كامل جابروتأمل أم خالد، أن لا يعيد التاريخ نفسه «فيوم عاد الأسير أنور ياسين، مُنع الحزب الشيوعي اللبناني وقيادته، من أن يكونوا في استقباله، وسمح لمن كان يتعامل مع إسرائيل، ويذهب إلى مكتبه فيها أن يكون في صفوف المستقبلين. هل ممنوع علينا كذلك استقبال أسرانا وشهدائنا؟ فنحن قدّمنا الكثيرين ومستعدون في كل وقت لأن ندفع من فلذاتنا من أجل حرية الوطن وكرامته، لكننا يوم التحرير رأينا كيف أن من كانوا يتعاملون مع العدو وسقطوا في صفوفه كانت لهم مقبرة ونصب على مستوى رفيع في برج الملوك، فيما لم نتمكن حتى اليوم من إيجاد مقبرة تليق بأبنائنا». قد يكون هذا ما يؤلمها، أن لا تجد لابنها الذي لم يعد ثمّة شيء منه، مقبرة أو على الأقل لوحة تُرفع في مكان استشهاده، ولكن من المؤكّد أنّ الألم الأكبر هو أن ترى «من كان يتعامل بالأمس مع إسرائيل ويقاتل في صفوف ميليشياتها، يسرح ويمرح، في الوقت الذي كان يجب فيه التحقيق معهم، للاستدلال على رفات أبنائنا الشهداء، الذين ربما لم ينقلوا جميعهم إلى المقبرة الجماعية التي تتحدث عنها إسرائيل».
تتألّم أم خالد على ما يجري، وعلى رفات ابنها التي «لا توجد ربّما»، ولكنّها تعزّي نفسها بوصيّته الأخيرة. لا تزال تحتفظ بكلماتها، يوم كتب لها «أمي عندما يطلع الفجر وأطلّ عليك حاملاً بطاقة استشهادي، ربما لن تحصلي على أشلاء جثتي، فلا تحزني». ولا تزال تتذكّر جيداً الحوار الذي جعلها تقتنع بإيمانها هذا، عندما سألته في إحدى المرّات بعد الإفراج عنه من سجن عتليت «أما آن الأوان يا ولدي لأن تستريح قليلاً؟». يومها أجاب «بطمنك يا إمي، لن أتخلى عن المقاومة»، وأخبرها «أن الإسرائيليين قبل الإفراج عنه والعديد من رفاقه أجبروهم على توقيع تعهّد، مفاده أن من يطلق سراحه، ويؤسر مرة ثانية، من حقها إعدامه على الفور، وربما من أجل ذلك فجّر نفسه بالدورية الإسرائيلية حتى لا يقع في الأسر ويتعرّض لما تعرّض له سابقا».
لكن مع ذلك الألم، آمنت أم خالد بأنّ ابنها قد تعود منه بعض الرفات، غير أنّ الألم الأكبر يتجلّى في حالة عدد من عائلات نحو 15 شهيداً من شهداء الحزب الشيوعي، ممّن لم تندرج أسماؤهم في لائحة الرفات التي سلّمها العدو الإسرائيلي، مع رفاقهم في تبادل عام 2004. هؤلاء يؤلمهم ضياع مصير أبنائهم، وعائلاتهم لا تجد أماكن دفنهم، وخصوصاً أنّ بعضهم دُفن من جانب عناصر كانت منضوية في ما يسمى «جيش لبنان الجنوبي» أو غيره، في أمكنة غير معروفة.