بسبب الاختلاف في تطبيق الوصف القانوني على حالة مدعى عليه مصاب بمرض السرقة، أصدرت محكمتان في الشمال حكمين، أعفى أحدهما المدعى عليه من العقوبة، بناءً على مادة قانونية رفض الحكم الآخر تطبيقها
طرابلس ــ خالد سليمان

أصدرت محكمتان في الشمال حكمين مختلفين بحق شخص واحد، لارتكابه جريمتي سرقة متشابهتين، من ناحية قيمة المسروق وأسلوب التنفيذ. ورغم التشابه المذكور، تناقض الحكمان في العقوبة التي نصّا عليها، واختلفا في المواد القانونية التي استندا عليها، رغم اتفاقهما على أن المحكوم يعاني اضطراباً نفسياً يُعرَف باسم «مرض السرقة» kleptomanie. الاختلاف في الحكمين بدأ من تشخيص الوضع القانوني للاضطراب النفسي المذكور. ففي الحكم الأول، رأى القاضي المنفرد الجزائي في طرابلس طارق البيطار أن المدعى عليه كان يعاني «حالة جنون أفقدته الوعي والإرادة» عند تنفيذه فعل السرقة، فاستند إلى المادة 231 من قانون العقوبات التي تنص على إعفائه من العقوبة. أما في الحكم الثاني، فرأى القاضي المنفرد الجزائي في زغرتا الرئيس جوزف بو سليمان، أن المحكوم ذاته كان، وبتأثير من الاضطراب النفسي ذاته، «فاقداً للعقل»، مما دفعه لتطبيق المادة 232 من قانون العقوبات، وبالتالي، الحكم بحبس المدعى عليه مدة 6 أشهر وتغريمه مبلغ 200 ألف ليرة، على أن تُنَفّذ العقوبة في مستشفى للأمراض النفسية والعصبية والعقلية، حيث سيخضع للعلاج.
الحكم الأول استأنفته النيابة العامة الاستئنافية في الشمال، إلا أن محكمة استئناف جزاء طرابلس (الغرفة التي يرأسها القاضي جوزف سماحة وعضوية المستشارين أبي راشد وعلام حكماً) صدّقت الحكم الذي دان ف. ن. بجنحة سرقة مسبحة وزجاجة عطر من داخل سيارة، وإعفاءه من العقاب، سنداً للمادة 231 من قانون العقوبات.
إلا أن محكمة الاستئناف قالت في قرارها «إن المستأنَف ضده أدين بالمادة 636 من قانون العقوبات لارتكابه الجرم الذي أسند اليه، ثم أُعفي من العقاب عملاً بالمادة 231 من القانون ذاته، الأمر الذي يجعل المطالبة بإدانته بالمادة 636 أمراً نافلاً ومن دون أساس، مما يوجب رد الاستئناف أساساً لعدم قانونيته مع العلم أن ثبوت حالة الجنون المنصوص عليها في المادة 231 (عقوبات) يشكل منع إسناد ينفي المسؤولية الجزائية، ولكنه يبقي على الصفة الجرمية للفعل، ويوجب تطبيق المادة 232 من قانون العقوبات، وحجز المدعى عليه في مأوى احترازي طالما أن الجنحة المقصودة التي ارتكبها تتجاوز عقوبتها السنتين حبساً، بيد أن عدم إثارة هذه النقطة من جانب المستأنِفة تحول دون إمكان التطرّق إليها عفواً عملاً بالمادة 220 من قانون أصول المحاكمات الجزائية».
أما الحكم الثاني، فاستأنفَه المحكوم، وأصدرت محكمة استئناف جزاء الشمال (الغرفة التي يرأسها القاضي منير عبد الله وتتكون هيئتها من المستشارين حسام النجار وبسام الحاج)، فأصدرت قراراً صدّقت فيه الحكم الذي دان المدعى عليه ذاته، ف. ن، بجنحة سرقة أشياء من داخل سيارات بعد كسر زجاجها، والذي رد فيه القاضي طلب إعفاء المدعى عليه من العقوبة سنداً للمادة 231 من قانون العقوبات. بيد أن محكمة استئناف الشمال عدّلت العقوبة المقررة والتدبير المتخذ من جانب القاضي المنفرد الجزائي وقررت وقف تنفيذها، سنداً للمادة 169 من قانون العقوبات، التي تمنح القاضي سلطة وقف تنفيذ العقوبة بحق المحكوم إذا لم يسبق أن قضي عليه «بعقوبة من نوعها أو أشد». وقد استندت محكمة الاستئناف في قرارها إلى الآتي: «حيث إن المستأنِف (المحكوم) لم ينازِع في صحة مبدأ الإدانة إنما طلب إعفاءَه من العقاب سنداً للمادة 231 عقوبات تبعاً لحالة التخلف العقلي التي يعانيها، والتي أفقدته حالة الإرادة؛ وحيث إنه بالنسبة إلى العقوبة فإنه يتبيّن من جميع التقارير المرفقة بالملف أن المدعى عليه يعاني مرضاً نفسياً يتعلق بالاضطربات السلوكية وعدم القدرة على السيطرة على الدوافع الانفعالية؛ وحيث يتبين أن ما يعانيه المدعي لا يعدّ من نوع العاهة وهو ليس بالجنون، فالمشترع في المادتين 231 و233 (عقوبات) حدد حالات انتفاء التبعة وتخفيفها إذا كان مرد الفعل الجرمي إلى النقص الحاصل في العقل لا الخلل أو الاضطراب النفسي مع سلامة العقل، وإن مرض kleptomanie هو نوع من الخلل النفسي والضعف في قوة الوعي أو الاختيار عند صاحبه، وليس سبباً للاختلال العقلي كما هو مفروض قانوناً، وليس من شأنه أن ينقص العقل والوعي، بل يؤثر على العاطفة. فالانفعال النفسي والعاطفة التي تدفع الجاني لارتكاب الجريمة تحت تأثيره ليس مانعاً للعقاب عملاً بالمادة 231 عقوبات ولا يشكل أيضاً السبب القانوني لتطبيق المادة 233 عقوبات». يذكر أن المادة 233 تنص على إبدال العقوبة أو خفضها لكل من كان «حين اقتراف الفعل، مصاباً بعاهة عقلية، وراثية أو مكتسبة، أنقصت الوعي أو الاختيار في أعماله».
مصدر قضائي قال لـ«الأخبار» إنه ليس أمام المحكوم اليوم أي سبيل من سبل المراجعة، معيداً الاختلاف بين القرارات القضائية المذكورة إلى اختلاف الوقائع التي تستند إليها المحاكم.
بدورهم، قال باحثون في علم النفس من الجامعة الأميركية في بيروت لـ«الأخبار» إن الحالة التي يعانيها المحكوم لا تُفقِده الإرادة بشكل تام، إلا أنها تدفعه إلى ممارسته السرقة بشكل يكون من الصعب جداً عليه مقاومة ما يدفعه لارتكاب هذا الفعل.