فتح الإسلام تواصل العمل وشاكر العبسي يعيد هيكلة واقعهفداء عيتاني

برز العديد من القوى السلفية التي دعت مباشرة أو قدّمت غطاءً بشكل غير مباشر إلى الجهاد في مرحلة المعارك الأخيرة في السابع من أيار وما تلاه، ولئن كانت الرموز السلفية والجهادية هذه قوى معلنة ومعروفة وتعمل من خلال أطر شرعية كجمعيات الدعوة والمعاهد الدينية، فإن حركة أخرى كانت تجري دون أن تُعلن، حيث أمكن المتابعين للوسط الجهادي القول «إن ما انطوت عليه حركة الرموز السلفية، على خطورته، ليس بالأهمية التي أشارت إليها وسائل الإعلام، فالأخطر هو ذاك الجسم غير المعروف والسري للجهاديين في لبنان».
ورغم اتهام بعض الأطراف السياسيين للقوى الأمنية بأنها تحاول اليوم ابتزاز السلطات السياسية في موضوع السلفيين والحصول على دعم لتطوير قواها، فإن هذا المنطق لا يمكن أن يستقيم، وخاصة أن نتائج حرب مخيم نهر البارد أظهرت هشاشة فائقة للقوى الأمنية اللبنانية. وبكل الأحوال، فإن رأس القوى الأمنية اللبنانية بات مقتنعاً بأن لبنان يشهد انتشاراً لتنظيم القاعدة يصفه هذا الرأس بـ«الغريب والسريع».
وفي حين يظل البحث في مكاتب الأمن اللبنانية عن حل لمجموعة من الألغاز، ومنها مصير أبو حسين المقدسي (شاكر العبسي) وهوية الجثة التي وجدت وجرى التعامل معها على أساس أنها جثة شاكر العبسي، فإن أبو حسين المقدسي نفسه يتحرك في إحدى المناطق المعزولة أمنياً، وهو يدير عملية إعادة تطوير جهازه التنظيمي والعسكري، وخاصة بعد إعلان انتسابه رسمياً إلى تنظيم القاعدة وولائه للشيخ أسامة بن لادنلا يمكن استبعاد الاحتمالات الأمنية في شأن تنظيم فتح الإسلام بقيادة العبسي، وخاصة احتمالات ضلوعه قبل أيام في عملية انتقامية محدودة ضد استخبارات الجيش في العبدة، الموقع القريب من نقطة الاشتباكات التي بدأت في العشرين من أيار من العام الماضي، ولا من حادثة مخيم عين الحلوة ــــ مع ضرورة التدقيق في ما حصل هناك وعدم الاكتفاء بالرواية المتداولة رسمياً ــــ. فعمليات التسلّح والتجهيز على قدم وساق، ومن يعرف أسعار المعدات الحربية يؤكد لك أن المخيمات الفلسطينية، وخاصة المناطق التي يتحرك فيها الجهاديون، تشهد ارتفاعاً في أسعار البنادق والمعدات، مع ارتفاع طلب هؤلاء على المعدات المختلفة والأسلحة بأنواعها.
ولم ينس تنظيم فتح الإسلام أياً من شعاراته، وهو يؤكد في آخر بيان أصدره أنه يواصل إطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية، وكانت العملية الأخيرة المعلنة في 26 من أيار الماضي، حيث وجه صاروخ من نوع زرقاوي محلّي الصنع إلى مستوطنة مفتاحيم شرقي مدينة رفح.
وفي البيان الذي أصدره التنظيم في اليوم التالي أكد التمسك بإرجاع الخلافة الإسلامية.
وكان للتنظيم بيانان سابقان، الأول صدر خلال المعارك التي وقعت في لبنان، والآخر لمناسبة الذكرى السنوية لحرب البارد. ومما جاء في البيان الأول الصادر في 13 أيار: «رداً على أصحاب المشاريع الخبيثة من الذين يصُدّرون الفتنة من حين إلى آخر وخاصة ما ورد على لسان البوق الإعلامي لحزب الله النائب ناصر قنديل في مؤتمره الصحافي يوم الثلاثاء 13/5/ 2008 الذي قال من خلاله إن المجموعات التي تقطع طريق المصنع هم من أبناء تنظيم فتح الإسلام، وهذا ادّعاء خطير يراد من خلاله التمهيد لتوجيه ضربةٍ إلى أهلنا في تلك المنطقة بحجة أنهم من تنظيم فتح الإسلام وليسوا من تيار المستقبل. وهل كانت هناك شجاعة من هذا التيار أن يدافع عن نفسه أو أهله الذين حضنوه؟». ويضيف: «إننا في تنظيم فتح الإسلام نقول إن هذه المجموعات التي قطعت طريق المصنع ليست من تنظيم فتح الإسلام ولكنهم شباب من هذه الطائفة».
ويرى البيان «إن تيار المستقبل هو تيار عميل للأميركان وهو مشبوه، ولن ننسى أنه كان سبباً في قتل العديد من إخواننا وتدمير مخيم بأكمله وتشريد أهله. فهذا الفريق وما يمثّله لا يمثّل هذه الطائفة الكريمة، والذين يمثّلون أهل السنّة في هذا البلد هم أهل العقيدة السليمة».
طبعاً الاتهام لتيار المستقبل بتوريط فتح الإسلام في المعارك ثابت في هذه البيانات الصادرة عن المكتب الإعلامي للتنظيم، وفي كل أدبيات فتح الإسلام التي أصبحت تنشر على الإنترنت عبر مواقع خاصة، صادرة ومؤجرة من شركات تجارية سعودية.
إلا أن الخطاب القاسي فعلاً هو ذاك الذي وجّهته اللجنة الشرعية في التنظيم في 24 من أيار ومما جاء فيه : «ها قد عادت رحى الحرب لتطحن الكل وتعم العقوبة الجميع، ليتذكر أهل لبنان ما حل بإخوانهم من قبل في نهر البارد، حين تداعت الأكلة على القصعة، وتمالأت قوى الكفر والإلحاد على رجال الإسلام من أبناء فتح الإسلام». ويضيف أن «حقيقة حرب البارد أكدت أن الجيش اللبناني هش، ولولا من كان يمدّه، لما استطاع أن يحسم معركة مع عشرة أرانب، فما البال بأسود الإسلام. وأكدت الحرب (7 أيار) قوة «حزب الشيطان» وامتلاكه لكل مراكز القوى. وسيطرته على لبنان بهذه السرعة تجعلنا نقف موقف المُتسائل عن دور إيران وسوريا وسيطرتهما الفعلية على لبنان، مع خطورة سيطرة «حزب الشيطان» الشيعي بمشروعه الصفوي، على السنّة».
ويتابع: «موقف الحياد الذي وقفه «الجيش اللبناني الماروني» دليل على تحالفه السافر مع «حزب الشيطان»، ودليل على سيطرة الحزب عليه قيادة وأفراداً، وهو دليل أيضاً على أن من خاض معركة نهر البارد هم مقاتلو الحزب، لأن من يُسيطر على صنع القرار هو الحزب، لذا كان الجيش يتسلّم المناطق من الحزب».
ورغم غرابة هذه المقاربة، إلا أنها كانت تتناسب مع ضرورات التجنيد والتعبئة في الظروف المعروفة على مستوى الشحن المذهبي السائد في الميدان.


لن نسكت

«إننا في تنظيم فتح الإسلام لن نسكت على ما يحصل وإخواننا يُقتلون ويهانون، وسوف ندافع عن أهلنا في هذا البلد، وسنقطع الرأس الذي يريد أن يطأطئ رؤوس أهلنا ولو كلّفنا ذلك تقديم الأرواح وسفك الدماء. وإننا نتوجه إلى كل المخلصين من أبناء هذه الطائفة السنّية، وهم كثر، بأن يقفوا وقفة عزٍ في وجه العابثين والمعتدين. ونقول لماذا لم تمتد أيدي هؤلاء إلى النصارى، أوَليس سمير جعجع ومن معه في 14 آذار هم ممن يصنعون القرار؟ ولكنهم ليسوا هم المستهدفون، والمقصود هم أهل السنّة ولا أحد غيرهم». (من بيان القسم الإعلامي)، «توافُق الجميع، عرباً وعجماً، على إبادة مخيم نهر البارد جريمة كبرى تعني حرباً على حُمال المنهج السلفي الجهادي، أما أصحاب المذهب الجعفري الكفري، فالكل مال نحو الحوار معهم والمسالمة، فلمَ اختلفت المعايير؟!» (من بيان اللجنة الشرعية)