التأمل التجاوزي تقنية تلقى رواجاً بين الأرستقراطيين وتخيف رجال الدينعامر ملاعب

لا يسعك إخفاء معالم المفاجأة عن وجهك حين يطلّ عليك لوسيان منصور، اللبناني الأصل، وإلى جانبه زوجته «غيلدا ما»، بزيّهما الهندي مرددين عبارة «جي غورو ديف» أي «السلام عليكم» في علم الفيدا بلغة الهند. حتى الحضور، من المريدين اللبنانيين، كان يتقدّم منهما بكلّ خشوع واحترام ويضم كلّ من أفراده يديه بالتحية على الطريقة الهندية.
المشهد ليس جديداً على ممارسي تقنية التأمل التجاوزي في لبنان، لكنه كذلك بالنسبة إلى كثيرين لم يعرفوا بحجم انتشار هذه التقنية إلا مع وصول الراجا منصور إلى لبنان ووضع الحجر الأساس للجامعة الفيدية على سفح جبل بلدة عبيه في قضاء عاليه.
«الأخبار» شهدت لقاءين جمع ممارسي هذه التقنية بالراجا منصور. عقد الأول في مسرح مونو ـــــ الأشرفية، والثاني خلال وضع حجر الأساس للجامعة. بعد ذلك جرى تأمين لقاء خاص مع الراجا منصور خلال زيارة خاطفة قام بها إلى لبنان، متكلماً باللغة الإنكليزية وهو لم يتعلم العربية أصلاً ما يمثّل مادة اعتراض من جانب بعض المريدين «لماذا لا تكون اللغة العربية هي الأصل في الاستعمال؟ ولمَ الإصرار على استعمال اللغة الإنكليزية في التعامل واللغة الهندية في ممارسة الشعائر؟».
وإذا كانت هذه أسئلة ممارسي التقنية، فإن أسئلة من نوع آخر يطرحها الراغبون بمعرفة المزيد عن هذه «العقيدة؟»، «الديانة؟ أو الرياضة؟»

الراجا منصورالهدوء التامّ يعمّ المكان رغم وجود مجموعة من المريدين. يجلس «الراجا» منصور بينهم ويشرح، بصفته الممثل الأعلى لبلد السلام العالمي في 8 دول (لبنان، سوريا، بلجيكا، اللوكسمبورغ، جزر الدومينيكان، جمهورية الكونغو، الغابون وفرنسا) مفاهيم «علم التأمل التجاوزي». هو ليس ديناً ولا عقيدة بل «تقنية علمية متقدمة جداً تسهم في حلّ مشكلات العصر الحديث، تجعل الإنسان قادراً على العمل بانسجام مع قوانين الطبيعة، وبالتالي قادراً على إنجاز عمله بشكل صحيح وتلقائي وهذا ما سيؤدي إلى النجاح والتقدم والبحبوحة». ويؤكد أن نتائج هذه التقنية «مثبتة علمياً وهي قادرة على كشف الطاقة الكاملة للإنسان، إذ بقدر ما كان التطور العلمي والتكنولوجي ضرورياً فإنّه جعلنا نعيش نمط حياة سريعاً يؤدي إلى الإرهاق والتعب والضغوط في بيئة ممتلئة بالتلوّث والأوبئة والأمراض والفقر».
يضيف منصور «من هنا كانت الحاجة ملحة إلى شيء جديد، ومعرفة جديدة، فكان المعلم مهاريشي ماهيش يوغي هو من أعطانا هذا الجديد من خلال تقنية «التأمل التجاوزي» التي تساعد الإنسان على التأقلم مع التغيّرات الخارجية المتسارعة». ويشرح آلية هذه التقنية: «بما أن التطوّر العلمي والتكنولوجي هو في الخارج، كان علينا التفكير أيضاً في تطوير الداخل من أجل المحافظة على التوازن بين الخارج والداخل، بين المستوى النسبي والمستوى المطلق. ويتم هذا التوازن من خلال تقنية سهلة نمارسها مرتين في اليوم صباحاً ومساءً لمدة 15 إلى 20 دقيقة في المرة الواحدة، وخلال الممارسة المنتظمة للتقنية تهدأ الحركة الفكرية وبالتالي يكسب الجسم حالة من الراحة تفوق بكثير راحة النوم العميق، فتتحلّل الضغوط بشكل تلقائي من الجهاز العصبي. وكلما كانت الراحة أعمق كان الجهاز العصبي قادراً على التخلّص من الضغوط العميقة المتجذّرة في داخلنا ويصبح الجهاز العصبي قادراً على العمل بطاقة أكبر».
ويلفت منصور إلى أن «الإنسان يستعمل عادة جزءاً ضئيلاً فقط من طاقاته بنسبة لا تفوق 10% من كامل الطاقة الكامنة في داخله، وقد نجحت تقنية التأمل التجاوزي في إزالة الضغوط من الجهاز العصبي وإعطاء العقل حالة اختبار الذكاء الخلّاق الذي هو الوعي الصافي اللامحدود». ويدخل ضمن ذلك أيضاً «علم الهندسة المنسجم مع القانون الطبيعي»، مشيراً إلى تصاميم «ستهاباتيا فيدا مهاريشي» التي تعدّ «أكثر التصاميم قدماً وأكثرها سموّاً لأن تخطيط البلدان والمدن والقرى والأبنية يحقق الانسجام مع القانون الطبيعي الذي يصل الحياة الفردية بالحياة الكونية، الذكاء الفردي بالذكاء الكوني، ويخلق ظروفاً معيشية مثالية على الأرض حيث يتمتع كل فرد بالشعور بأنه يعيش في الجنة. وتعدّ هذه التصاميم المعرفةَ التي تنظّم الموضع لكل شيء بشكل أكثر انتظاماً حيث يؤثر الشيء بشكل إيجابي في كل شيء آخر. إن هندسة ستهاباتيا فيدا مهاريشي هي العلم السامي الذي ينظّم موضع الأجزاء والشمولية، الفرد والكون، بالتوافق التام بعضها مع بعض، ويجد الأشخاص الذين يسكنون ويعملون في أبنية مصمّمة طبقاً لذلك فإنهم يفكرون بشكل أكثر وضوحاً وأكثر ذكاءً وسعادة»، وطبقاً لتقاليد التصاميم فإن «الأبنية تبنى بشكل منسجم مع الطبيعة من حيث اتجاه المدخل واتجاه غرف النوم والمطبخ والجلوس والارتفاعات وشكل واتجاه النوافذمن هنا ينطلق «الراجا منصور» في وضع تصوّرات للحل في لبنان والشرق الأوسط عبر «وضع خطط جذرية لبناء سلام حقيقي داخلي يعتمد على مجموعة من الأشخاص تساوي الجذر التربيعي لعدد سكان لبنان أي ما يعادل 200 متأمّل متقدّم (في مرحلة الطيران) وذلك يحوّل البلد إلى ما يشبه الجنة». أما على مستوى العالم العربي «فنحتاج إلى ما لا يقل عن 2000 متأمل متقدم».

كلفة التعليم

هذا العدد غير متوافر حتى اليوم، رغم أن اللقاء الذي جمع ممارسي هذه التقنية في مسرح مونو وصل إلى نحو 400 شخص، لكنهم ليسوا في مراحل متقدمة أي مرحلة الطيران. يذكر أن كلفة هذه التقنية مرتفعة، وتراوح أحياناً بين 800 إلى 3 آلاف دولار، واللافت أن ممارسيها من اللبنانيين هم من الطبقة الميسورة وطبقة أصحاب الأعمال والأرستقراطية وفق ما يرويه شاب يمارس هذه التقنية ووصل إلى مرحلة الطيران لكنه بات عاجزاً عن دفع تكاليفها، وقد نوقش هذا الأمر خلال اللقاءات ووعد المسؤولون بمعالجة المسألة.
في هذه الأثناء، قامت المؤسسة في لبنان بشراء قطعة أرض في بلدة عبيه قضاء عاليه مساحتها 17 ألف متر مربع على تلة مشرفة على البحر بين أحضان الصنوبر، وهي ضمن مخطط 48 مشروع جامعة في العالم.
المخطط الموضوع يضم مباني ضخمة تحتوي صفوف علوم الفيدا وغرف إقامة وأبراج مراقبة للنجوم وعلم الفضاء على الطريقة الفيدية ضمن حدائق غنّاء جميلة.
وفكرة بناء جامعة في لبنان جاءت على خلفية تزايد أعداد المنتسبين وكذلك ضمن الخطة العالمية الموضوعة من أجل التوسع في تعميم هذه التقنية والمعرفة على العالم «حتى يعم السلام الداخلي والعالمي ويستفيد لبنان والمنطقة العربية منه ونتجاوز حالات العنف الفردي والجماعي وبالدرجة الأولى الانسجام مع النفس والآخرين». وفق ما يقول مسؤول المؤسسة في لبنان د. زياد دقدوق، ويضيف إن «الهدف منها ليس إضافة دين أو مذهب على التنوّع الفكري والعقائدي اللبناني ولسنا في صدد خلق حساسيات تجاه أي كان بل هي تقنية بسيطة تهذّب الروح، ورياضة يومية شفافة تسهم في تقدّم التفكير الصحيح، ولا داعي إلى القول إن هناك من يعترض على وجودنا بقدر ما يستغرب الناس كل جديد، واختيارنا لموقع الجامعة في عبيه جاء عفوياً نظراً لمساهمة بعض المنتسبين في تأمينها هناك، وكذلك جمالية الموقع أدّت دوراً في قبولنا هذا».


إدارة مهاريشي العالمية

خلال شهر تموز يوليو 1996، أسس مهاريشي ماهش يوغي «إدارة مهاريشي العالمية» من خلال القانون الطبيعي التي تتضمّن 12 عاصمة للمناطق الزمنية حول العالم، وذلك من أجل أن «يبزغ الوهج الذهبي لفجر الجنة على الأرض، مع شروق الشمس في كل منطقة زمنية، وهكذا سوف ينعم كل بلد بالحظ السعيد والخير، يوماً بعد يوم وعلى مدار السنة، وعلى مدار الكرة الأرضية».
يقع لبنان في المنطقة الزمنية السادسة لإدارة مهاريشي العالمية. وهذه المنطقة الزمنية تتضمن دول وسط أوروبا والدول الواقعة في شرق وشمال وجنوب البحر الأبيض المتوسط، وقارة أفريقيا. (وقد يكون هناك دول تقع في أكثر من منطقة زمنية واحدة)، تقدم عواصم المناطق الزمنية الاثنتي عشرة لإدارة مهاريشي العالمية من خلال القانون الطبيعي برامج في مجالات متعددة.
وبحسب المؤسسة، فقد حققت هذه التقنية نجاحات على أكثر من مستوى، إذ سُجّل انخفاض في التعرض لأمراض الضغط والقلب لدى المتأملين بنسبة 87%. وانخفض التعرّض لأمراض السرطان بمختلف أنواعه بنسبة 55%. و73% أمراض الجهاز التنفسي.
وخفضت بعض شركات التأمين في دول أوروبية وأميركية 50 % من تكاليفها لكل ممارس دائم لهذه التقنية. ويمارس 16 ألف طبيب في العالم تقنية التأمل التجاوزي ويطبّقون مبادئها وقيمها.
يذكر أن حركة التأمل التجاوزي في لبنان تأسست منذ عام 1973 وهي تعلّم تقنيتها لنحو عشرة آلاف شخص منهم 800 متأمل تعلموا تقنية الـ«تي أم سيدهي» المتطورة، التي تتضمّن تقنية الطيران اليوغي. وقد التحق 26 شخصاً بجامعة مهاريشي الفيدية كي يصبحوا أساتذة في تعليم تقنية التأمل التجاوزي، وتوزّعت المهمات على عدد من المؤسسات المتخصصة التي تعمل معاً بشكل متوازن من أجل تحقيق الغاية المرجوّة.