strong>يعدُّ اتحاد طلبة فلسطين الإطار الشعبي الأول الذي عمل على تجميع الشرائح والفئات الاجتماعية المختلفة بعد التشريد والنكبة. اليوم، بعد تعطيل دام 26 عاماً، تجدد القوى الطلابية مطالبتها بإعادة إحياء الاتحاد الذي لا يزال أسير التجاذبات السياسية
فاتن الحاج
لم تعرف الحركة الطلابية الفلسطينية في لبنان الحياة النقابية الديموقراطية منذ عام 1982 ، فبعدما تعطل عمل الاتحاد العام لطلبة فلسطين بفعل الاجتياح الإسرائيلي، لم تسعف عقلية التفرد والتناقضات والخلافات السياسية فصائل المقاومة الفلسطينية في إعادة إحياء الاتحاد الذي مثّل منذ تأسيسه في عام 1959 محطة بارزة في بناء الكادرات والقيادات الرئيسية في الحركة الوطنية الفلسطينية.
ولم يفعّل الاتحاد إلاّ لسنوات قليلة في زمن تأليف لجنة تحضيرية على أبواب انعقاد المؤتمر الوطني العام في العراق عام 1990، ثم استمر معطلاً طوال السنوات التي تلت توقيع اتفاق أوسلو في عام 1993، إلى أن جاء قرار التكليف في عام 2000 بتأليف لجنة تحضيرية للاتحاد العام في لبنان، إلاّ أنّ اللجنة لم تر النور بسبب الخلاف على حجم تمثيل كل فصيل، وبالتالي لم تتمكن من إنجاز مهمتها في تنسيب الطلاب عقب الجمعيات العمومية وإجراء الانتخابات لهيئات الاتحاد كلها.
اليوم، بعد مضي أكثر من ثماني سنوات على تأليف اللجنة، يتحدث العضو السابق في المجلس الإداري المنتخب للاتحاد العام والمكلّف برئاسة اللجنة محمد عوض عن «جهد نبذله باتجاه إعادة الحياة الدستورية، بعدما أودعنا ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية خطة لتفعيل دور فرع الاتحاد في لبنان، ليتسنى له المشاركة في أعمال المجلس الوطني الفلسطيني المنوي عقده خلال هذا الصيف».
واللجنة لا تزال تنتظر ردود المنظمة التي تأخرت، بحسب عوض، بسبب غياب الإرادة السياسية الجامعة للقيام بخطوات على هذا الصعيد. لكن مسؤول الاتحادات في المنظمة فتحي أبو العردات يرى أنّ الشوط الذي قطع في هذا المجال مهم، ولدينا خطة لإعادة الإحياء خلال ستة أشهر أو تسعة أشهر كحد أقصى. من جهته، لا يبدو عوض متفائلاً حيال هذه الخطوة، لا سيما أنّ مصير الخطط كان دائماً سلال المهملات.
في المقابل، يوضح رئيس اتحاد الشباب الديموقراطي الفلسطيني في لبنان (أشد) يوسف أحمد أنّ قانون الاتحاد ينص على أنّ مدة ولاية اللجنة التحضيرية سنة واحدة، باعتبار أنّ مهمتها تنحصر في التحضير للانتخابات، وقد مر ثماني سنوات على تأليف اللجنة الحالية ولم تنجز المطلوب منها. من هنا، يشدد أحمد على أهمية تأليف لجنة تحضيرية ديموقراطية، متوازنة وبتمثيل متكافئ لمختلف القوى والأطر الطلابية وفق مبدأ التمثيل النسبي والمتوازن لهذه الأطر في الجامعات والمعاهد العليا، والسير في العملية الانتخابية الديموقراطية للوصول إلى انتخاب هيئات طلابية فاعلة، تمهيداً لإعادة الروح والحياة إلى الحركة الطلابية الفلسطينية والاتحاد العام للطلبة، ليكون المتراس الأول المدافع عن حقوق الطلاب الفلسطينيين في لبنان ومصالحهم.
ثم إنّ الخلاف السياسي بين الفصائل المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية على حجم التمثيل لا ينفي اتفاق الجميع على أهمية إعادة بناء الاتحاد العام لطلبة فلسطين ـــ فرع لبنان وتفعيله، في ظل تفاقم المشكلات التربوية في مدارس الأونروا والتقليص المستمر لموازنات التربية والتعليم في لبنان والأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعانيها طلاب الجامعات والمعاهد الذين طاول عددهم الخمسة آلاف طالب نتيجة عدم قدرتهم على تأمين الأقساط ومقومات استمرار تحصيلهم التعليمي.
يذكر أنّ الاتحاد العام لطلبة فلسطين يضمّ اتحاد الشباب الديموقراطي الفلسطيني ومنظمة الشبيبة الفلسطينية والمكتب الطلابي لحركة فتح والمكتب الطلابي لجبهة التحرير الفلسطينية والمكتب الطلابي لجبهة النضال الفلسطينية وحزب الشعب الفلسطيني والأطر الطلابية الثلاثة الأخيرة خاضعة لسلطة فتح.
غير أنّ ذلك لا يعني أنّ الاتحاد حكر على هذه القوى الطلابية، فالمادة 8 من دستور الاتحاد تنص على حق كل طالب فلسطيني أن ينتمي إلى الاتحاد مهما كانت الجهة التي ينتمي إليها، شرط أن يلتزم بدفع اشتراك العضوية حسبما يحدده النظام الداخلي، وأن يتعهد بالتقيد بدستور الاتحاد والنظام الداخلي وأن لا يكون منتمياً لأي تنظيم نقابي آخر، وألا يكون قد ارتكب جناية أو جنحة مخلّة بالشرف وأن يكون ملتزماً الميثاق الوطني وأهداف الثورة الفلسطينية.
من هنا، فالاتحاد منظمة بحت طلابية لا تحمل صبغة سياسية، يشدد عوض، مؤكداً أنّ طلاب حركتي حماس والجهاد مرحّب بهم في الاتحاد، على أن تتوافر فيهم الشروط المنصوص عليها في الدستور.
على صعيد آخر، يشير عوض الذي عايش المرحلة السابقة من عمل الاتحاد إلى أنّه باستطاعة هذه المؤسسة الطلابية أن تفاوض الجامعات الخاصة على الأقساط وتخفيضها بنسبة تصل إلى 50 في المئة، كما أنّ الاتحاد على هبة من الصندوق القومي الفلسطيني يمكن استثمارها في مساعدة الحالات الاجتماعية القاسية. من جهته، يتحدث أحمد عن الدور الذي اضطلع به الاتحاد في السبعينيات، حيث أدى دوراً كبيراً في مساعدة الطلاب الجامعيين الفلسطينيين في لبنان، عبر توفير المنح الطلابية من الخارج، وخصوصاً من الدول الاشتراكية والدول العربية الصديقة من جهة، وممارسة التعبئة الوطنية لتعزيز ثقافة العودة والمحافظة على الهوية الفلسطينية».
ويقول: «بعد افتتاح مكتب ممثلية المنظمة في بيروت، استبشرنا خيراً من ممثل المنظمة عباس زكي أنّه سيكون هناك اتجاه لفتح لهذا الملف، ولكن بعد مرور سنتين، لم نشهد أي مبادرة لإيجاد المعالجة المطلوبة لإعادة إحياء فرع الاتحاد في لبنان، رغم مناشدات ولقاءات اتحاد الشباب مع ممثل المنظمة، فنداؤنا اليوم للقوى السياسية أن تحرّك الموضوع، إذ لم يعد مقبولاً أن يبقى الملف في الأدراج».
والمفارقة التي يسجلها أحمد أنّ الداخل الفلسطيني يشهد حياة ديموقراطية في الجامعات، حيث لم تتوقف الانتخابات الطلابية في بير زيت ونابلس والخليل وغيرها رغم الحصار، «فلماذا لا نمارس هذا الدور الديموقراطي، وخصوصاً أننا نعيش استقراراً نسبياً».
وفيما يوضح عوض أنّ الهبة هي المورد المالي الوحيد إلى جانب الاشتراكات، يؤكد أحمد أنّ هناك موازنة ترصدها منظمة التحرير للاتحاد، لكنها تستغل لمصالح فئوية وحزبية، وتذهب لمساعدة طلاب تنظيم «فتح». لا ينفي أبو العردات أن يكون الجزء الأكبر من المساعدات يذهب لطلاب فتح، بحيث ينال التلميذ في المرحلتين المتوسطة والثانوية 27 ألف ليرة لبنانية مقابل 60 ألفاً للطلاب الجامعيين الذين يبلغ عددهم 2700 طالب. والسبب، بحسب عوض، هو أنّ التنظيمات الأخرى تدفع لطلابها مبالغ قد تفوق ذلك بكثير.
أما معظم طلاب اليوم الذين لا يعرفون إلى أين يتوجهون لحل مشكلاتهم الأكاديمية والمادية، فلم يسمعوا يوماً باتحادهم وبالدور الذي يمكن أن يؤدّيه كمرجعية يفتقدونها في الوقت الحالي «ليس لدينا خلفية عن الاتحاد لنعرف ماذا
يجب أن نطالب»، تقول الطالبة في السنة الأولى إعلام في جامعة بيروت العربية حنين هنداوي، فيما يؤكد الطالب في السنة الثالثة كيمياء حياتية محمد خالد ضرورة أن يساعد الاتحاد الطلاب المتخرجين على إيجاد فرص العمل، لافتاً إلى أنّه لا بد تقديم تنازلات في سبيل إعادة إحياء الاتحاد لتحقيق مصالح الطلاب. يذكر أنّ فروع الاتحاد تمتد في معظم الدول العربية والأجنبية، ويصل تعدادها إلى ما يقارب 40 فرعاً فاعلاً.
عقدة التمثيل تجعل حكاية اتحاد طلبة فلسطين تتماهى مع قصة الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية، فهل سنشهد ولادة الاتحادين في المدى المنظور؟