بما أن علم الآثار يرتكز على دراسة الماضي بكل مخلفاته، كان لا بد من السير بهذا العلم قدماً ليتماشى مع العالم الحديث ومتطلباته. هكذا ولدت في جامعات الغرب دراسات عليا في «علم آثار الشعوب الأصلية» (Indigenous Archaeology)، من سكان أميركا الشمالية والجنوبية وأوستراليا ونيوزيلندا وكندا وبعض الدول الأفريقية. يدرس هذا العلم حضارات تلك الشعوب عبر بعض المواقع التي أخليت، لكن العمل الأساسي يتمحور حول المحافظة على إرث هذه الحضارات عبر المطالبة بحقوقهم، وإجبار الدول والحكومات على احترام معتقداتهم، وإدخالها في مناهجها التعليمية على أساس الحضارات الأولى في تلك الدول.والجدير بالذكر أن العدد الكبير من علماء الآثار الذين يعملون في هذا الاختصاص يتحدرون من الشعوب الأصلية وينتمون إلى مجموعة معينة، وقسم منهم يعمل منذ سنين على إعادة رفات «الأجداد» إلى قبورهم أو إلى استرداد مومياءات الأقدمين التي كان المكتشفون الأوروبيون قد استملكوها خلال اكتشافاتهم وأعادوها إلى أرضهم «كغنائم». ولكن بالنسبة لهذه الشعوب، فللرفات والمومياءات دور فعال في المجتمع، وهي جزء من طقوسهم الدينية، لذا فإن المحافظة عليها في دولها الأم وإعادة إعطائها دورها في المجتمع من الأولويات. وقد كان لعمل هذه الفرق الدور الفعال في دولها. ففي أوستراليا تقدم رئيس الوزراء باعتذار من الشعب الأصلي لكلّ الجرائم التي عرفها في تاريخه على يد حكام أوستراليا، وخصوصاً على أخذ أولادهم منهم في خمسينيات القرن الماضي لتربيتهم في مدراس دينية مسيحية.
أما في الولايات المتحدة، فقد أدى عمل علماء الآثار الى إنشاء متحف ضخم في العاصمة واشنطن لكل القبائل الهندية التي عاشت هناك قبل وصول الفاتح الأوروبي، والتي اندثر بعض منها. كما أن علماء الآثار المتحدرين من أصول هندية ينشطون كثيراً في إعادة الرفات إلى المقابر الأولى، ومحاولة المحافظة على «المحميات» وعلى تأمين استقلالها المادي. أما في نيوزيلندا، فقد أدى دور علماء الآثار هناك إلى خلق أزمة سياسية بين دولتهم والحكومة الفرنسية التي ترفض إعادة «رأس محارب ماوي» كان قد سرق في القرن التاسع عشر ويعرض اليوم في أحد المتاحف، مع العلم بأن الشعب الماوي لا يزال حياً ويحافظ على طقوسه الدينية، ويعدّ رأس المحارب عربون شجاعة وبسالة عالية.
ولم يتوقف دور «علم آثار الشعوب الأصيلة» على أفراد مجتمعهم، بل توسع عبر إطار «المؤتمر العالمي للآثار» (الذي هو منبر حر وأحد أكبر المطالبين بحقوق الشعوب الأصيلة)، ودخل إلى طرق مزاولة العلم في الغرب. فطلب احترام الرفات، مهما تكن، قد بدأ يطرق أبواب المتاحف والجامعات، حيث توضع في المخازن آلاف الرفات التي تعود إلى الشعوب القديمة والتي كان علماء الآثار قد كشفوها خلال تنقيباتهم، وعاملوها «كأي قطعة علمية فريدة»، فحوفظ عليها في علب خاصة، ووضعت في المخازن لكي تدرس لاحقاً. وهذا بالتحديد ما يرفضه علم الشعوب الأصيلة الذي يرى ذلك «تدنيساً» لكيان الإنسان الذي أراد أن يدفن في مكان ما ويجب العمل على إعادة دفنه. لذا، فقد أخذت بعض المتاحف في أوروبا، في خطوة هي الأولى، العينات الضرورية للدراسات من بعض الرفات ودفنت البعض الآخر.