ثائر غندورقبل أن ينسحب وزراء حزب الله وحركة أمل من حكومة الرئيس السنيورة، كانت الأحزاب والقوى الناصريّة تُحضّر لعقد مؤتمرٍ تنسيقي من أجل بلورة مشروع مشترك في ما بينها وإعادة تجميع قواها بعد اغتيال الرئيس الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان. انشغلت هذه القوى بالاعتصامات والضغط على السنيورة فتأجل المؤتمر.
اليوم، تعتبر هذه القوى نفسها في موقع أفضل. ويتحدّث أحد أعضاء أمانة السرّ المركزيّة في حركة الناصريين المستقلين (المرابطون) حسن نور الدين عن استعادة العديد من هذه القوى لقاعدتها الشعبية. وبالتالي فإن عقد المؤتمر عاد ليتصدّر الأولويّات. ويُحدّد عنوانين سيعمل المجتمعون لبلورة موقف منهما: قانون الانتخابات الذي اعتُمد وموضوع المقاومة.
يأمل هؤلاء خيراً في هذا اللقاء الذي يُفترض أن ينتج مرشّحين مشتركين للانتخابات النيابيّة من جنوب لبنان إلى شماله، وبطبيعة الحال مدينة بيروت. هنا، يسكت أبو علي نور الدين قليلاً، ليقول: «إذا دخلت المعارضة في لعبة الثنائيّات مع أحد أفرقاء الموالاة في بيروت، فإنها تكون قد أساءت إلى جمهورها وحلفائها الذين كادوا أن يُقتلوا في الدفاع عن اقتناعاتهم». لا يقول هذا الكلام مجازاً. فالموت كان قريباً جداً من أحد مسؤولي «المرابطون» الذي تعرّض للضرب في الطريق الجديدة لأنه «خرج عن الطائفة» كما قال له بعض أبنائها.
كلام «المرابطون» اليوم مفعم بالقهر. يستعيدون تاريخهم حين قاتلوا الإسرائيليين وكيف تمّت لاحقاً تصفية جميع قادتهم العسكريّين. وبعدها كيف عانوا من السوريين، لا لسبب إلّا لأنهم رفضوا المشاركة في حرب المخيّمات. لكن غصّة اليوم أعمق. هي غصّة ممتدّة منذ اغتيال الحريري حتى الوقت الراهن، إذ «تمّ تصنيف السنّة بين باب أول وباب ثان» يقول نور الدين، الذي كان مسؤولاً عسكرياً في الجنوب. ثم يتحدث عن الضغوط التي تعرّضوا لها «ترهيباً وترغيباً». وعن رشوة جمهورهم، ثم «رشوا واحداً اعتبر نفسه قائداً لقوّات المرابطون زوراً».
وفي هذه النقطة تحديداً، يوجّه نور الدين نقداً إلى قائد «المرابطون» إبراهيم قليلات لأنه لم يقبل حتى الآن بأي ظهور إعلامي رغم طلب العديد من الفضائيّات ذلك، وتبرير قليلات الدائم: «ليس وقتها الآن». هو يعتقد أن هذا الظهور يجب أن يترافق مع إعلانه أن أمانة السرّ المركزيّة تعمل وفقاً لتوجّهاته ولا علاقة له ببعض منتحلي الصفة. لكن أبو علي لا يُعلّق على موضوع عودة قليلات إلى لبنان، تاركاً الأمر لصاحبه، وينقل عنه قوله في إحدى المرّات: «عندما أعود أحمل كفني على كتفي»، في إشارة إلى وضعه الأمني الصعب. لكنّه يؤكّد أن عودة أبو شاكر أصبحت قريبة.
لذلك فإن على «المرابطون» تحضير أنفسهم لهذه العودة، مما يعني أن عليهم الدخول في ورشة عمل تنظيميّة لاستعادة وحدة التنظيم. وسترتكز هذه العمليّة بشكل أساسي على إعادة الصلة بجميع «الإخوة الذين توقفوا عن العمل بعد الدخول السوري»، ثم مع المناصرين. لكن عقد مؤتمر جديد سيبقى رهناً بعودة «الأخ أبو شاكر» أو بأمر منه، رغم أن المؤتمر الأخير عُقد في عام 1981.
وفي الانتظار، لن يتوقّف عمل «المرابطون» السياسي، الذي يؤكد انتماء بيروت إلى «الفكر المقاوم». ويعتزّ أبو علي بالعلاقة الممتازة التي تربطهم بحزب الله والحزب الشيوعي والسوري القومي الاجتماعي وبصلاتهم مع حركة أمل وجميع التيّارات الناصريّة. كذلك يعتزّ بعدم وجود أي صلات بأي من الأحزاب التي تدور في فلك الأميركيين. ويُشير إلى أحد اللقاءات التي جمعتهم بوفد من حزب الله في بداية حرب تمّوز وعرضوا عليه خمسين مقاتلاً مدربين للقتال في صفوف المقاومة الأماميّة، فكان ردّ الوفد حينها الشكر «لأننا لا نُرسل شبابنا إلى المناطق الأماميّة، ولا حاجة للعدد الكبير، فلماذا نُرسل شبابكم؟» كما قال لهم الوفد.
لكن دور هؤلاء المقاتلين جاء حين شاركوا في معارك بيروت الأخيرة، «بتوجيه من القائد أبو شاكر إلى جانب خيار المقاومة». وانتشر هؤلاء في بربور والنويري والظريف وعائشة بكّار وتلّة الخيّاط بحسب نور الدين «وبقيت عيننا على الطريق الجديدة لتجنيبها الكأس المرّة ونجحنا في ذلك بمساعدة العديد من الشخصيّات البيروتيّة». لا يُمكن الحديث عن هذه المعارك أن يمرّ من دون أن ينتقد «المرابط أبو علي» التعبئة المذهبيّة التي حصلت في بيروت طوال أعوام ثلاثة. ويتساءل إذا كان النائب سعد الحريري على علم بهذه التعديّات والاستفزازات مثل طرد عائلات شيعيّة من الطريق الجديدة استدراجاً لطرد عائلات سنيّة من الضاحية الجنوبيّة.
يشعر هؤلاء الشبّان، الذين سمّوا في وقت من الأوقات فصيلاً من فصائل حركة فتح، بحمل كبير على أكتافهم. يرون بيروت تنسى ماضيها وتتحوّل إلى عدو للمقاومة، أو كما قال وفد «يدّعي الناصريّة لسمير جعجع في زيارة سابقة له: يُمكنك أن ترتاح، فالطريق الجديدة التي كانت في وجه الأشرفيّة أصبحت في وجه الضاحية».