غسان سعودبعد خيبة أمل الرئيس أمين الجميل بالعودة إلى قصر الرئاسة إثر غياب عشرين سنة عنه، يبدو حزب الكتائب أمام تحديات أساسيّة يتوقف عليها مستقبله.
أولها، على صعيد بلورة الرئيس الجميِّل خطة عمل جديدة تحدد دور الحزب وأهدافه في المرحلة المقبلة بعدما تركز نشاطه خلال العامين المنصرمين على شقِّ طريق يوصله إلى القصر، مميزاً نفسه عن مرشحي 14 آذار بمرونة دفعته إلى انتهاز الظروف لمحاولة تحقيق حلم العودة إلى بعبدا، في ظل شائعات تقول إن الرئيس الأسبق أوصل في الأسابيع التي سبقت اتفاق الدوحة رسائل إلى القيادة السورية، ممثلة باللواء محمد ناصيف، يتعهد فيها العمل، في حال انتخابه، على إعادة وصل ما انقطع من العلاقات الثنائية.
ثانيها، التوتر المستمر بين جناحي الكتائب الممثلين بسامي الجميل وأصدقائه من جهة، وميشال مكتف ومعظم أصدقاء الشهيد بيار الجميِّل من جهة أخرى.
إذ إن استحداث المكتب الكتائبي السياسي الحالي فور انتخابه للهيئة المركزيّة وتعيين سامي منسقاً لها تمهيداً لإشرافه المباشر على كلِّ التعيينات في الحزب متجاوزاً بذلك مجلس الأقاليم، لم يقوض مكتف كما أمل الجميلان الأب والابن، وسط تأكيد المتابعين أن صهر العائلة، ذا العلاقة المتينة برئيس الأكثرية النيابيّة سعد الحريري، متَّن حيثيته داخل الحزب، ومنع سامي من فرض خطابه «المناهض» لاستئثار تيار المستقبل بقرار 14 آذار، ونجح في الحدِّ من اندفاع الجميّل للتميز عن 14 آذار.
يقول بعض الكتائبيين إن الحريري كاد يفرط الحزب حين أبلغ أحد مساعديه أن مكتف هو المطروح لشغل المقعد الكتائبي في الحكومة المقبلة، مع العلم أن طائفة مكتف، الروم الكاثوليك، تساعده في ظل طفرة المستوزرين الموارنة. وأمام رفض الحريري القاطع لتوزير سامي، يقول مصدر كتائبي إن الجميِّل الأب قدّم ثلاثة أسماء: جوزف أبو خليل، أنطوان ريشا، وسليم الصايغ. ويرى المصدر نفسه أن الجميّل يسعى للتوفيق بين سامي ومكتف، وفي اعتقاده أن الأول يصلح لإدارة الحزب، فيما الثاني، الآتي إلى السياسية من عالم الأعمال، يستطيع تعزيز علاقات الحزب بالقوى السياسيّة الحليفة والمنافسة.
أما التحدي الثالث فيتعلق بالمعالجة الجذريّة للعلاقة بين حزب الكتائب وتيار بشير الجميِّل. إذ إن نجلي بشير وأمين، نديم وسامي، ورثا التنافس عن والديهما. ويتخوف المحيطون بسامي من موافقة حزب الكتائب على ترشيح نديم، نائب رئيس منطقة الأشرفية، عن المقعد الماروني في دائرة بيروت الأولى، في ظل معطيات عن رفض الجميّل الأب لترشح نديم قبل أن يضمن مقعداً نيابياً لسامي. ويبدو أنه قال في الاجتماع الأخير للمكتب السياسي لحزب الكتائب إن صولانج ليست كتائبية، فيما أكدت هي خلال الاستشارات الملزمة الأخيرة أنها مستقلة، وأكدت لاحقاً خلال استشارات التكليف أنها لن تؤيد حكومة فيها أشخاص غير سياديين، خارجة بذلك عن اتفاق الدوحة الذي وافق عليه رئيس حزبها المفترض. مع العلم أن نديم يعيش ويعمل حالياً في قطر، وهو بعيد كثيراً عن التجاذب الكتائبي ـــــ الكتائبي. ويحاول دوماً الظهور مظهر المؤتمن على إرث بشير. فيما يرى البعض أن تعيين شقيقة نديم، يمنى، مسؤولية إقليم بيروت في الحزب، يمهد الطريق أمام تسوية ما.
ورابع التحديّات، يقول أحد قدامى الكتائبيين، يتعلق بالانتخابات النيابية المقبلة، إذ إن الرئيس الجميل كان قد وعد كل من ساعده خلال الانتخابات الفرعيّة الأخيرة بتزكية ترشيحه في الانتخابات، وخصوصاً جورج قسيس وسركيس سركيس ووديع الحاج وغيرهم. إضافة إلى الانقسام الذي يهدد الحزب نتيجة طفرة الطامحين إلى الترشح في الدائرة نفسها. ففي الشوف، يتطلع كل من ساسين ساسين ووليد فارس (مدعوم من سامي) إلى المقعد (الذي يعود للنائب وليد جنبلاط سلطة بت شأنه). وفي جبيل، هناك اسمان بارزان هما طنوس قرداحي ورئيس قسم عمشيت روكز زغيب الذي يعد نفسه قريباً من رئيس الجمهوريّة. وفي بعبدا زحمة مرشحين. أما في كسروان فعرف من بين المتطلعين إلى الكرسي ألكسندر رزق المقرب من مكتَّف. وتبرز معضلة في المتن، حيث ينوي الرئيس الجميّل الترشح (على أمل ترشيح سامي في بيروت)، إذ إن مكتف كان قد نقل نفوسه أخيراً إلى المتن، في خطوة فسّرها كثيرون بأنها محض انتخابيّة.
في موازاة هذه التحديّات، يرى أحد كبار الكتائبيين أن المشكلة الأساسية تكمن في نشوء التركيبة الحزبيّة الحاليّة، إذ إن المصالحة قبل ثلاثة أعوام قامت على قمع توجه سياسي عند فئة واسعة من الكتائبيين وتقييد هؤلاء بضرورات المصالحة، ومنعهم من التعبير عن رأيهم. وقد قمع وأحرج المصرون على إجراء حوار في المسائل الاختلافية بين الكتائبيين وتقديم رؤية كتائبيّة جديدة تمهيداً لإخراجهم.
ويرى أحد الذين قدموا استقالتهم بعد نصف قرن من خدمة الله والوطن والعائلة أن الوقت مناسب لتكرار سؤال سبق أن طرحه على المكتب السياسي قبل عام: ماذا يقدم تحالف 14 آذار لحزب الكتائب في الانتخابات المقبلة؟ يبتسم القطب الكتائبي مردداً: ستثبت النتائج أن التحالف أخذ من الكتائب الكثير ولم يعطها في نهاية المطاف إلا القليل.