strong>نادر فوزأيام قليلة هدأت النفوس وخف التراشق الإعلامي وبردت المواقف، إلا أنّ الوضع عاد واشتعل من جديد، ولو بدرجة مضبوطة. خرج المجتمعون من الدوحة بأربعة بنود أساسية: انتخاب رئيس للجمهورية، تشكيل حكومة وحدة بصيغة 16ـــــ11ـــــ3، اعتماد قانون 1960 والمحافظة على تقسيم بيروت وفق قانون 2000، وأخيراً الامتناع عن العودة لاستخدام السلاح أو العنف لتحقيق مكاسب سياسية، فضلاً عن إطلاق الحوار حول العلاقة بين الدولة والتنظيمات.
اعتبر الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى وحاكم دولة قطر وسواهما أنّ هذا الاتفاق تمّ على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب». ويصرّ السياسيون بدورهم على عدم تصنيف الوضع بأنه بين طرف رابح وآخر خاسر، «فمصلحة الوطن فوق كل اعتبار». وفي هذه الظروف يرتب على الرئيس ميشال سليمان الاضطلاع بدور المايسترو، رغم عدم استعداده بعد، ربما، كل الاستعداد لهذا الدور.
وتبدو صورة الواقع السياسي الراهن على الشكل الآتي:
من الجانب المعارض: القانون الانتخابي لم يبتّ والحكومة التي تعطي المعارضين الثلث الضامن لم تشكّل بعد، فيما انتخب رئيس للجمهورية. هذا لا يعني أنّ المعارضة خسرت، إذ إنها لم تكن في السلطة، ومهما حقّقت من مكاسب سياسية فهذا يجعلها رابحة نظرياً، ولو أنها لم تحقق عملياً أي مكسب حتى اليوم. المعارضة في موقع المراوحة إذاً، إلا أنّ انتخاب العماد ميشال سليمان يمكن أن يصبّ في مصلحتها، على اعتبار أنّ «حكومة السنيورة لم تعد سيّدة القرار السياسي»، كما يقول أحد المعارضين: لم تربح المعارضة لكن الموالاة خسرت. وتحمل المعارضة ورقة استغلال الوضع الاقتصادي ـــــ الاجتماعي لزيادة الضغط على الموالاة والرئيس، فيما «الأمر مؤجّل حالياً لأولويات سياسية تتعلّق بمؤسسات الدولة»، بحسب المعارض نفسه.
ومن الجانب الموالي، ظهر جليّاً أنّ تحوّل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة من موقع القرار السياسي وتجليّاته إلى مجرّد مؤسسة تدير الشؤون الصغرى في الدولة، انعكس ضعفاً في الموقع السياسي. فالرئيس سليمان أصبح صاحب القرار، وفريق السلطة يحاول الحفاظ على الحدّ الأدنى من مكاسب المرحلة السابقة: ابقاء الحكومة الحالية أطول وقت ممكن يعني إبعاد المعارضة عن السلطة لوقت أطول، وتأجيل إقرار القانون الانتخابي بهدف تحصيل بعض المقاعد الإضافية التي يقضي عليها قانون 1960. الموالاة خسرت إذاً دورها في السلطة لكنها مستمرة في الصراع حتى النفس الأخير، «ومعركتنا الأساسية اليوم تبدأ بإعداد البيان الوزاري، ولا تنتهي إلا مع الانتخابات النيابية المقبلة التي ستحدّد وجهة العهد الحالي»، بحسب وزير موالٍ، يضيف أنّ الوضع الراهن ليس إلا «حرب استنزاف يخوضها الطرفان لعجزهما عن الدخول في معركة سياسية جديدة في مرحلة تحكمها ضوابط عديدة». ولا يخفي الوزير أنّ «الغنيمة» الأهم هي في تشديد الفريق الحاكم تصويبه، السياسي والإعلامي، على سلاح حزب الله وضرورة نزعه، «وسيكون له النصيب الوافر من النقاش والجدل في إعداد البيان الوزاري» الذي أصبح خطاً أحمر جديداً للموالين. وبين «رابح وخاسر» يتخبّط الطرفان في نزاعات داخلية ـــــ بين القوى المتحالفة وداخل هذه القوى نفسها ـــــ على خلفية التوزير والترشيح النيابي وبدأت تظهر هذه إلى العلن، ولو أنّ جزءها الأكبر لا يزال بعيداً عن الأضواء. والصورة باختصار: الطرفان يخسران.