رامي زريقيعتقد الكثيرون من المهتمّين بشؤون التنمية الاجتماعية أن أحوال الريف تتحسن كلما ازدادت الصادرات الزراعيّة. لذا نراهم يشجعون دعم التصدير حتى وإن كان على حساب خزينة الدولة. وتشارك الجمعيّات الأهلية وخاصة السياسية منها في تشجيع التصدير، من خلال برامج تكون عادة مدعومة من أموال الهبات الأجنبية.
يبرّر المعنيّون اهتمامهم بالتصدير بأنه مصدر للعملات الصعبة، ممّا يساعد على تصحيح خلل ميزان الصادرات.
ينسون طبعاً أن لبنان يستورد من الأغذية خمسة أضعاف ما يصدّره وأن أي زيادة في قيمة الصادرات لن تكون إلّا رمزية مقارنة بحجم الهوّة المالية الناتجة من فاتورة الاستيراد. وفي الواقع، قد يكمن السبب الحقيقي للتشجيع على التصدير في الأرباح التي يحققها كبار التجّار.
وفي ظلّ ما يشهده العالم اليوم من أزمة غذاء مرتبطة بفشل المنظومات التجارية، أصبح من الواضح أن سياسة الزراعة التصديرية لن تحل مشاكل الفقر الريفي والعدالة الاجتماعية بل إنها سوف تفاقمها. فهذا النوع من الزراعة يتطلّب استثمارات وقدرة إنتاجيّة لا يقدر عليها المزارع الصغير.
ومن جهة أخرى، تشير التجارب العالميّة إلى أن اعتناق نمط الزراعة التخصصية التصديرية يؤدي إلى حالات شاذة، كما هي الحال في العديد من البلدان الأفريقية، حيث ينتج العمال الزراعيّون أغذية عالية الجودة لا يستطيعون شراءها لأنها معدّة للتصدير، فيما يأكلون أغذية رخيصة مستوردة رديئة النوعية. يحب اللبنانيون على اختلاف انتماءاتهم الطبقية والمناطقية والطائفية أن يردّدوا مقولة جبران الشهيرة التي يتنبّأ فيها بالويلات للأمة التي تأكل ممّا لا تزرع وها هم اليوم يعملون على أن يصبحوا أيضاً أمّة تزرع ما لا تأكل.