن يكون هذا الأمر عائداً إلى أن هاتين المنطقتين تضمّان عدداً كبيراً من المواطنين الميسورين، والذين يمثّلون بمعظمهم هدفاً سهلاً للسالبين، لأنهم لا يقاومون عادةً عمليات السلب المسلّح.
ورأى المرجع أنه «من حق المواطنين والقوى السياسية المختلفة أن تطالب قوى الأمن الداخلي بأداء واجبها في حماية المواطنين، إلا أن ما هو غير محق الافتراء على المديرية عبر القول إنها خفّضت عديدها في المتن». وأشار المرجع إلى أن العديد العام في المديرية ارتفع من نحو 13 ألف ضابط ورتيب عام 2005 إلى ما يزيد على 24 ألفاً عام 2008، وكان لمحافظة جبل لبنان النصيب الأكبر منهم. وبالتالي، يستحيل أن تكون المديرية قد خفّضت عديدها في أي من المناطق. وكشف المرجع أن سرية الدرك في الجديدة التي يمثّل قضاء المتن نطاق عملها هي الأكبر من ناحية العديد مقارنة بسرايا الأقضية الأخرى في جبل لبنان، رغم أن نطاق عمل سرية جونية يشمل قضاءي كسروان وجبيل معاً. وقد وصل عديد الدرك في الجديدة إلى 441 فرداً ورتيباً يرأسهم 15 ضابطاً (من أصل 2216 رتيباً وفرداً و75 ضابطاً في جبل لبنان)، إضافة إلى 59 ضابطاً ورتيباً في مفرزة الجديدة القضائية، فضلاً عن أفراد مفرزة استقصاء جبل لبنان الذين يدخل المتن في نطاق عملهم. ويُضاف إلى هؤلاء عناصر فرع المعلومات، مع الإشارة إلى أن المركز الرئيسي للقوى السيارة يقع في الضبية، أي في منطقة المتن. إلا أن هذه القوى تتنقل إلى حيث تدعو الحاجة، وكان عملها في الفترة الأخيرة متركزاً في المناطق التي شهدت اشتباكات مسلحة بين مناصري المعارضة والموالاة.
وذكر المرجع أن المديرية بدأت تعزيز إجراءاتها الأمنية في المتن عبر إطلاق دوريات ظاهرة وأخرى سرّية، غير مكتفية بالعثور على سيارات مسروقة وصل عددها إلى 12 خلال الشهر الماضي. ونتيجة للتحريات، تمكنت المديرية من تحديد العدد الأكبر من المشتبه فيهم، والذين يأخذ معظمهم السيارات المسروقة والمسلوبة إلى منطقة البقاع، والذين يجري العمل للحدّ من تحركهم وتوقيفهم. وأشار المرجع إلى العصابة التي أوقفتها دوريات من فرع المعلومات في الرابع والعشرين من شهر حزيران الفائت، والتي استمرت متابعتها لأيام عدة، إلى أن جرى تحديدها. وقد استُدرِج أفرادها في عملية استخبارية من الأماكن التي يختبئون فيها. وخلال التحقيق معهم، اعترف أفراد العصابة بتنفيذ عدد كبير من عمليات السلب المسلّح، وخاصة في المناطق الممتدة من جبيل إلى خلدة، مروراً بكسروان والمتن وبعبدا. وأكّد المرجع أن دوريات من القوى السيارة والفهود أطلِقَت في المتن، وخاصة على طريق المتن السريع، خاتماً بالقول «إن الإجراءات التي بدأ تنفيذُها قبل أيام ستحتاج إلى بعض الوقت ليبدأ المواطنون بتلمّس نتائجها».
الإجراءات الأمنية بدأت إذاً، والتراشق الإعلامي لن يعيد لصاحب سيارة مسلوبة حقّه. وخلف أرقام الجرائم وعديد القوى الأمنية، سيبقى مواطنون كثر بانتظار أن يأتي يوم لا يكونون فيه مضطرين لأن يكون أول عمل ينفذونه صباحاً، هو التأكد من أن سياراتهم لا تزال في مكانها.