البقاع ـ رامح حميّةبدأ عيسى رحلته في البلاد الجديدة من بلدة قصرنبا، حيث استأجر مساحة لا تتعدّى عشرة أمتار مربعة من الأرض بمئة دولار شهرياً، لينصب خيمته الصغيرة شراكةً مع شخص آخر. إلا أن الرياح لم تأت كما يشتهي عيسى، فلم يتمكن من إيجاد العمل المنشود، وأمام إصراره على «عدم العودة خالي اليدين الى سوريا»، لجأ إلى «جمع تنك المشروبات الغازية» وبيعها إلى تجار الخردة في منطقة رياق البقاعية.
ينطلق نهار عيسى مع شروق الشمس، يرافقه كيس من الخيش، قاصداً قرى غربي بعلبك سيراً على الأقدام، بدءاً من بلدة بدنايل، مروراً ببيت شاما والعقيدية، وصولاً إلى شمسطار وطاريا وكفردان وغيرها. وتقدّر المسافة التي يقطعها يومياً بـ30 كيلومتراً، «وحسب الغلة أحياناً»، مشيراً إلى أنّه في بعض الأحيان «يملأ الكيس من قرية واحدة ويسارع إلى تسليمها في بلدة رياق»، وأحياناً أخرى يجول في قرى غرب بعلبك جميعها ولا يحصل إلا على «أربعة إلى خمسة كيلو فقط»، موضحاً أن غلته اليومية غالباً «لا تتجاوز عشرة آلاف ليرة لبنانية، وأن سعر كيلو التنك 1000 ليرة».
عيسى ليس الوحيد في هذه التجارة التي برزت في الآونة الأخيرة كظاهرة تُعدّ مربحةً جداً، وخاصة مع ارتفاع أسعار الحديد والنحاس والألمينيوم، إذ يلاحَظ في قرى البقاع حالياً انتشار واسع وكثافة لأشخاص امتهنوا جمع الخردة. فقد أكد صاحب بورة لجمع الخردة في البقاع الأوسط أنّ «هناك العديد من اللبنانيين وغير اللبنانيين يحترفون جمع الخردة»، والسبب «البطالة والأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة»، وحتى البورات الخاصة بجمع الخردة «باتت تتزايد بسرعة بقصد الاتجار بها». كما يوضح أنه يتعامل حالياً مع «ما يقارب الثلاثين شخصاً امتهنوا هذه التجارة، وغالبيتهم من الشباب الذي يسعى لتأمين مصروفه، وكلّ بحسب شطارته وقدرته على اكتشاف الخردة وجمعها»، مشيراً إلى أنّ هناك من يلجأ إلى سيارات الـ«بيك ــــ آب» لجمع الخردة، وأن هناك من ليس لديه القدرة على تحمل ذلك، فيعتمد على العربات أو أكياس الخيش، فيما البعض الآخر يستثمر مكبات النفايات من بعض البلديات».
علي الفاعور (23 عاماً) يعمل على سيارة «بيك ــــ آب» منذ ثلاث سنوات لجمع الخردة من حديد ونحاس من كل المناطق البقاعية، ويسلّمها إلى إحدى البورات في بر الياس، ويشير إلى أنه «امتهن هذا العمل لعدم تمكنه من إيجاد فرص عمل أخرى». والجدير ذكره أنّه إضافة إلى أن هذه التجارة تؤمن معيشة عدد كبير من التجار والعمال، إلا أنها تعدّ خطوة متقدمة على مشاريع الدولة المتعلقة بمعالجة النفايات بعد فرزها، ويتجلى ذلك باستخراج المواد البلاستيكية والمعادن والزجاج والألمينيوم من المكبات قبل إحراقها، لأنها تمثّل خطراً، حيث تتحوّل إلى مواد مسرطنة ينتقل جزء منها في الهواء والجزء الآخر يتسرّب عبر مياه الشتاء إلى الينابيع والمزروعات في الأراضي المنخفضة.