جعجع يؤكّد جديّة طرح اسمه للتّوزير وتحذير شمالي من «مكافأة القاتل»اتفق رئيس الجمهورية والرئيس المكلف تأليف الحكومة، تلميحاً وتصريحاً، على أن التأليف يحتاج إلى وقت أطول مما كان متوقعاً وقد يتأخر إلى أكثر من أسبوع، في ظل التباين حول توزيع الحقائب وحجم التمثيل للأفرقاء
لا تزال «حدة المطالب» للموالاة والمعارضة في الحكومة المقبلة تعرقل ولادتها التي يرفض الرئيس المكلف فؤاد السنيورة تحديد موعد لها، مؤكداً في الوقت نفسه أن الاتصالات التي يجريها مع الأطراف «تجري في أجواء شديدة الود»، فيما دعا رئيس الجمهورية ميشال سليمان، إلى الحوار من أجل إيجاد الحل المناسب إذا صعب تأليف الحكومة.
وقال سليمان أمام زواره أمس: «هناك دول كبرى تعذّر فيها تشكيل حكومات خلال أسبوع أو أسبوعين، أو أكثر، إلا أنه في النتيجة تم إيجاد الحل من خلال الحوار. ونحن بالأمس القريب شاهدنا بعض هذه الأمثلة».
وأشار إلى أن لبنان بلد محب للسلام الذي لن يتحقق إلا باكتمال التحرير.
وشدد على «أن لبنان لن يخضع للإرهاب الذي لن يرهب أيضاً المؤسسات العسكرية والأمنية، وكما لم نخضع للعدو الإسرائيلي، كذلك لن نرضخ للإرهاب، لأن لبنان بلد النضال والتصدي، وهو تصدى لإسرائيل وقاومها ونجح في مقاومتها».
وقال: «لا مجال للتهاون مع الفوضى، وخصوصاً مع الإرهاب، لأنه يشوِّه سمعة لبنان والعرب والمسلمين. فالإرهاب غير مبرر، وهو مرفوض من كل الأديان وشجبته كل المرجعيات الدينية، والإرهاب سيئ مثل إسرائيل، ويجب بالتالي مقاومته والصمود في وجهه، لا بل تحديه، ولدينا أكثر من تجربة في هذا المجال».
وكان سليمان قد استقبل وفداً من مطارنة الروم الكاثوليك برئاسة البطريرك غريغوريوس الثالث الذي ألقى كلمة أكد فيها «أن وحدة لبنان وتضامن أبنائه وحل أزمته الحالية هي مفتاح لحل مجموعة كبيرة من أزمات المنطقة».
من جهته، رأى السفير الإيطالي غبريال كيكيا بعد زيارته قصر بعبدا «أن وجود جيش لبناني قوي، يمكنه أن يسهم، وفق مضمون اتفاق الدوحة، في بسط سلطة الدولة على كل شبر من أرضها، مع كل ما يعني ذلك من موجبات»، مشدداً على «أن باستطاعة الجيش اللبناني أن يعتمد على الدعم الإيطالي في هذا الاتجاه».
وتلقى سليمان دعوة لزيارة الكويت من أميرها الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، نقلها إليه السفير عبد العال القناعي، الذي رأى أن اللبنانيين وحدهم قادرون على نفي الشكوك في نتائج مؤتمر الدوحة بتماسكهم وتوحدهم.

الجميع سيجلسون إلى مائدة الطعام

واستقبل الرئيس سليمان مساءً الرئيس السنيورة، وقوّم معه الاتصالات الجارية على الصعيد الحكومي. ولفت السنيورة بعد اللقاء إلى وجود تباينات في شأن توزيع الحقائب، معتبراً أن هذا الأمر «طبيعي»، وتجري معالجته «بروية وحكمة، وسنصل إلى الحكومة»، لافتاً إلى إحراز تقدم.
وقال: «نسير على الطريق الصحيح، ومن الطبيعي أن يأخذ التشكيل وقتاً، فلا يتوتر أحد»، مشيراً إلى متابعة العمل «من خلال اتصالات ثنائية، ونتقدم خطوات إلى الأمام»، رافضاً الحديث عن «العراقيل أو التعثر».
وأضاف: «الرئيس على بينة مستمرة بما يجري. أقوم بالاتصالات، وهو على اطلاع ويساعد أيضاً».
ورداً على سؤال قال: «تكلمت في السابق أن الجميع سيجلسون إلى طاولة الطعام، وعلى الطباخ الموجود في المطبخ أن يقوم بعمله».
وكان السنيورة قد أمل خلال احتفال في السرايا إطلاق «البرنامج الوطني للدمج المدرسي في لبنان»، «أن تكون حكومة وحدة وطنية متآلفة، نرضى عنها جميعاً»، مشدداً على أن «البلاد تحتاج إلى مزيد من التهدئة، وإلى الاستقرار السياسي والأمني». وقال: «نحن على أعتاب مرحلة جديدة، مسلماتنا الوطنية ما زالت كما هي، تمسكنا بنظامنا الديموقراطي وبحرياتنا واستقلالنا وسيادتنا وتحرير ما بقي من أرضنا».
والتقى السنيورة رئيس حزب الكتائب أمين الجميل والنائب بطرس حرب وعرض معهما تطورات الوضع الحكومي.
وأكد الجميل بعد اللقاء أنه لن يكون وزيراً وستمثل الكتائب بشخصية مارونية من الحزب وكان الجميل قد أكد بعد لقائه مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون الاستراتيجية دايفيد غوردن والقائمة بالأعمال الأميركية ميشيل سيسون على رأس وفد من السفارة، أن قضية دخوله الحكومة طرحها الإعلام «ولم أبد، ولا حزب الكتائب أبدى أي رغبة لدخولي شخصياً».
من جهته، أمل رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية»، سمير جعجع، بعد استقباله الوفد الأميركي أن «تتألف الحكومة الجديدة في المستقبل القريب وتشكل توازناً فعلياً في لبنان، وستكون كذلك إن شاء الله». وتمنى من البعض «عدم «تمنين» الناس ببعض الإنجازات»، مشيراً إلى أن «ما تحقق هو بفضل ثورة الأرز».
وأكد أن طرح اسمه للمشاركة في الحكومة جدي، وأن تمثيل «القوات» سيكون على قدر حجمها الفعلي.
والتقى الوفد الأميركي أيضاً رئيس كتلة «المستقبل»، النائب سعد الحريري بحضور النائب مصباح الأحدب والنائب السابق غطاس خوري والمستشار هاني حمود.
وفي الموضوع الحكومي، أعلن الوزير أحمد فتفت في حديث إلى إذاعة «صوت لبنان» أن موضوع مبادلة وزيرين شيعيين بوزير سني وآخر درزي الذي طرحه حزب الله «طوي على الأقل في المرحلة الحالية».
في غضون ذلك، اتسعت دائرة الاعتراض على إدخال جعجع إلى الحكومة، وفي هذا الإطار، حذر «لقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية والإسلامية» في الشمال إثر اجتماع استثنائي له لمناسبة ذكرى استشهاد الرئيس رشيد كرامي في مقر حزب «التحرر العربي»، من توزير جعجع، مشيراً إلى أن «طرابلس تقول بشيبها وشبابها لمن يهمه الأمر، وبالأخص دولة الرئيس المكلف، فؤاد السنيورة ومفتي الجمهورية، اللذين من المفترض أن يكونا ضنينين في هذا البلد على كل السنّة في لبنان، وعلى دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إن طرابلس تعلم قاتل رشيد كرامي وتأبى أن يكافأ هذا القاتل».
من جهته، أعرب رئيس «المؤتمر الشعبي اللبناني» كمال شاتيلا، عن ألمه من أن نرى من اغتال الرئيس كرامي «يحاضر في العفة، من دون أن يعتذر عن الجريمة التي اقترفها، أو يطالب بإعادة محاكمته».
واستقبل شاتيلا في حضور أعضاء من قيادة المؤتمر، وفداً من قيادة حركة «أمل» برئاسة رئيس المكتب السياسي الحاج جميل حايك .
وبرز على هذا الصعيد، الاجتماع الذي عقد بين قيادتي حركة «أمل» والحزب التقدمي الاشتراكي، في المجلس النيابي، وحضره عن الحركة النائبان علي حسن خليل وعلي بزي، ورئيس هيئتها التنفيذية الحاج محمد نصر الله، وعن الحزب النائبان أكرم شهيب ووائل أبو فاعور وأمين السر العام في الحزب المقدم شريف فياض.
وأكد المجتمعون «الحاجة إلى التواصل وتقديم منطق الحوار في العلاقات الداخلية بين جميع القوى السياسية، والاحتكام إلى الدولة ومؤسساتها، والابتعاد عن منطق التفرقة، بما يسهم في استعادة العلاقات الطبيعية بين اللبنانيين»، مشددين على «جعل العلاقة الثنائية بين الطرفين مقدمة لاستعادة العلاقات بين القوى السياسية من ضمن منطق العمل السلمي والديموقراطي والتباين السياسي المشروع». واكد المجتمعون «الالتزام باتفاق الدوحة وبروحية الوفاق الذي قادت إليه، وتنفيذ جميع مضامينه، وفي مقدمها الإسراع في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية لكي تضطلع بدورها في التأسيس لمرحلة جديدة بين اللبنانيين وفتح الحوار بروح إيجابية تهدف إلى إيجاد الحلول وتحصين الوضع الداخلي»، ودعوا إلى «تدشين مسار مصالحة اجتماعية شعبية بين اللبنانيين في جميع المناطق، ولا سيما تلك التي شهدت أحداثاً أليمة إلى جانب مسار المصالحة السياسي والدستوري».
بدوره، واصل حزب الله جولته على أحزاب المعارضة، فالتقى وفد منه قيادة حزب الطاشناق، وعرض معها الأوضاع العامة في البلاد، وخصوصاً نتائج اتفاق الدوحة وكيفية تطبيقه «بنيات سياسية طيبة». وتطرق المجتمعون إلى موضوع تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب وكيفية التعاون للإسراع في تشكيلها سريعاً.
كما زار الوفد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، علي قانصو، وصدر بيان عن المجتمعين رأى «أن المناخات الإيجابية التي تصاحب المشاورات بشأن تشكيل الحكومة، يجب أن تنسحب إيجابية مطلقة على أساسيات البيان الوزاري، وفي مقدمها تبني خيار المقاومة، والعلاقات المميزة مع سوريا، ومعالجة الشأن الاجتماعي ـــــ الاقتصادي».

الاستفادة من «الكوما» الأميركيّّة

وأكد نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، «أن ما تحقق في الدوحة هو ما طالبت به المعارضة منذ سنة ونصف السنة»، وقال: «نحن بحاجة لبناء بلدنا، وقد أثبت اتفاق الدوحة أننا نكون بالرهان على وحدتنا، لا على الخارج».
ورأى خلال احتفال أقامته السفارة الإيرانية لمناسبة الذكرى التاسعة عشرة لرحيل الإمام الخميني، في قصر الأونيسكو، أن خطاب القسم يحمل العناوين الإيجابية للعمل، داعياً إلى الاستفادة «من فترة الترنّح الأميركية، أي مرحلة «الكوما»، حيث لا يوجد حل في أي مكان، لا في العراق، ولا في فلسطين، وننتهز الفرصة قبل أن يصحو الأميركي. ونعدكم كمعارضة أننا سنأخذ بيد الموالاة لنمنع أميركا من أخذ لبنان إلى غير مكان».
وأكد السفير الإيراني، محمد رضا شيباني في كلمة له، أن بلاده عملت «مع كل الأطراف من أجل خلاص لبنان من محنه وتعزيز وحدته وسلمه الأهلي»، فيما وصف ممثل رئيس المجلس النيابي، النائب أيوب حميد اتفاق الدوحة بأنه «انتصار للبنان على الفتنة وجمع لشمل اللبنانيين بعد افتراقهم على مقاربة قضايا أساسية وجوهرية».
وألقى المطران بولس مطر كلمة البطريرك الماروني نصر الله صفير، متمنياً أن تتحول الهدنة الحالية التي دخل لبنان في أجوائها إلى سلام مستدام.
من جهته، طمأن نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الشيخ عبد الأمير قبلان، اللبنانيين «إلى أن ولاية الفقيه لا تمس ولاية الدولة اللبنانية»، وطالب بالكف عن هذا الكلام، كما طالب إيران بإصدار كتيِّب عن أعمال ومهمة وأوصاف ولاية الفقيه.
وأكد أمين سر «تجمع العلماء المسلمين» الشيخ أحمد الزين الحاجة الماسة للوحدة الإسلامية، موضحاً أن هذه الدعوة «لا تتعارض مع الانتماء للوطن».
إلى ذلك، أثنى مفتي الجمهورية، الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني خلال استقباله السفير السعودي الدكتور عبد العزيز خوجة على دور السعودية «في اتفاق الدوحة والجهود التي تقوم بها في العالم العربي والإسلامي».
ورأى «أن إعلان تشكيل الحكومة بالسرعة الممكنة سيطمئن اللبنانيين أكثر فأكثر إلى نتائج اتفاق الدوحة، وإلى استئناف حياتهم اليومية وعودة البلاد إلى حالتها الطبيعية».
في المقابل، دعا رئيس «جبهة العمل الإسلامي»، الداعية فتحي يكن «مرجعيات دينية، زعامات سياسية وحركات وتيارات إسلامية، إلى وقفةٍ تاريخية صادقة مع الله أولاً، ثم صادقة مع التجربة المريرة السابقة للخروج من واقع الضعف والتشرذم والضياع والانهزام»، وذلك «بعد كل الذي أصاب أهل السنة في لبنان من انقسام وتغرير ومحاولات تغريب».
كما دعا يكن المفتي قباني ومجلس المفتين والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى ورؤساء الوزراء السابقين والرئيس السنيورة، والنائب الحريري، وكل الزعامات السياسية والإسلامية الأخرى، إلى خطوة جريئة «ينعتقون فيها من ذواتهم ومصالحهم الفئوية والعائلية وارتباطاتهم وولاءاتهم الخارجية».