يعاني العديد من الطلاب الجامعيين مشقّة كبيرة في الحصول على عمل بعد تخرجهم. وفي معظم الأحيان يضطرون إلى العمل في وظائف لا تناسب اختصاصهم الجامعي ليتّقوا شر البطالة
هيثم خزعل

«أنا عمري 25 سنة، وبعد ما عملت شي بحياتي» هكذا بدأ محمود سعيد كلامه. تخرج الشاب من كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية في صيف 2006. وهو يتابع حالياً الدراسات العليا في اختصاصه. فبعدما أطاحت قنابل حرب تموز بحلم محمود بالسفر إلى فرنسا ومتابعة الدراسة فيها، أجبر على السير بمشواره الحقوقي على أرض الوطن.
يروي محمود مشاقّ رحلته في البحث عن مكتب محاماة للتدرج، فقد أمضى ثلاثة أشهر باحثاً دون جدوى، ولولا الأصدقاء ومعارفه الشخصيون لما أفلح في دخول المكتب الذي يتدرج فيه حالياً. كانت رحلته قصيرة مقارنةً بزملائه في الدراسة. فالعديد من الأصدقاء الذين تخرّجوا معه لم يجدوا حتى الآن مكتباً مستعداً لاستقبالهم. فطلب بعض المحامين منهم مبلغ مئتي دولار شهرياً للسماح لهم بالتدرج لديهم. وتمتد فترة التدرج من ثلاث إلى أربع سنوات، يخضع بعدها المتدرج لامتحان ليصبح محامياً في الاستئناف، وكي يستطيع الصمود طيلة هذه الفترة بدون مردود مالي، يجب أن يسمح وضعه المادي والاجتماعي بذلك.
تتأرجح حالة محمود بين الرضى من حصوله على مكان للتدرج، والشكوى من الضائقة المالية، فلا مقابل ولو بسيطاً من المكتب «حتى أجرة النقل أنا مضطر أن أدفعها». يقاوم محمود مغريات وظائف «الكيف ما كان» ويحاول، ولو بصعوبة، إكمال مشواره الحقوقي. الشاب المنزعج من المحسوبيات يدغدغه حلم السفر، لكنه يتمنى البقاء والنجاح في لبنان. ويعيش على وقع استحقاقات الحياة الداهمة، فلا مهرب من التفكير في الزواج وشراء منزل.
«جميعهم قالوا لي: نهاتفك لاحقاً، لكن لم يتصل أحد بي» يقول نبيل بلوط عن سائر أصحاب العمل الذين أودعهم سيرته الذاتية. يبلغ نبيل الخامسة والعشرين من العمر، وهو تخرج العام الماضي من الجامعة اللبنانية، وحاز إجازة في إدارة الأعمال. يحلم منسق الأسطوانات الليلي في إحدى صالات الأعراس، في الحصول على وظيفة في اختصاصه. لا يستسلم نبيل لليأس رغم أنه دخل موسوعة غينيس في عدد طلبات التوظيف، بعدما تقدم بأكثر من مئة وثلاثين طلباً، والعدد في ارتفاع.
«الوضع في لبنان شديد التعقيد. ومذهب الإنسان، بالإضافة إلى انتمائه الحزبي، هما المعياران المعتمدان للتمكن من الحصول على عمل». هكذا يعلل نبيل سبب فشله في الحصول على وظيفة تناسب طموحاته ومهاراته حتى الآن، وهو يأمل في الحصول على وظيفة ثابتة لما لها من إيجابيات تتعلق بضمان المستقبل والتأمين الصحي. وهو يرى أن العمل يكسب الشخص نوعاً من الاستقرار الذاتي، ما يجعله أكثر أهمية من الزواج الذي لا يشكل أولوية لديه حالياً.
في المقابل، يبرز حسين، وهو عاطل عن العمل، ابن الثلاثة وعشرين عاماً الذي يملك شهادة الامتياز الفني في الإدارة والتسويق. إذ لم تفلح طلبات التوظيف التي تقدم بها إلى عدد كبير من المؤسسات، كما لم تنفع السير الذاتية التي حمّلها إلى رفاقه المسافرين إلى دول الجوار، على أمل أن تنقذه من فخ البطالة. يرجع حسين فشله في الحصول على عمل «إلى وباء الانتماء الطائفي والحزبي الذي استفحل في ميادين العمل وبين أربابه». وهو يعيش اليوم وضعاً نفسياً صعباً بعدما ملّ من جملة «نهاتفك لاحقاً». لكن ما يؤلمه أكثر هو وضع أخيه الذي تخرج قبله وانتهت به الحال إلى العمل فتى توصيل للنراجيل (delivery) بعدما مزّق شهادته. يحلم حسين بالهجرة إلى السويد عن طريق الفتاة التي تعرف إليها عبر الإنترنت، فهي حبل خلاصه الوحيد من الوضع الحالي.