الموالاة مصرّة على «الأمن أولاً» والمعارضة تتّهمها بعرقلة تأليف الحكومةساعات قليلة، فقط، يمضيها اللبنانيّون اليوم، مع تقليد افتقدوه منذ زمن، ويجري طبيعيّاً في معظم بلدان العالم، وهو استقبال ضيف كبير والاجتماع لملاقاته، ثم يعودون إلى ما احترفوه طويلاً وهو مراسم الخلاف وابتكار الأزمات

في أول احتفاء غربي بانتخاب رئيس الجمهورية ميشال سليمان، يزور لبنان اليوم من العاشرة والربع قبل الظهر إلى الثالثة بعده، الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مع وفد رسمي رفيع، وسيستقبله في المطار سليمان والرئيسان نبيه بري وفؤاد السنيورة وكبار المسؤولين، وينتقل بعدها سليمان وساركوزي إلى بعبدا حيث يعقدان خلوة، يليها لقاء موسع يشارك فيه الوفد الفرنسي مع أقطاب الحوار اللبناني الـ14 الذين سيدعوهم الرئيس اللبناني إلى الغداء في القصر الجمهوري. ثم يلتقي ساركوزي الجالية الفرنسية في قصر الصنوبر. وفيما كانت معلومات سابقة قد أشارت إلى أنه سيزور الجنوب ثم يغادر لبنان عند الرابعة والنصف، ذكر آخر بيان صادر عن قصر بعبدا، أنه سينتقل من قصر الصنوبر إلى المطار ويغادر عند الساعة الثالثة، دون أن تتضح أسباب اختصار الزيارة وإلغاء جولة الجنوب. مع الإشارة إلى أن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير وصل مساء أمس إلى بيروت.
في هذا الوقت، استدعت التطورات الأخيرة اتصال أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، بالرئيس سليمان، في شأن الدور الذي يمكن أن تلعبه قطر في تقريب وجهات النظر بين القيادات، معرباً عن دعمه للجهود المبذولة لاستكمال تطبيق اتفاق الدوحة. وقد أكد له سليمان «أن الحوار قائم على النقاط التي يدور البحث حولها بين القيادات السياسية، وصولاً إلى تأليف الحكومة الجديدة»، وأن «التعليمات المشددة أعطيت إلى الأجهزة الأمنية لمعالجة الإشكالات التي حصلت في اليومين الماضيين وما نجم عنها من ذيول لمنع تكرارها». كما تلقى سليمان، اتصالاً للغاية نفسها، من رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني. واستقبل كلاً من الوزيرين السابقين محسن دلول وميشال سماحة، ونقل عنه الأخير «إصراره على حكومة الوفاق الوطني وفقاً لاتفاق الدوحة وتنفيذ بنود هذا الاتفاق تباعاً، وعمله الدؤوب للمساهمة مع الرئيس المكلف والفرقاء لتذليل العقبات».

لا للاستسلام لوحش السلاح

وكانت الموالاة قد واصلت حملة «الأمن أولاً» لفرض موضوع السلاح قبل الثلث المعطل وقانون الانتخاب، فعقدت الأمانة العامة لقوى 14 آذار، اجتماعاً أمس، أصدرت بعده بياناً اعتبرت فيه أن الإشكالات الأمنية تستهدف تجويف تسوية الدوحة و«إرباك العهد الجديد ومحاصرته». وإذ طالبت «بجعل بيروت مدينة خالية من السلاح تمهيداً لتوفير الأمن والأمان في كل مناطق لبنان»، رأت أن «تطبيق الجانب الأمني من اتفاق الدوحة هو شرط لنجاح جانبه السياسي». وحذّرت من «الوهم بالقدرة على السيطرة عبر السلاح واستخدامه لتبديل موازين القوى في السياسة»، معتبرة أن مرحلة ما بعد الدوحة تقتضي مصالحة وتفاهماً ووقف التحريض الإعلامي ووضع حد للفلتان الأمني والاعتداءات على المواطنين.
وبالمعنى نفسه، قال الوزير جان أوغاسابيان، إن «معالجة الشق الأمني، هي الشرط الأساسي والضروري لمعالجة الشق السياسي من اتفاق الدوحة»، معتبراً أن «بقاء الوضع الميداني على ما هو عليه يحتم إرسال لجنة مراقبة عربية لحسن تنفيذ الشق الأمني، ووضع حد لانتشار الأسلحة والمراكز المسلحة». وحذر من أن «اتساع رقعة الخروق الأمنية والاستفزازات والاعتداءات على المواطنين، يهدد الوضع الأمني بالانفلات في أي لحظة».
وبعدما أعرب عن المطلب نفسه، وبالعبارات ذاتها، قال النائب عاطف مجدلاني: «فيما تسير العملية السياسية والمشاورات حول تكليف الحكومة، يوجد على الأرض ترهيب وتخويف»، مستنتجاً أن «هناك من يريد أن يكون العمل السياسي مهيمناً عليه من قبل الميليشيات على الأرض»، ليخلص إلى القول: «إما أن تقوم المؤسسات والأجهزة الأمنية بحماية المواطن، وإما سنكون مضطرين لطلب قوة عربية تحمي المواطن في بيروت وكل لبنان». وحذر حزب الوطنيين الأحرار، 14 آذار من «الرضوخ للتهديد والابتزاز، والاستسلام لوحش السلاح، بالغاً ما بلغت سطوته».
كما حذر مفتي زحلة والبقاع الشيخ خليل الميس من «خطورة الانقلاب على اتفاق الدوحة، وتطبيقه انتقائياً أو بمفعول رجعي بالاستناد إلى قوة السلاح في مواجهة قوى الأمان». فيما قال مفتي بعلبك ـــــ الهرمل الشيخ خالد الصلح إن «ما يجري في بيروت، سيولد انتفاضة شعبية ليس فقط في بيروت، بل في كل لبنان، وعندها لن تنفع كل العبارات المنمقة والملطفة لتبرير ما حصل من ظلم».
وفي المقابل، كشف عضو هيئة الرئاسة في حركة «أمل» قبلان قبلان، أن المعارضة ستصدر قريباً تقريراً عمّا تعرض له أنصارها في بيروت وعدد من المناطق، وقال إنها لم تعرض ذلك سابقاً على الإعلام «التزاماً بعناوين التهدئة، وبما نص عليه مؤتمر الفينيسيا الذي أسس لمؤتمر الدوحة، ومن أجل التخفيف من الاحتقان». ورأى أن ما سمّاه «موجة التضليل والتسويف والخداع الإعلامي، لن تؤدي إلا إلى غاية عكسية ستنقلب على مطلقيها». فيما نفى الوزير محمد جواد خليفة، وجود «قرار سياسي أو غطاء للأحداث في بيروت، كما لا توجد أي جهة تنظّمها بشكل فعلي لتصب في خانة سياسية»، مذكراً بموقف بري لجهة رفع الغطاء عن كل المرتكبين.
وإذ رأى النائب ميشال عون أن اتفاق الدوحة سهّل على رئيس الحكومة المكلف نصف المهمة «ولم يعد أمامه سوى تذليل عقبات بسيطة، مفهومة في اللعبة الديموقراطية»، قال «إن ما ليس مفهوماً، بعد أسبوع على بدء الاستشارات، التلطي وراء حدث أمني، ووصفه بالكبير والخطير، لعرقلة تأليف الحكومة»، متحدثاً عن شعور عام بـ«أن هذه الذريعة ما هي إلا تمثيلية للتهرب من تطبيق اتفاق الدوحة، وخصوصاً أن أحداثاً أمنية خطيرة فعلاً وقعت في الشمال والجنوب والجبل والبقاع وبيروت، وبقيت دون تحقيق، وعضّت المعارضة مرة جديدة على جرحها، فلم تضع معرفة الحقيقة فيها شرطاً، تسهيلاً لتأليف الحكومة، وانطلاقة العهد الجديد». وإذ شدّد على أن مسؤولية الأمن تقع على عاتق حكومة تصريف الأعمال، قال: «كفى ألاعيب وتشاطراً وتذاكياً، لأن الناس سئموا الخداع».

قبلان: لتطبيق الاتّفاق سلّة واحدة

وتخوف نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، من أن تكون «بواطن الأمور تعمل لبقاء الوضع على حاله، وكأن المهم فقط انتخاب رئيس الجمهورية». ودعا إلى تطبيق اتفاق الدوحة سلّة واحدة «فلا نريد حكومة تصريف أعمال، بل أن تبرز حكومة وحدة وطنية فيها تكافؤ وعقل وتدبير». وطلب المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، من الذين «يسعون للانقلاب على اتفاق الدوحة بخلق مناخات أمنية مضطربة، أن يوقفوا لعبتهم الخطيرة وبأسرع وقت، وأن يعملوا على تسهيل تأليف الحكومة». ودعا رئيس «هيئة علماء جبل عامل» العلامة الشيخ عفيف النابلسي، إلى «طي صفحة العصبيات، وأن يعود سيف المذهبية إلى غمده نهائياً، فلا يعود يشهر كل مرة بهدف تحقيق بعض المكاسب السياسية».
وبعد اجتماعها الدوري، حذرت الكتلة الشعبية «القوى الساعية إلى عرقلة تنفيذ اتفاق الدوحة»، من الدفع «بالملف الأمني إلى الواجهة، على حساب تراجعها عن الملف الحكومي»، بهدف «استدراج التعريب الأمني واستقدام قوات عربية». وقالت حول حادثة زحلة «إن القبض على المتوارين هو من مسؤولية الأجهزة الأمنية، وعليها النهوض والاضطلاع بمسؤولياتها»، مضيفة أن «اللجوء إلى القضاء دائماً ذو اتجاهين، فما دام أصحاب الادعاءات الزائفة مستمرين بإدلاءاتهم الكاذبة، ستكون طريق القضاء والعدل بالمرصاد لهم لفضح مزاعمهم».
ورأى رئيس جبهة العمل الإسلامي فتحي يكن، أن «قوى محلية وإقليمية ليس في مصلحتها حصول التوافق الذي حصل وفي المكان الذي حصل (الدوحة) بدأت تضع العصي في دواليب الحل الحكومي والاستقرار الأمني». وخاطب السياسيين بالقول إن لبنان «يهيّأ ليكون المحطة الثانية للعبة الموت بعد العراق، فانشغلوا بتوزيع الحقائب الوزارية العادية والسيادية وبتقاسم الحصص الحكومية، وبصراعات الأزقة والمربعات الأمنية، ولكن كونوا على ثقة بأن انشغالكم هذا سيعطي المتربصين فرصة أن يقتحموا عليكم عاصمتكم ومدنكم وقراكم، ولن تكونوا بعدها آمنين».
ورفض رئيس حزب الحوار الوطني فؤاد مخزومي «استخدام البيروتيين مطية لتحقيق مكاسب سياسية، وإقحام بيروت مجدداً في أتون صراعات أهلية، بدأت وللأسف تأخذ أشكالاً خطيرة»، معتبراً «أن هنالك من يستخدم العصبيات في معارك وهمية لا تهدف إلا إلى محاولة تكريس زعامة على زاروب من هنا وحيّ من هناك». وطالبت لجنة متابعة مؤتمر بيروت، بـ«الإسراع بتشكيل حكومة وطنية»، رافضة «المناورات التي تعرقل تشكيلها بغاية استمرار حكومة السنيورة المشلولة». وطالبت بإطلاق يد الجيش «في ملاحقة العابثين بالأمن دون أي تدخل سياسي». بينما رأى رئيس «مركز بيروت الوطن» زهير الخطيب «أن التلطي وراء الحوادث الأمنية واستثمارها إعلامياً للتحريض السياسي والمذهبي، يشكل هروباً لقوى الأكثرية من أزمتها الداخلية في توزيع الوزارات».

المرّ يغازل السنيورة: يعلك المي

ولم تحجب هذه التطورات والمواقف منها، الاهتمام بالموضوع الحكومي، فجدد الرئيس أمين الجميل تفاؤله بقرب تأليف الحكومة الجديدة، وقال إن العقبات «ثانوية ولا توجد عقد أساسية»، نافياً أي «إشكال في موضوع تقاسم الحصص الوزارية ضمن فريق 14 آذار». وإذ رفض «احتكار أي وظيفة عامة من قبل أي طائفة أو حزب»، برر مطالبة السنيورة بوزارة المال «بسبب اعتبارها جزءاً لا يتجزأ من برنامج باريس 3»، وتيار المستقبل «يخشى من نسف المحكمة الدولية إن تسلمت فئة أخرى وزارة العدل»، ووزارة الاتصالات «أخذت منحى معيناً بسبب شبكة اتصالات حزب الله»، وقال إن حزب الكتائب «سيشارك في الحكومة وفق ما يحفظ كرامته».
كذلك جدد النائب ميشال المر، بعد لقائه القائمة بالأعمال الأميركية ميشيل سيسون التي زارت أيضاً الوزيرة نائلة معوض، تفاؤله «بولادة الحكومة خلال الأسبوعين المقبلين»، وأسف للعرقلة «بسبب حقيبة وزارية بالزائد هنا أو بالناقص هناك»، مؤكداً أن نجله ما زال مرشحاً لوزارة الدفاع، ناقلاً عن سيسون نفيها لترشيحه «جملة وتفصيلاً». وأشاد برئيس الجمهورية الذي «أنعم الله عليه بالتوازن والحكمة والضمير»، وبذكاء رئيس الحكومة بعدما أدى دوراً سياسياً تاماً خلال حرب تموز، وهو بالتالي يعرف كيف «يعلك المي».
ومع إعلانه احتفاظ التكتل الطرابلسي بحقه في أن يتمثل في الحكومة بالوزير محمد الصفدي أو النائب محمد كبارة، قال النائب موريس فاضل: «التناوب على مراكز المسؤولية عمل ديموقراطي مشكور ومشروع»، مضيفاً أن نواب التكتل «متّحدون في التنوّع»، وسيتابعون العمل «متحدين لتنفيذ مشروعنا الوطني والمحلي لخدمة لبنان وطرابلس».
وكان موضوع تأليف الحكومة وتطبيق اتفاق الطائف، محور لقاء بين النائب نعمة الله أبي نصر، وسفيرة بريطانيا فرانسيس ماري غاي، اللذين انضم إليهما لاحقاً سفير الإمارات محمد سلطان السويدي والنائب أغوب بقرادونيان والسفير ناجي أبو عاصي. وقد استغرب أبي نصر «التنافس الحاد من قبل المستوزرين على الوزارات الخدماتية بغية استخدامها لأغراض انتخابية». ورفض النائب فريد الخازن اتهام تكتل التغيير والإصلاح بالتعطيل، معتبراً أن مطالبة عون بحقيبة المال «أمر طبيعي»، مضيفاً «من الطبيعي أن يكون هناك أكثر من طرف يطالب بالحقائب ذاتها، لكن تصوير المشكلة وكأنها محصورة بطرف معين، أمر غير صحيح».
وفي إطار جولاته على المرجعيات الدينية الممثلة للأقليات، لعرض ما جرى في الدوحة، زار وفد من التيار الوطني الحر، مطرانية بيروت للسريان الكاثوليك، ومطرانية جبل لبنان للسريان الأرثوذكس، مستنكراً «حرمان مجموعة طوائف مسيحية حقها في التمثيل»، داعياً أنصارها إلى اتخاذ «موقف يساهم في إعادة الحق إلى أصحابه في مختلف المحطات المقبلة، علّنا نتمكن من تعويض هذه الطوائف».