أنطوان سعديجمع السياسيون والمراقبون اللبنانيون والدبلوماسيون المعتمدون في لبنان على أمر واحد، هو أن الانتخابات النيابية المرتقبة في ربيع 2009 هي الأهم والأغلى والأصعب في تاريخ هذه الدولة التي لم تعرف سوى مراحل وجيزة من الاستقرار على المستوى السياسي منذ قيامها سنة 1920. ومع صدور مرسوم تأليف الحكومة العتيدة، متى صدر، سوف تبدأ الورش الانتخابية لدى القوى السياسية كلها بالتحرك، بعدما أنشأ كل منها دائرة متخصصة تضم أفضل الكوادر، بميزانيات مفتوحة.
قبل الشروع في عرض النتائج المتوقعة للانتخابات المقبلة، لا بد من تأكيد أمرين: الأول هو أن المعارك الانتخابية الضارية سوف تتركز في عدد من الدوائر ذات الأغلبية الناخبة من المسيحيين، باعتبار أن الاتجاهات السياسية لدى الطوائف الأخرى مبتوتة، على وجه الإجمال، فناخبو السنّة للمستقبل، والدروز للتقدمي الاشتراكي، والشيعة لتحالف حزب الله ـــ أمل. الأمر الثاني هو أن لكل انتخابات ظرفها ولحظتها التي تتحكم باتجاهها العام، وبالتالي فإن كل محاكاة للنتائج المرتقبة مرهونة باللحظة السياسية التي سوف تكون سائدة عشية عملية الاقتراع. فالتيار الوطني الحر الذي كان قد حقق نتائج أقل بكثير من هزيلة في الانتخابات البلدية عام 2004، حصد كل المقاعد النيابية المسيحية التي شكل فيها الناخب المسيحي النسبة الأكبر.
وإذا كان من غير الممكن تجاهل المتغيرات الناتجة من انسحاب الجيش السوري ومن الحوادث الجسيمة التي حصلت بين ربيع 2004 وربيع 2005، فإن ما لا شك فيه أن موجة «التسونامي» هذه نتجت من الاستياء المسيحي من التحالف الرباعي بين حزب الله والمستقبل وأمل والتقدمي الاشتراكي، ومن مواقف البطريرك الماروني نصر الله صفير ومجلس المطارنة الموارنة المنددة باعتماد قانون عام ألفين، ومن شعور المسيحيين العام بأن الشركاء المسلمين في الوطن قرروا، عن سابق تصوّر وتصميم، استمرار حال التهميش التي يعانونها، حتى بعد انسحاب سوريا المتهمة من المسيحيين بأنها وراء تهميشهم.
بحسب الباحث في الأمور الانتخابية والإحصاءات الديموغرافية يوسف شهيد الدويهي، فإن المعارك الانتخابية القاسية سوف تتركز على المقاعد التالية: زغرتا، الكورة، البترون، كسروان، المتن، بعبدا، بيروت الأولى، صيدا، زحلة. وإن أقصى ما يمكن توقعه من نتائج هو فارق بسيط بين الأكثرية النيابية الحالية والمعارضة، إذا لم تتغير التحالفات حتى موعد العمليات الانتخابية، لا يتعدى ثلاثة أو أربعة مقاعد لهذا الفريق أو ذاك. على أن تكون نتائج دائرتي بعبدا وزحلة بالتحديد هي المُرجِّحة، تبعاً لطريقة خوض المعركة ولمزاج الناخب المسيحي. فما يقتضيه فوز الأكثرية بمقاعد دائرة بعبدا، بحسب مصدر معني بالانتخابات في أحد أحزابها، هو حصولها على نسبة 53 بالمئة من أصوات الناخبين المسيحيين. أما دائرة زحلة فيكفيها للفوز الحصول على ما نسبته أربعون في المئة من أصوات المسيحيين، وهذا يعني أن على المعارضة بذل مجهود مضاعف للحفاظ على مقاعدها في هذه الدائرة.
أما أهم ما يعنيه هذا الفارق الهزيل المرتقب، فهو أن الأزمة الواقعة بين الطرفين لن تنتهي مفاعليها مع صدور نتائج انتخابات عام 2009، وفق ما يشتهيه كل منهما، وأنها سوف تستمر، بغض النظر عن النتائج، إذا لم يُتوصّل إلى تفاهم بينهما على طيّ صفحة النزاع المفتوح أو تنظيمه وحصره بالإطار الديموقراطي المأمول من اللبنانيين. وبالتالي سوف يكون الرأي العام اللبناني عموماً، والمسيحي خصوصاً، أمام أحد خيارين: إما الاقتراع لأحد الفريقين، بما يعنيه ذلك من استمرار الأزمة أربع سنوات جديدة، وربما أكثر، وإما الاستفادة من تصغير الدوائر وتظهير نخب جديدة تدخل طرفاً ثالثاً، أو مجموعة من النواب المستقلين، على النزاع الدائر للانتهاء من الثنائية القاتلة التي تشل البلد منذ خريف عام 2006.
تبقى الإشارة إلى أن ثمة عوامل لم تنجلِ بعد، من شأنها التأثير على نتائج الانتخابات:
ـــ نيات رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان إزاء هذا الاستحقاق.
ـــ علاقة المعارضة بالبطريركية المارونية المؤثرة خصوصاً على اللاحزبيين، وهي علاقة متردية حتى الآن.
ـــ نوعية المرشحين في كلتا اللائحتين، ولا سيما في الدوائر الصغيرة، حيث لم يعد مقبولاً تقديم مرشحين مجهولين لا يتمتعون بشبكة علاقات قوية في هذه الدوائر.
ـــ كمية الأخطاء التي سوف يرتكبها الطرفان، من سيخطئ أقل.
ـــ حجم الاستثمار المالي والخدماتي، من سيدفع أكثر.
وما يجدر أن يخافه اللبنانيون بالأكثر هو أن تتحوّل الوزارات الخدماتية في هذه السنة إلى مراتع حزبية تنتهك القوانين والأعراف والأدبيات وما بقي من مفهوم الدولة في لبنان. ولا بد من تفاهم «جنتلمان» بين المعارضة والموالاة، ما دام أمر الحكومة الحيادية غير وارد، يقي الوزرات والإدارات الرسمية الشرور المرتقبة.