جان عزيزمعبّرة جداً قصة التسريبة ـــــ الشائعة، حول توزير النائب السابق منصور البون، ضمن حصة الموالاة، ومسارعة المعني إلى نفي الخبر جملة وتفصيلاً. ولفهم دلالات الرواية ومؤشراتها الدقيقة حول الفرز السياسي وخريطة القوى وموازينها على الساحة المسيحية، لا بد من فهم حيثيات القصة كما حصلت. يقال، في خلوات البوانتاج الانتخابي، إن المعركة النيابية المقبلة، ستكون مركّزة في شكل شبه حصري، في الدوائر المسيحية. فلا تغيير جذرياً متوقّعاً في الأشهر العشرة ونيّف المقبلة، على مستوى المزاج السنّي مثلاً. ولا انقلابات كبيرة يمكن أن تصيب الاتجاهات الشيعية السائدة. حتى درزياً، حيث القوى معروفة، فالأمور قد تتراوح بين حسم شبه مؤكد، وبين توافق تراتبي محتمل، بين المختارة وخلدة.
لذا، فإن كل ما يحكى عن نيات أميركية وسعودية، وربما مصرية وأردنية، والبعض يقول إسرائيلية حتى، للثأر من أحداث العامين الماضيين، وللرد على مكتسبات المعارضة الحالية، ستكون ساحة نزاله وسجاله وصراعه، في الشارع المسيحي، وتحديداً ضد ميشال عون.
ويقال في صالونات الحسابات الانتخابية نفسها، إن مواجهة عون الأساسية، يفترض أن تكون في جبل لبنان. فأيّاً كانت النتائج التي يمكن أن يحققها في جزين وصيدا وزحلة، وحتى في الشمال المسيحي وبيروت، ثمّة انطباع بأن ضرب الجنرال في القلب المسيحي من جبل لبنان، ضرورة لا بد منها ولا غنى عنها للانتقام منه. وبالتدرّج المنطقي نفسه، يقال أيضاً وأيضاً إن إنزال هزيمة موصوفة بعون في «الجبل المسيحي»، يجب أن يتجسّد في كسره في كسروان تحديداً. لماذا؟ الأسباب عدة. منها هذا الانطباع العاطفي والنفسي حول التماهي بين كسروان ومفهوم «مارونستان». ومنها الحساب الرقمي، بحيث يضم هذا القضاء ـــــ الدائرة أكبر عدد من المقاعد النيابية المارونية المتجمّعة في دائرة انتخابية واحدة. ومنها هذا البعد الرمزي لمعركة جونية وقضائها، منذ واقعة الحلف والنهج الشهيرة سنة 1968، وخبرية استدارة سيدة حريصا. ومنها أيضاً أن مقعد عون النيابي الحالي هو في كسروان، علماً بأن احتمال انتقاله إلى دائرة أخرى لا يمكن نفيه أو استبعاده منذ الآن...
لكل هذه الأسباب، تتجمّع كل عوامل المعركة الكونية المقبلة، في هذا القضاء الماروني الوادع، والواقع بين نهرين، أولهما لكلب، وثانيهما لإبراهيم.
ويحكى، أنه في بلاد ما بين النهرين هذه، ثمّة مفاتيح انتخابية أساسية وضرورية للمعركة، وهي في الوقت نفسه لا تزال «فالتة»، أو متفلّتة من الاصطفاف الشرس الحاصل حول المعركة الكسروانية العتيدة. ومن هذه المفاتيح النائب السابق منصور غانم البون. إذ ثمّة من يعتقد أن خروج البون من صف مسيحيي قريطم، ينهي معركة هؤلاء سلباً وحتماً منذ الآن. ويجعل من فرص مواجهة عون في هذا المعقل الماروني أشبه بالسراب. وثمّة من يعتقد أيضاً أن البون يعمل منذ أشهر على تكريس خروجه من هذا الصف الذي ألحق به قسراً قبل ثلاثة أعوام. ويحكى أن البون يكرر في مجالسه الخاصة بأن بقايا «لقاء قرنة شهوان» تم «تجنيزها» سنة 2005، وبقايا 14 آذار يتم «تجنيزها» حالياً. وبالتالي فهو لن يكرر الخطأ نفسه سنة 2009. لا بل يقال أكثر، إن النائب السابق يفكر في تكرار تجربة عام 2000، يوم نسج حول الراحل جورج أفرام، لائحة قوية «للرئيس»، شكّلت يومها كما يقال، محطة أساسية من صدام إميل لحود مع غازي كنعان. ولأن تفكير البون هذا بات شبه شائع، حاول أصدقاؤه ومن «له عليهم الكثير»، إجهاضه باكراً، فرموا شائعة أن الموالاة تريد توزيره، وذلك بهدف إبعاده عن بعبدا، وإلقائه في الصف القديم الراسب، والإيحاء باستمرار موقعه وتحالفاته السابقة.
ولأن نائب كسروان السابق، لا تنقصه الحنكة ولا الفطنة، بادر إلى نفي «الخبرية» من أساسها، كي لا يسقط في كمين ذاق كأسه المرّة، للمرّة الأولى في حياته السياسية، قبل 3 أعوام.
هامشية هي كل المسألة؟ في وقائعها ربما. غير أن دلالاتها الأساسية تظل الأهم، وهي أن أخصام عون على الساحة المسيحية باتوا يستشعرون صعوبة معركتهم منذ الآن. حتى إن تصرفهم السياسي الذي أعقب اتفاق الدوحة، جعل منهم مجرد متّهمين مضطرّين لاعتماد خطاب التبرير الدائم، وغير المجدي. إذ سرعان ما تكوّن انطباع مسيحي ثابت بأن ما «ارتكبه» مسيحيو قريطم سنة 2005، من تمرير لقانون الحريري ـــــ كنعان، وتسهيل لقيام التحالف الرباعي، على حساب الحقوق والمشاركة المسيحية، تم تكراره في الدوحة وفي ظروف لا تستوجب أي أعذار تخفيفية، مقارنة بسابقتهم المشهودة. ولسخرية القدر، يبدو أن «الجرم المشهود» في المرتين، ارتبط بساحة النجمة. سنة 2005، لم يتوقف الكلام عن تلك المكالمة الهاتفية بين نبيه بري ونايلة معوض. وسنة 2009، قد يصير لازمة إعلامية. مشهد بري في 25 أيار الماضي يسأل عمّن يعارض إقرار قانون الانتخاب على أساس القضاء، فيبادر مسيحيون، بعد سعد الدين الحريري، إلى التطوّع لتطييره.
عتيق منصور البون، فكيف إذا كانت كل المعركة الكونية المقبلة تدور حول رأسه ومقعده.