strong>قاسم سهيل قاسم«جدي المير بشير كان بيستاهل دكة»، هكذا يصف الفنان مارسيل خليفة في أغنيته الشهيرة، المتحف، الذي انتقل إليه المير بشير مع مرور الزمن، ولم يبق من «قصور الإمارة الشهابية» في برج البراجنة، مسقط رأسه الأساسي، إلا قاعدة عمود صغيرة يعلوها الغبار وتلفّها الأسلاك الكهربائية الشائكة من كل الجوانب.
هذه القاعدة أو الـ«نصف عمود» أصبحت اليوم مهددة بالزوال أيضاً، نتيجة إهمال الجهات المختصة. وكثير من أهالي المنطقة يتذمرون من وجوده «لأنه يأخذ مكان سيارة» أو «يضيّق مساحة الأرض»، كما يوضح أحد أبناء الحي الذي هجر المدرسة بسبب دروس التاريخ، ولا يعنيه إلا «إيجاد مساحة لصف الـ بي ام» على حد تعبيره.
يبدو أنّ المستفيد الوحيد من بقاء آخر ذكرى من الإمارة الشهابية في البرج، هو صاحب المولّد الكهربائي المجاور، حيث يستعمله لتمديد أسلاك الاشتراك إلى البيوت، وهو «يشكل نقطة مركزية» لشبكته المحلية.
يروي مختار شارع المنشية عبد العزيز الحركة قصة العمود الذي «وضعه إسماعيل حقي باشا تكريماً لذكرى الأمير بشير ووالدته الأميرة شمس التي بقيت تسكن في هذه المنطقة حتى وفاتها». ويتابع «كان يريد أن يكرّم أهالي منطقة المنشية، فهو كان على صداقة مع الشيخ مصطفى الربع أحد وجهاء المنطقة، فأمر بإنشاء حديقة عامة لهم. فاستولى المتصرّف على أرض كانت تابعة للحاج كامل حمد الحركة وشريك له من آل جلول، وأنشئت الحديقة ووضع النصب في وسطها».
يصف المختار كيف كان شكل العمود الأساسي، ويؤكد أن علوّه كان مرتفعا جداً، ولكن نتيجة عدم الاهتمام واللامبالاة سقط جزء كبير منه، عندما ارتطمت به إحدى السيارات التي كانت تريد أن تركن إلى جانبه. «أما باقي قطع النصب فقد أخذتها بلدية برج البراجنة التي جرى الاتفاق معها على حفظ القطع ومحاولة ترميمها لإعادة وضعها في مكانها الأصلي في وقتٍ لاحق».
يتأرجح جيران هذا النصب بين من يعرف قصته ومن لا يعجبهم شكله ويتمنون إزالته من دون أي اكتراث «لصاحب الذكرى»، لأنه يضيّق عليهم محالّهم، ويتمنى البعض «لو أنه لم يكن موجوداً أصلاً» لكي يوسّعوا محالّهم.
هذه المعركة بين «النصب» وأصحاب المحال حسمتها بلدية البرج التي ارتأت أن تعيد النصب كاملاً إلى مكانه، وتعيد بناء الحديقة التي افتتحها إسماعيل حقي باشا، بعد أن كانت هناك سلسلة من المشاكل مع أصحاب المحال الذين كانوا يطمحون إلى إزالته، و«كانت غبطتهم عارمة عندما سقط». ويقول المختار إنه لولا تدخله شخصياً لكان أزيل النصب من مكانه و«لم يبق له أثر، وكانت ستضيع هوية المنطقة وأهميتها التاريخية».
يبقى أبو علي ( 62 عاماً) من أكثر المتأثرين بإزالة هذا النصب، فهو كان جاراً له منذ أكثر من ثلاثين عاماً. ولا يزال يذكر كيف كانت حالته الأولى. يأخذ عكازه ليشير إلى تاريخ وضعه 1333 هجرية، «انظر إلى قدمه، ولكن للأسف، أخاف عليه من السرقة». يتكئ قليلاً ويشير: «هل لاحظت كيف نمت شجرة الزنزلخت بقربه، كان ارتفاعه يفوق الشجرة». يضيف بسخط «ولكن أحدهم أراد أن يركن سيارته فأوقعه». يأسف لهذا الإهمال وما وصلت إليه حال أصحاب المحال والبلدية، «يريدون إزالة محالّنا لإنشاء حديقة عامة وإعادة النصب كاملاً إلى مكانه وقد وعدنا بالتعويضات وما زلنا ننتظر». يكمل العجوز الستيني «بالنسبة إلي، فإن هذا العمود أهم من محالّنا. عمره يفوق عمر أقدم محل موجود في المنطقة، والشخصيات التي عاشت هنا لا يمكننا أن نهدر حقها فقط من أجل مصلحتنا الشخصية. أخاف على هذه القاعدة من أن أصحو في أحد الأيام وأجدها مسروقة، حتى إن الأعشاب الضارة قد غطّتها ولم تعد ظاهرة».
أما اليوم، فالمير بشير يقطن المتحف، ونصبه في مستودعات البلدية، ولا يسلّيه إلا بعض الزوار الذين يأتون لزيارته من حين إلى آخر، بينما ذكراه في مسقط رأسه مهددة بالزوال.