مجدل عنجر ــ أسامة القادريلا يستطيع الحاج حسين يوسف والد الشهيد محمد، المعروف باسمه العسكري «أبو حسن» أن يخفي غصته أمام زائريه من أهل بلدته مجدل عنجر الذين يحضّرون للسؤال عن إمكان وجود جثته بين جثث الشهداء التي سيُفرج عنها في صفقة التبادل. ويبدو غير قادر على أن يخبئ الدمعة التي تنساب على وجنتيه، وهو يشير إلى صورة الشهيد باعتزاز: «كنا نتوقع له الشهادة لأنه تشرّب منذ صغره القضية الفلسطينية».
يسرد الحاج حسين حياة ابنه بكلمات مغمّسة بالحزن الذي تجدّد لدى جميع أفراد الأسرة، رغم مضي ثلاث عشرة سنة على استشهاده. «كل مرة بيصير فيها تبادل كنا نتوقع ترجع جثته، وكل مرة يلبسنا الحزن. إذا رجعت جثتو، عندها تكون جنازته الحقيقية».
يحتفظ الأب بصورة عن جريدة «الأنوار» اللبنانية نشرت حينها خبر استشهاد ابنه ورفاقه الثلاثة الذين سقطوا في كونين في الجنوب اللبناني أثناء تنفيذهم عملية فدائية لمجموعة من الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين وأدت إلى مواجهة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، في 11 كانون الثاني من عام 1995.
قبل العملية، كان شقيقه الأكبرخالد يذهب دورياً إلى قواعد الجبهة في صيدا، وفي الخطوط الأمامية في الجنوب، ليعود به خوفاً على حياته. «كل مرة كنت جيبو فيها، يومين ويرجع. راح مطرح ما لازم يروح. هذا هو الانتصار، إن حلم محمد وكل الشهداء الذين سقطوا قبله وبعده تحقق بالانسحاب الإسرائيلي من لبنان. مجدل عنجر لها بصمات في تاريخ المقاومة نعتز بها، لم يكن محمد بدايتها، كما لم يكن نهايتها».
خالد هو المكلّف من العائلة متابعة الاتصال بقيادة حزب الله في موضوع التبادل وإمكان وجود شقيقه مع «الشهداء العائدين». ويشير إلى أن الحزب لم يعطه تأكيداً لوجود جثة أخيه حتى استكمال الملف، وهذا ما يجعل العائلة متريثة في التحضير لاستقباله، إلى حين يأتي التأكيد من الحزب أنه من ضمن صفقة التبادل وفي ضوئه سيتعاون ذووه مع كل القوى السياسية والأهلية لاستقباله.
الشعور مختلف بالنسبة إلى شقيقته ربيعة: «ربما هو أسير أو مفقود». هي لا تزال غير مقتنعة بأن شقيقها استشهد، لكونها لم تر جثته بعد، ولا سيما أنها تعرف أن العدو يختلق الأكاذيب. «إذا كان شهيد بيرفع الراس، وإذا أسير كمان بنشوف حالنا فيه». فالأمل أنه لا يزال حياً ما زال يراودها، وهي تحلم برؤيته داخلاً الدار على قدميه يوماً ما. ماذا تعرفين عنه؟ «هو مجاهد يعشق الاستشهاد منذ طفولته، ولم يكن يخاف شيئاً إلا الله» عبارة تغمسّها ربيعة بالدمع وهي تقلب إحدى الصور التي أرسلها لها رفاقه بعد استشهاده، فيما كتب وصيته على سطح خلفية الصورة التي تعبر عن حبه للاستشهاد.
وتجزم ربيعة بأن إعلان وفاة شقيقها لن يكون إلا في اليوم الذي يصل فيه جثمانه: «حضوره ميتاً أو حياً يجلي لنا الحقيقة، وإن كانت مرّة».
ليس ذووه وحدهم من ينتظر عودة الشهيد إلى البلدة، بل عموم أهالي بلدته، يترقبون وينتظرون وصوله إليها ليقيموا له الاستقبال الذي يليق بـ«شهيد قدّم نفسه ودمه من أجل القضية».
لا ينسى الحاج حسين أن يشكر قيادة المقاومة ممثلة بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أملاً أن تكون جثة ابنه من بين الجثث المفرج عنها.