صفير ينتقد التزاحم على المقاعد والمعارضة لا ترى مبرراً لتأخير الحكومةتواصل الاهتمام الدولي بلبنان من خلال الزيارات المتلاحقة لكبار المسؤولين إلى بيروت، بينما كان البارز محلياً أمس الزيارة الأولى لرئيس الجمهوريّة إلى الصرح البطريركي في بكركي وحرصه على نزع الصفة السياسية عنها
فيما نفى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من بكركي وجود صعوبات أمام تأليف الحكومة العتيدة، رأت المعارضة أن تأخير ولادتها غير مبرر، مشيرة إلى أنه تمّ الاتفاق على توزيع الحقائب عددياً وتمثيلياً.
وبالتوازي مع الانشغال بهذا الاستحقاق، تواصل الاهتمام الأوروبي بالوضع اللبناني. إذ بعد زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على رأس وفد وزاري ونيابي كبير إلى لبنان يوم السبت الماضي، وصل إلى بيروت مساء أمس وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند، يرافقه وفد رفيع المستوى، في زيارة تستغرق يوماً واحداً.
وكان في استقبال الوفد وزير الخارجية والمغتربين في الحكومة المستقيلة فوزي صلوخ، الذي قال بعد لقاء مطوّل مع نظيره البريطاني: «أكدنا لمعالي الوزير إصرار اللبنانيين على استكمال تطبيق اتفاق الدوحة، من خلال تأليف حكومة الوحدة الوطنية التي ستكون مساحة للحوار والتوافق، وللبحث المعمّق في كل الاستحقاقات والقضايا التي يواجهها لبنان».
من جهته، وصف ميليباند الزيارة بأنها «رمزية ولها معنى قوي، إذ تريد بريطانيا تهنئة لبنان بالرئيس ميشال سليمان وتقديم الدعم القوي له، وكذلك لاتفاق الدوحة بكل ما تضمّنه من نقاط وأهمها: انتخاب رئيس جديد للبنان بعد المعاناة التي مر بها اللبنانيون لفترة طويلة»، مؤكداً أن حكومته تدعم حكومة الرئيس فؤاد السنيورة «وستقدم لها كل الدعم السياسي». كما شدد على ضرورة تطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، وخاصة القرار 1701.
وأعلن أن بلاده ستدعم الأجهزة الأمنية التابعة للدولة اللبنانية، مشيراً أيضاً إلى أنه سيناقش وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وكيفية المساهمة في حل مشكلة السلاح داخل المخيمات. وقال إن بلاده «تتطلع إلى الدور الجديد والإيجابي الذي سيؤديه لبنان في المنطقة من خلال استقراره».
واستهل الوفد محادثاته في بيروت بلقاء مع رئيس المجلس النيابي نبيه برّي في عين التينة.
وأوضح ميليباند بعد اللقاء، الذي حضره الوفد المرافق له والوزير صلوخ والنائب علي بزي وسفيرة بريطانيا في لبنان فرانسيس ماري غاي، أنه يزور بيروت «باسم الحكومة البريطانية، كصديق للبنان». وقال: «نحن نؤمن أن مستقبل لبنان ليس مهماً بالنسبة إلى اللبنانيين فحسب، بل لمستقبل المنطقة أيضاً»، مؤكداً دعم بلاده لاتفاق الدوحة وتطبيق كل بنوده. ولاحظ «أن الاستقرار في لبنان مهم وحيوي للتقدم في المنطقة، وأنا أعتقد أن التقدم الذي حصل في لبنان يؤسس لتقدم أوسع».
وأشار إلى أنه في كل محادثاته سيبحث «في تأليف الحكومة الجديدة، وإقرار قانون الانتخابات، وكذلك في أن يرى اللبنانيون تقدماً على الصعيد الأمني والاقتصادي، الأمر الذي لحظ في اتفاق الدوحة. كذلك أعتقد أن التطورات في لبنان والبحث في قضية مزارع شبعا، من شأنها أن تساعد في إحراز تقدم واسع في المنطقة، لا في لبنان فقط».
وسيلتقي ميليباند الرئيس سليمان ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة.
والملف اللبناني سيكون حاضراً على طاولة اجتماع مجلس التعاون الخليجي في جدة اليوم. وعشية هذا الاجتماع، دعا الأمين العام للمجلس عبد الرحمن العطية «الأطراف اللبنانية إلى الإسراع في تنفيذ بنود اتفاق الدوحة اللبناني الذي حظي بتأييد خليجي وعربي ودولي، وتأليف حكومة الوحدة الوطنية التي تمثّل كل اللبنانيين، حتى تنطلق مسيرة الحوار اللبناني برعاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وليتحقق للبنان أمنه واستقراره وسلمه الأهلي وسيادته».
وأجرى وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، الذي كان زار بيروت أخيراً، اتصالاً بنظيره السوري وليد المعلم، مساء أمس، بحثا خلاله التطورات فى منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما في لبنان،.

الناس يتطاحنون على الغبار

داخلياً، برزت زيارة الرئيس سليمان إلى بكركي، وهي الأولى له منذ انتخابه رئيساً للجمهورية، وقد رافقه فيها مدير الاستخبارات في الجيش اللبناني العميد الركن جورج خوري، المستشار الإعلامي في القصر الجمهوري رفيق شلالا، وقائد الحرس الجمهوري العميد وديع الغفري. وعقد سليمان خلوة مع البطريرك الماروني نصر الله صفير استمرت نحو نصف ساعة، قال بعدها سليمان: «عملاً بالتقليد، جئنا لزيارة غبطة البطريرك في الصرح البطريركي، وكذلك لشكره وتهنئته بعودته من الخارج، وأيضاً للثناء على ما ورد في بيان مجلس المطارنة الذي عبّر عن مسؤولية وطنية كبيرة وروح أبوية، حيث نادى بالمشاركة الحقيقية في إدارة شؤون البلاد، كما نادى أيضاً بالإصلاحات، وتطلّع إلى الشأن الاجتماعي والاقتصادي».
وقال رداً على سؤال: «هذه الزيارة ليست للسياسة»، مؤكداً عدم وجود صعوبات أو مشاكل في تأليف الحكومة.
وبعد ذلك، توجه الجميع مع الرئيس سليمان وعقيلته السيدة وفاء إلى كنيسة الصرح لحضور رتبة تنصير حفيده شريف نجل وسام بارودي وابنة الرئيس ريتا.
وذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» أن «الخلوة بين الرئيس سليمان والبطريرك صفير تناولت الأوضاع العامة والشؤون اللبنانية الراهنة، وأشاد الرئيس سليمان بمضمون بيان مجلس المطارنة الموارنة، ولا سيما لجهة التركيز على أن لبنان هو بلد الرسالة، وعلى أهمية المصالحة ونبذ العنف ودعوة المسيحيين إلى الانفتاح». ونوّه الرئيس سليمان بـ«إشارة بيان مجلس المطارنة إلى دور المغتربين وتعزيز التواصل معهم، وهو ما كان قد أكده في خطاب القسم، وكذلك الدعوة إلى إقامة أفضل العلاقات بين لبنان وجيرانه». وعرض الرئيس سليمان مع البطريرك صفير الأوضاع الداخلية، والسبل الآيلة إلى تعزيز التوافق بين اللبنانيين والمسيحيين في ما بينهم.
أما البطريرك صفير فقال رداً على سؤال عن علاقته بالرئيس: «وَلَو، بدها سؤال!؟».
وكان البطريرك صفير قد انتقد في عظة الأحد التزاحم «على مقاعد السلطة، وجني المكاسب، واقتعاد مقاعد الصدارة، والتغاضي عن مصالح الشعب الكادح وخبزه اليومي»، داعياً إلى العودة إلى «الفضائل المسيحية، وفي رأسها الصفح عن الإساءة، والتغاضي عن الأذى والمحبة المسيحية الحقيقية».
وخلال استقباله وفوداً في الصرح البطريركي، رأى صفير أنه «يجب أن نحلم بلبنان كما تركه لنا آباؤنا وأجدادنا، لبنان التعاون، والمحبة والتضامن، لا لبنان الذي نراه اليوم منقسماً على ذاته»، مشيراً إلى أن «الناس يتطاحنون على الغبار، والسلطة فيه يجب أن تكون مشاركة للشعب كما تعوّدنا سابقاً».
وفي ذكرى خمسين سنة على وفاة المطران أغناطيوس مبارك، دعا رئيس أساقفة بيروت للموارنة، المطران بولس مطر، إلى «التحلّق حول مصالح البلاد العليا وعلى إنقاذ الوطن الحبيب»، ووصف الرئيس سليمان بأنه «رجل التوافق والشجاعة والحكمة»، داعياً إلى جعل «هذه المزايا شعاراً للمرحلة القادمة وجسر عبور للوطن إلى الشاطئ الأمين».

«حزب الله» منفتح على الحلولوتمنى أن تكون التعقيدات التي ترافق تأليف الحكومة «طبيعية وروتينية»، معتبراً أن التذرع بأمور معينة من أجل قطع الاتصالات والمشاورات «ليس مفيداً، ولا يسهم في الإسراع بتأليف الحكومة». وأمل الانتهاء من تأليف الحكومة في الأسبوع المقبل إذا اعتُمد العقل المنفتح، مشيراً إلى انفتاح حزب الله على كل الحلول لمعالجة الأزمة.
ووصف النائب حسن فضل الله المماطلة في تأليف الحكومة بـ«مناورة مكشوفة لتبديد وهج اتفاق الدوحة وما تحقق فيه من تثبيت لمبدأ الشراكة والتوافق، وما أشاعه من ارتياح كبير لدى اللبنانيين». ودعا إلى «الإسراع في تأليف الحكومة، لأن التأخير غير مبرر ويؤدي إلى تراكم المشكلات وتضييع الفرص أمام اللبنانيين».
من ناحيته، دعا النائب حسين الحاج حسن إلى «عدم توظيف الحوادث بالتوتير، بل لملمة الجراح ورأب الصدع».
وشدد مسؤول العلاقات السياسية في التيار الوطني الحر، جبران باسيل، خلال تمثيله رئيس كتلة «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون في العشاء السنوي للتيار في عكار، على أنه «لا حكومة في لبنان من دون تكتل الإصلاح والتغيير، ولا حل في لبنان من دون تطبيق اتفاق الدوحة»، وأكد أنه «ليس هناك مشكلة عدد في الحكومة، ولا حقائب سيادية، فالأمور كلها متفق عليها، واتفقنا على كيفية توزيعها ليس نسبياً، ولكن عددياً وتمثيلياً (...) أما إذا كان هناك من يريد انطلاقة سيّئة للعهد، فهو الذي سيتحمل المسؤولية»، محذّراً من أنه «إذا لم يجر التطبيق، فإن الاتفاق القادم الذي سيأتي سيكون لمصلحتنا أكثر من اتفاق الدوحة».
وألقى المنسّق العام للتيار الوطني في لبنان بيار رفول كلمة في المناسبة.

خطاب قسم ثان... فرنسي

في غضون ذلك، نوّهت «قوى 14 آذار» بزيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى لبنان، ووصف وزير الاتصالات مروان حمادة المواقف التي أطلقها ساركوزي في بيروت بأنها «شكّلت خطاباً ثانياً للقسم».
ورأى «إن كل الأمور تدل على أن هناك عودة للدور الفرنسي إلى المشرق العربي، وهو دور يتميّز عن الدور الأميركي»، وأكد «أن السلطة اللبنانية التي يعاد تأسيسها ستحاول تطبيع ما يمكن تطبيعه في العلاقات مع سوريا، ولا سيما لجهة تطبيق ما يمكن تطبيقه من مقررات الحوار على صعيد إزالة السلاح خارج المخيمات، على أن يتم ذلك بالتوازي مع الحوار اللبناني».
وعن العراقيل، قال حمادة: «هناك مزاجات كثيرة تتحكم بتأليف الحكومة، معظمها شخصي، وبعضها ناجم عن شيء من الشهية الكبيرة على الوزارات». وإذ لاحظ «هجوماً قريباً على بعض الحقائب مثل وزارة الدفاع»، أشار في المقابل إلى «أن حقيبتي المال والاتصالات ستبقيان مع الأكثرية».
ورأى النائب تمام سلام، في حديث إلى إذاعة «صوت لبنان»، في «التظاهرة الفرنسية رسالة دعم دولي للبنان»، معتبراً «أن اتفاق الدوحة يمثّل مدخلاً لتعزيز الثقة بين المقاومة والدولة».
وتوقف سلام عند الحوادث الأمنية في بيروت، فرأى «أن ما حصل هو اجتياح مدروس ومخطط له بهدف ترهيب العاصمة». وقال: «إن ما حصل ترك قهراً كبيراً لدى أبناء الطائفة السنّية»، منتقداً ما اعتبره «مكابرة حزب الله وتجاهله مطلب ضرورة بلسمة الجرح بكلمة طيبة»، وقال: «كنت أنتظر من السيد حسن نصر الله بلسمة جراح بيروت في خطابه الأخير، وعندما اقترحت الأمر على أحدهم في الحزب أجاب مستهجناً، هل تريدون أن نعتذر من سعد الحريري؟». وأضاف: «هذه المكابرة ولّدت نفوساً مقهورة جداً لدى الطائفة السنّية».
على صعيد آخر، ثمّن عضو كتلة القوات اللبنانية النائب أنطوان زهرا خلال العشاء السنوي لـ«القوات اللبنانية»، في بلدة آسيا في قضاء البترون، الدور الذي أدّاه الرئيس فؤاد السنيورة، مؤكداً «أن إعادة ترشيحه لم تكن لا انتقاماً ولا إذلالاً لأحد، إنما إنصافاً للرجل وللدور الذي أدّاه»، داعياً «كل من يريد حكومة وحدة وطنية أن يقدّم ما يمكن لإنجاح عمل حكومة الوحدة الوطنية»، مؤكداً «أن موضوع السلاح سيكون الوجبة الدسمة على أول طاولة حوار بعد تأليف الحكومة».
من جهته، دعا شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ نصر الدين الغريب، بعد ترؤسه اجتماع اللقاء التشاوري الشهري في كفرمتى، «إلى التعالي عن المصالح الشخصية، والاجتماع جميعاً لإصلاح الوضع الاجتماعي، وتحصين الاقتصاد الوطني، وتفعيل مؤسسات الدولة، ولبناء وطن ناجز لجميع أبنائه».