إبراهيم الأمينتراجَع الكلام عن لقاء كان مرتقباً غداة اتفاق الدوحة بين الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، والنائب سعد الحريري، لكن المساعي لعقد هذا اللقاء لم تتوقف. صحيح أنه لا أحد يتحدث عنها، بل ثمة من يقول إن اللقاء يمكن أن يحصل في أي لحظة، لكن المناخ الذي قامت عليه الفكرة بعد اتفاق الدوحة، يتطلب الكثير من الأمور حتى يتحول اللقاء إلى حقيقة لها معناها.
بعد توقف حوادث بيروت وذهاب الجميع إلى الدوحة، كان الجانبان في حزب الله وتيار المستقبل قد تجاوزا الاتصال شكلاً، حتى إن الفريقين تصرّفا في الدوحة على أساس أنهما قد يتواجهان في مناقشات حادة أو هادئة، غير أن ذلك لا يمنع التواصل، وبالتاكيد فإن حزب الله لم يتعامل مع الحريري يوماً بالطريقة نفسها التي يتعامل بها مع الآخرين من فريق 14 آذار، ولهذا القرار أبعاده الكثيرة. وعندما تم اتفاق الدوحة لم يكن حزب الله في مناخ بعيد عن ضرورة، بل حتمية التواصل المباشر مع الحريري، دون التوقف عند ما يقوله الرجل أو ينسب إليه، علماً بأن التواصل ظل قائماً بين الجانبين، ولو من خلال قنوات جانبية، لكنها مؤثرة جداً، وخصوصاً تلك التي قامت على قاعدة التقاطعات اليومية بين الفريقين في شؤون أمنية وسياسية وقضائية.
بعد اتفاق الدوحة لم يكن حزب الله في وارد القيام بما من شأنه تعكير الأجواء أو توتيرها، وهو الذي يعرف تماماً المناخات المتوترة جداً لدى جمهوره كما لدى جمهور الحريري. لكن الحزب لم يكن على ما يبدو في المناخ نفسه الذي عاشه الحريري لناحية اعتباره أن ما حصل يتطلب اعتذاراً من حزب الله، وهو أمر لا يراه الحزب مطلباً محقاً، لأن ما تعرّض له هو على مدار عامين ونصف من حملات لم تتوقف حتى خلال العدوان الإسرائيلي في تموز 2006 وتطورت إلى مخططات وقرارات تستهدف ضرب المقاومة وقادتها والعمل من مستويات عدة لإضعافها وعدم احترام قرار الطائفة الشيعية بأكملها الخروج من الحكومة والتصرف حيال الأمر وكأن شيئاً لم يكن، كل ذلك، إلى جانب التوسع في تجاوز الأعراف الخاصة بالعلاقات السياسية، واتهام الحزب بالتورّط في عمليات اغتيال من أقرب حلفاء الحريري دون أي موقف منه، كل ذلك يجعل الحزب في معرض من يحتاج هو إلى اعتذار من الآخرين.
كذلك فإن نظرة الحزب إلى ما دفع المعارضة للقيام بما قامت به أخيراً في بيروت ومناطق أخرى، لا تنطوي على مراجعة نقدية كالتي يريدها الحريري، وإذا كان هناك نقاش في الحزب لم يخرج بعد إلى العلن حول ضرورة إعادة مناقشة الوضع في ضوء الأحداث الأخيرة وتداعياتها، فإن في الحزب من يرى وجوب قيام الحريري نفسه بمراجعة لكل المسار السياسي الذي سلكه منذ اغتيال والده وتوليه هو زمام الأمور، ومراجعة التحالفات التي نسجها داخلياً وخارجياً وماذا حققت له على صعيد كشف حقيقة من قتل والده وتبيان من كان عقبة أمام قيامه بمهمات تحاكي بعض ما كان والده يقوم به على صعيد بناء الدولة. ومع ذلك، فإن الكلام الرسمي في الحزب لا يقارب تحمّل الحريري مسؤولية ما ينوي القيام به، بل ينحصر في حدود كون الحريري حراً في ما يختاره.
غير أن التواصل الذي استمر حتى أثناء الأحداث الأخيرة وتكثف في مرحلة ما بعد اتفاق الدوحة، تناول فكرة الاجتماع بين السيد نصر الله والنائب الحريري. وفي الأيام الأولى لهذه المرحلة، كان هناك اتجاه يعزز فكرة أن يتولى الحريري رئاسة الحكومة، وهو أمر جعله يشعر بالحاجة إلى التواصل أكثر مع الحزب وإلى الاجتماع بأسرع وقت مع نصر الله والتوصل معه إلى تفاهمات تجعله يدير حكومة وحدة وطنية على نحو هادئ.
وعندما بدا أن هناك من لا يريد للحريري تولي هذه المسؤولية الآن، وأن الأمور تسير في اتجاه استمرار الرئيس السنيورة، شعر معنيون بالبرودة تصيب الاتصالات الخاصة بترتيب لقاء سريع بين الرجلين، وفجأة خرج حول الحريري من يقول كلاماً من النوع الذي لا يدل على رغبة حقيقية في جمع الرجلين، مثل القول بأن زيارة الحريري لنصر الله ستزيد الإحباط في أوساط جمهور الحريري، وستعرّضه لحملة نقد كبيرة، إذ كيف يذهب إلى من هو متهم بغزو بيروت على ما يقولون؟ ثم حاول آخرون وضع الأمر في صيغة شرطية، مثل القول إن نصر الله سيتحدث في عيد التحرير، ولننتظر ما سيقوله، وإذا قدم اعتذاراً واضحاً فسيكون ذلك مبرراً للعمل على ترتيب لقاء سريع، على أن يكون اللقاء في مكان محايد.
وعندما ألقى نصر الله خطاب السادس والعشرين من أيار، خرجت من حول الحريري الأصوات التي تقول إن الأمين العام لم يعتذر، بل رفع سقف المواجهة وأطلق مواقف من شأنها تكبيل الحكومة قبل انطلاقتها، وإنه تحدث بلغة عنيفة وبنبرة المنتصر وميّز بين قتلى المواجهات فأطلق على البعض صفة الشهداء وعلى الآخر صفة الضحايا. وترافق ذلك مع شروع فريق قريب من الحريري في إعادة تسليط الأضواء على حوادث أمنية متفرقة تحصل في العاصمة وبعض المناطق والقول بأولوية منع تكرارها مع ضمانات واضحة من الحزب ومن جهات لبنانية وعربية. وبدا في لحظة أن من يرفع وتيرة الكلام على هذه الحوادث يبدو كمن يريد أن تبقى الأمور في حالة من التوتر.
يشار إلى أن الحريري كان قد أثار الموضوع خلال استقباله وزير الخارجية الإيرانية منوشهر متكي في بيروت أخيراً، وحدثه عن العلاقة مع المعارضة وحزب الله، وأن ذهابه إلى الدوحة لم يكن بدافع الخوف أو الشعور بالهزيمة، وأن ما تعرّضت له بيروت يحتاج إلى اعتذار. وسأله متكي عمّا يحول دون تواصله المباشر مع قيادة حزب الله لترتيب الأمور، فقال الحريري إنه حاول سابقاً أكثر من ست مرات مقابلة نصر الله ولكن الأخير رفض. فقال له متكي إنه حاضر للمساعدة في ترتيب لقاء الآن، لكن الحريري أخذ نَفَسَاً عميقاً وقال: دعني أفكر في الأمر!