رضوان مرتضى15 طلقة من رشّاش كلاشنيكوف اخترقت جسد رمضان جباعي، فكانت كفيلة بأن يتأكد القاتل من أن هدفه قد فارق الحياة. بعض الرصاصات اخترقت الجسد واستقرّت في الحائط، فأنبت أهلُه في مكانها وروداً زيّنت حائط منزله حيث كان جالساً يُدخّن سيجارته الأخيرة.
تنتصب عند تقاطع جسر الليلكي شجرة يُقال إنه غرسها. على مقربة منها أُقيمت خيمة سوداء اجتمع تحتها أهل المغدور ومحبوه لتقبّل التعازي به. عندما تقترب قليلاً يلفت انتباهك، فضلاً عن رائحة البخور العابقة بالمكان، بعض الضحكات المنطلقة من بين المعزّين رغم السواد الذي يلفّ المكان. لحظات قليلة ويتبيّن أنّ أصحاب الضحكات هم بعض أهل رمضان وأصدقائه، يستذكرون بعضاً من مواقفه الطريفة، فرمضان بإجماع الحاضرين، «مهندس الضحكات على جميع الوجوه». تعود بعدها دقائق الحزن ويعود معها شقيق رمضان إلى استذكار ما جرى مع شقيقه، فهو الذي كان جالساً قربه لحظة مقتله يوم الأحد الفائت: «كانت الشمس تقترب من الغروب. صوت المقرئ يصدح بآيات القرآن. اقتربت سيارة هوندا فضية اللون منا. نهضتُ لأدخل فسمعت صوت تلقيم سلاح. التفتّ لأرى شخصاً ضخم البنية يصوّب رشّاشاً نحو رمضان، نظرتُ إلى رمضان فوجدته يضع سيجارته في فمه وينظر إلى السيارة. لحظات، وانطلق الرصاص...». يصمت قليلاً ليضيف: «لا أعرف لماذا قتلوه، إنه محبوب من الجميع ولم يؤذِ أحداً».
رمضان جباعي في الخامسة والأربعين من العمر، كان مقاتلاً في صفوف حركة أمل، وجُرح على جبهات الجنوب في قتاله ضد العدو الإسرائيلي، كذلك فقدَ سمعَه في إحدى المعارك. لديه سبعة أولاد، أكبرهم يدعى مهدي ويبلغ العشرين من العمر، فيما يبلغ موسى السابعة وهو أصغر أبناء رمضان.
حيكَت حول قضية قتل رمضان جباعي روايات عدة. تتحدّث الأولى عن أن خلافاً حصل قبل نحو شهر بين مهدي جباعي ابن رمضان من جهة، وشخص من بلدة بقاعية من جهة أخرى في محلة برج البراجنة، وأن مهدي طعن الشاب المذكور بسكين كان في حوزته، وقبل أيام قليلة توفي الشاب المطعون في أحد المستشفيات. وتضيف الرواية أن أهل الشاب القتيل صمموا على الثأر لمقتل ابنهم، إلا أنهم لا يعرفون القاتل. وبعد البحث توصلوا إلى مكان إقامته، فرصد اثنان منهم منزله لنحو يومين مستقلين سيارة هوندا زرقاء تحمل لوحة عمومية كانت تجول في الشارع. وبعدما تأكدا أن رمضان هو والد الشاب الذي «سبّب» موت قريبهما، اقتربا بالسيارة من مكان جلوسه، وما كان من أحدهما إلا أن أطلق النار عليه وأرداه. بعدها، فر مطلق النار وسائق السيارة باتجاه الحدث، حيث استوقفهما رجل أمن وسألهما عما يفعلانه فأخبراه أنهما ضلا الطريق، ما حدا به الى إرشادهما، وعندما وصل رجل الأمن إلى الليلكي تبيّن له أنهما الشخصان اللذان ارتكبا الجريمة، وقد ذكر أن أحدهما كان ملتحياً.
أصل الرواية أنكرها مهدي جباعي، ابن القتيل، نافياً أن يكون قد طعن أحداً في برج البراجنة، أو أن يكون قد شارك في خلاف من هذا النوع، متسائلاً: «أنا هنا دائماً والجميع يعرفني، فلماذا لم يقتلوني إذا كنت أنا من سبّب مقتل ابنهم؟».
الرواية الثانية تتحدث عن ثأر بين عائلتين في إحدى البلدات الجنوبية، وأن ابناً لإحدى العائلتين يقيم بالقرب من مكان إقامة رمضان. وقد أراد أبناء العائلة الثانية تصفية حساب ثأرٍ قديم مع عائلة الخصوم، لكنهم، عن طريق الخطأ، قتلوا رمضان جباعي الذي يملك دكاناً مقابلاً لدكان الشخص المستهدف.
عائلة رمضان الجباعي نفت الرواية الأولى وقالت باحتمالية الرواية الثانية، لكنها أشارت إلى أن مالك الدكان المقابل لدكّانهم ليس من البلدة الجنوبية المذكورة، ما ينفي صوابية الفرضية الثانية أيضاً.
القوى الأمنية ليست أقل حيرة في أسباب قتل الجباعي، بحسب ما ذكر مصدر مطلع. والتحقيقات تتركز على عرض صور لمشتبه فيهم على الشهود، إضافة إلى التدقيق في سجلات السيارات، فضلاً عن رفع البصمات عن المظاريف الفارغة التي تُرِكت في مكان الجريمة.
يصرّ شقيق رمضان على أن لا أعداء لأخيه، لا في الحاضر ولا في الماضي، إلا أنه يأمل أن يعلم لماذا قُتل رمضان ومن قتله؟ أما مهدي فلم يصدّق بعد أن أحداً يمتلك قدرة على أن يُطلق 15 رصاصة على رجل أعزل لا يسمع. وبين سائل عن القاتل ومستفسر لماذا القتل، يُطل موسى ابن السنوات السبع، سائلاً: «وين البابا». فيأتيه الجواب: «طُلع عالجنوب وبدّو يطوّل».