إجراءات أمنيّة لرفع العتب واشتباكات «أهل البيت» مجهولة الانتماء والهويّةرائحة البارود تنتشر في سعدنايل وتعلبايا، وأصوات قذائف الهاون وب 7 وب 10 صمّت الآذان في البلدتين وجوارهما، ورصاص الأسلحة الرشاشة المتوسطة والخفيفة لم يترك زاوية من تاريخيّة التعايش بين تعلبايا وسعدنايل وتعلبايا ــ تعلبايا إلا أصابها بجرح لن يندمل

عفيف دياب
تبّّرأت كل القوى السياسيّة الموالية والمعارضة من اشتباكات الليل على محاور سعدنايل ــ تعلبايا، وتعلبايا ــ تعلبايا، وأصبح مطلقو الرصاص والقذائف الصاروخيّة وقذائف الهاون أيتاماً لا أب أو أم لهم. أجمعت القوى السياسيّة العاملة والمنتشرة في النسيج الاجتماعي على أرض البقاع الأوسط على رفع الغطاء السياسي والأمني عن كل مسلّح أطلق أو يطلق الرصاص أو يرمي قذيفة على طول خطوط المواجهات وعرضها، وفي الأحياء المتداخلة بين سعدنايل وتعلبايا عند حدودهما العقارية.هذا الإجماع السياسي لم يترجم عملياً على الأرض طوال ليل أول من أمس ويوم أمس. وحده الإجماع أعطى الجيش اللبناني الضوء الأخضر لينفذ اعتباراً من صباح أمس انتشاراً أمنياً واسعاً في سعدنايل وتعلبايا وحي جلالا، معززاً بالدبابات والآليات وقوى المغاوير والتدخل السريع، مع تنفيذه مداهمات لعشرات المنازل والأمكنة لم تعط نتائج تذكر من حيث توقيف «أشباح» مطلقي النار أو المتسببين بالاشتباكات الذين اختفوا بلمح البصر.
اختفاء المسلحين من الشوارع ومن المنازل في سعدنايل وتعلبايا وجوارهما، فتح الباب على مروحة واسعة من الأسئلة التي لم يجب عنها بعد أي من الأطراف السياسية المعنية مباشرة بمجريات حراك توتر الشارع المحلي، سلباً أو إيجاباً. فالمعالجات السياسيّة التي لم تعطِ مفعولها الإيجابي، قابلتها معالجات أمنيّة في سعدنايل وتعلبايا لم تكن حاسمة في يوم من أيام التوترات القديمة أو الحديثة. فرفع الغطاء السياسي عن المسلّحين لم يعطِ دفعاً للقوى الأمنيّة حتى تتدخل وتحسم وتعتقل من يجب اعتقاله، ما يعطي مشروعية كبيرة لسؤال الأهالي عن أسباب وخلفيات غياب الأجهزة الأمنية المعنية أو تقصيرها، في وضع حد لتكرار إطلاق الاشتباكات في تعلبايا أو بين سعدنايل وتعلبايا. فالقوى الأمنية كانت تعلن حاجتها لغطاء سياسي، وحين توافر لها لم يعطِ تحركها الميداني مفعولاً يذكر.
الفوضى الأمنيّة المسيطرة بامتياز على سعدنايل وتعلبايا منذ أيام، قابلتها أيضاً فوضى سياسيّة من حيث «تقاذف» المسؤوليات وتبادل الاتهامات في من يتحمل المسؤولية، أو المتسبب باندلاع الاشتباكات التي استخدمت فيها، لأول مرة، قذائف مدفعيّة من نوع هاون، طاولت أحياء سعدنايل وتعلبايا بالتساوي، ملحقة خسائر فادحة في الممتلكات، إضافة إلى سقوط أربعة جرحى من الأبرياء. ويقول مصدر أمني إن: «استخدام قذائف الهاون من كلا الطرفين إشارة خطرة جداً». ويضيف أن الاشتباكات في سعدنايل وتعلبايا «كانت متعادلة من حيث قوة النيران، وهذا الأمر لم نلحظه في اشتباكات سابقة في المنطقة، ما يدل بوضوح على أن أطرافاً أخرى دخلت على الخط وعملت على تأجيج نار الفتنة، وهذا ما يجب التركيز عليه والتعامل مع الأمور بهدوء أمني وسياسي». وفي مقابل هذا الكلام، يؤكد مصدر أمني آخر في البقاع لـ«الأخبار» أن عمليات المداهمة التي ينفذها الجيش اللبناني «لن تتوقف، وإن لم تسفر حتى اللحظة عن توقيفات تذكر». ويتابع بالقول: «لا يمكن لأحد اتهامنا بالتقصير».
الكلام الأمني الحذر جداً يقابله كلام أكثر وضوحاً من القوى الحزبية السياسية في البقاع الأوسط. فقوى المعارضة تتهم قوى أصوليّة بالوقوف وراء الاشتباكات التي اندلعت عنيفة بين سعدنايل وتعلبايا وداخل أحياء الأخيرة. ويقول مسؤول حزبي معارض إن مجموعات أصوليّة مسلّحة دخلت ليل أمس (الأول) إلى منطقتي سعدنايل وتعلبايا من مجدل عنجر وبر الياس والمرج، و«قدّمت العون لأنصار تيار المستقبل، وهذا ما ساهم في تطوير الإشكال الفردي إلى حدوث اشتباكات مسلحة عنيفة».
هذا الاتهام الواضح والصريح يردّ عليه قياديون في تيار المستقبل. ويقول أحد مسؤوليه في البقاع الأوسط إن: «جماعة حركة أمل وحزب الله استخدموا مدفعيّة الهاون من مرابضهم في مرتفعات قريتي قمل والتويتي، واستهدفوا سعدنايل وبعض أحياء تعلبايا، وهذا الأمر هو الذي ساهم في تطور حدة الاشتباكات التي لم تكن متكافئة، وليس صحيحاً على الإطلاق أن مجموعات أصولية جاءت إلى سعدنايل وعملت على إطلاق الرصاص أو القذائف الصاروخيّة، وعلى الأجهزة الأمنية أن تكشف الحقيقة كاملة بهذا الخصوص». ويؤكد المسؤول المستقبلي «أن من أطلق الرصاص من سعدنايل نحو بعض الأحياء السكنية في تعلبايا ليسوا أعضاء في تيار المستقبل، وأبلغنا الجيش اللبناني بذلك»، مشيراً إلى أن تياره «يرفع الغطاء السياسي عن أي شخص متّهم بإطلاق النار أو حتى المشاركة في الاشتباكات التي نرفضها نهائياً، فنحن مع خيار الدولة والأمن الرسمي، وما يجري ليس سوى ردة فعل من الناس على تصرفات بعض عناصر المعارضة وممارساتها».
وفي المقابل، يؤكد أحد قياديي حركة أمل في منطقة شتورة أن الحركة «منذ ما بعد اتفاق الدوحة، رفعت الغطاء السياسي عن أي عنصر يخل بالأمن، أو حتى عمّن يطلق الرصاص ابتهاجاً، والأجهزة الأمنية الرسمية تعلم ذلك، وقد جددنا تبليغها بهذا الأمر، كما طلبنا منها أن تتدخل بحزم وتعمل على فرض الأمن، ونحن على أتم الاستعداد السياسي والميداني لتسهيل مهماتها»، موضحاً أن «عناصر مشبوهة في سعدنايل وتعلبايا ساهمت في إذكاء نار الفتنة»، متهماً بعض وسائل الإعلام ببث الأخبار بـ«أسلوب تحريضي وبشع جداً، مما يساهم في إحداث التوترات في المنطقة».
ميدانياً، ساد الهدوء الحذر طوال نهار أمس منطقة سعدنايل وتعلبايا التي شهدت إقفالاً تاماً لمحالها ومؤسساتها التجارية، مع تدنّ كبير في حركة التنقل داخل البلدتين وتعطل الدراسة في جميع المدارس الرسمية والخاصة في البلدتين، فيما كانت حركة السير على الطريق الدولية التي تخترق البلدتين جد طبيعية، مع دوريات مؤللة للجيش اللبناني الذي أقام حواجز ثابتة وظرفية.


الجيش والإعلام

انتقد الجيش اللبناني وسائل الإعلام التي تغطي الإشكالات الأمنية بكثير من التسرع والتضخيم. ودعاها إلى الإقلاع عن التحريض والمساهمة في مسيرة الاستقرار مع انطلاقة العهد. وجاء في بيان صادر عن مديرية التوجيه: «تتولى وسائل الإعلام، وخصوصاً المرئية منها، تغطية الإشكالات الأمنية، بأساليب فيها الكثير من التسرع وتضخيم الوقائع، وتتضمن تفسيرات سياسية للأمور ببعد طائفي ومذهبي، مما يؤدّي إلى تصعيد التوتر في مكان الحدث، وانتقاله إلى أماكن أخرى، كما أن ما يبثه بعض تلك الوسائل من مقابلات أو ينشره من مقالات وأخبار تحريضية أحياناً كثيرة، ومن دون أي رادع وطني، يصبّ الزيت على النار، مما يؤدي إلى حصول إشكالات أمنية بعد أن تكون مجرد شائعات مغرضة. وتؤكّد القيادة أن حماية السلم الأهلي لا تتم بالبندقية وحدها، وأن على الجميع المشاركة في تحمل المسؤولية واتخاذ المواقف الموضوعية المنصفة، والإقلاع عن التحريض والشحن المذهبي».


حزب الله وأحداث البقاع

أوضح مصدر إعلامي في حزب الله أن الحوادث الأخيرة في البقاع افتعلها عناصر من «ميليشيا تيار المستقبل». إذ تعرّضوا بالضرب «للمواطن حسين دندش ليل الأحد الماضي في تعلبايا»، ثم هجموا على الحيّ الذي يقطنه في البلدة وعلى منازل المواطنين الذين تصدّوا لهم. وأشار إلى أن المهاجمين استخدموا قذائف الهاون والـ«ب 7»، لافتاً إلى أن «عناصر من الجيش والدرك انتشروا لنحو ساعة في المنطقة ثم انسحبوا». وعمدت مجموعات أخرى تابعة للمستقبل إلى إطلاق النار عشوائياً، فتدخل الجيش وطوّق المنطقة. وذكر المصدر أن «الفعاليات السياسية في المنطقة أكدت أنه لم يعد مقبولاً استمرار هذه الاستفزازات».