شارك أطفال برنامج «عمالة الأطفال» الذي ينظّمه مركز الخدمات الإنمائيّة ـــ الشيّاح، التابع لوزارة الشؤون الاجتماعيّة، في «فسحة تعبير» عن البيئة... وأحلامهم أيضاً. ويأتي هذا النشاط من ضمن خطّة المركز على إعادة دمج بعض هؤلاء في المدارس مطلع العام المقبل
راجانا حميّة
كانوا خمسة أطفال: علي وعزّ الدين وبشرى وملاك وروان، يرسمون في وقت ليس من المفترض أن يكون فراغاً بالنسبة إليهم. أمس، كان اليوم ما قبل الأخير من العطلة المدرسيّة الأسبوعيّة، ولكن هؤلاء الأطفال لا يعرفون ماذا يعني يوماً مدرسيّاً، حيث لم يجرّبوا منذ زمن ربّما الجلوس على مقعد إلى جانب الرفاق أو قراءة قصّة أو كتابة ما يفكّرون به. خمسة وجدوا أنفسهم «أبناء شارع» لأسباب كثيرة، منها عائلة لم تعد قادرة على تغطية نفقات لقمة العيش، ومدرسة لا تقبل طفلاً من دون تأمينات. كلّ هذه الأسباب التي لا قدرة لهؤلاء الأطفال على استيعابها، وضعتهم أمام خيارين: إمّا العمل وإمّا التسكّع في الشوارع كما هم الآن. وأمام هذا الواقع، كان لا بدّ من منح الفرصة الصغيرة لهؤلاء من أجل تحديد خياراتهم بأنفسهم، مهما تكن، ولو وصلوا فيها إلى تفضيل زواريب الشوارع على مقاعد الدراسة. فكانت المبادرة الأولى «فسحة تعبير على الجدران» نظّمها مركز الخدمات في الشيّاح، بالتعاون مع جمعيّة عطاء الأجيال، ضمن برنامج «عمالة الأطفال» الذي كان قد باشر فيه المركز منذ ما يقارب العام. خلال هذه الفسحة، كان من المفترض أن يكونوا تسعة أطفال ممّن يتابعون دروسهم في المركز ، ولكن ظروف العمل لبعضهم منعتهم من المشاركة في النشاط، فحضر خمسة فقط يرسمون في الفسحة ما يحلمون به وما يؤرقهم أيضاً، وإن كان همّهم في تلك اللحظات لم يتعدّ «البحر وصيد السمك». غير أنّ القصّة لم تكن لتنتهي هنا، عند الجدران المملوءة بالرغبات، فهؤلاء يحتاجون لأن يخبروا قصصهم بين الشارع والبيت والعمل، ولو لـ«غريب» مرّ صدفة بالقرب منهم. في أوّل قصّة، يروي اثنان حكاية مدرسة لم يقصداها أبداً. حكاية بدأت في تركيا قبل ستّ سنوات، حينما أعدّ الطفلان بشرى وعز الدّين ألماس (تركيي الجنسيّة) العدّة للرحيل مع الوالد إلى لبنان بناءً على طلب الخالة التي تقطن بيروت منذ زواجها لبنانياً. لم يكن الطفلان قد دخلا قبلاً مدارس تركيا بسبب صغر سنّهما، ولحظة وصولهما إلى لبنان، لعبت عوامل كثيرة في عدم الانتساب إلى المدرسة، فكان أولها خوف الوالد من وضع طفليه ضمن أجواء لا يعرفانها وحاجته إلى المال الذي يعمل عزّ الدين على تأمينه إلى جانب عمل والدته في المنازل، وثانيهما الهويّة اللبنانيّة التي لم تصدر بعد، والتي تمنع المدرسة من قبول هويّة لا مكان لها ولا مصير يحدّدها. ولكلّ هذه الأسباب، لا يجد الطفلان سوى العمل، عز الدّين «مساعد لحّام»، وبشرى في تنظيف المنزل الذي تتركه الوالدة منذ الصباح الباكر من أجل العمل ولا تعود إليه إلّا ليلاً. أمّا علي بصل (11 سنة)، فقد قرّر ترك المنزل لسنتين فقط، ريثما ينتهي والده من تسديد تكاليف عمليّة والدته الجراحيّة في رأسها وأذنها. كان علي، الطفل الوحيد بين أشقّائه الذي اضطرّ إلى ترك مدرسته، فهم باتوا قادرين على العمل والتسجيل في المدارس والجامعات، أمّا هو فلا يستطيع فعل هذا، لأنّ «الثمانين ألفاً» التي يجمعها من عمله الجديد في مشتل الورد، يساعد فيها والده على إعالة والده، فيما يستغلّ الوقت المتبقّي لتسلية والدته المريضة. وملاك، تركت المدرسة أيضاً، لأنها «زنخة، والمعلّمات يضربنني»، ولكنّها لا تحلم كالباقين بالعودة إلى «هناك»، فهي، إضافة إلى أنّها لا تحبّ «الضرب»، لم تعد تجد في المدرسة ما يحفّزها على العودة، وخصوصاً أنّها لا تحبّ القراءة ولا الكتابة. وبالعودة إلى برنامج «عمالة الأطفال»، تشير مديرة المركز نزيهة دكروب إلى «أنّ النشاط هو جزء من البرنامج الذي بدأ منذ عام، ويستهدف تعليم الأطفال القراءة والكتابة وبعض المناهج التعليميّة، من أجل إلحاقهم في المدارس مطلع العام المقبل، أو تعليمهم بعض المهن أيضاً إن كانوا غير قادرين على العودة إلى المدرسة بسبب أعمارهم أو وضع عائلاتهم المادّية».