عون: نطالب بوزارة المال لنبحث في دهاليزها عن سبب احتكارهم لها«الفتنة» المتنقّلة لا تزال متنقلة، لا بل تعنف كلما تسارعت اتصالات التهدئة وزادت التعهدات بضبط الوضع، وتأليف الحكومة لا يزال بلا تأليف، ويبدو أنه يتجه نحو اللاحل بسبب حقيبة سيادية واحدة لا نية لأحد بالتنازل عنها
من بيروت إلى مجدلبعنا وسعدنايل وتعلبايا، تتفاوت نوعيات وأحجام الإشكالات والاشتباكات، وبين قريطم والسرايا وعين التينة والرابية، تتواصل عمليات «الكباش» السياسي على الحقائب السيادية والخدماتية، مع تصاعد السجالات على خطّي تبادل الاتهامات ورمي المسؤوليات حول تحمية الوضع الأمني وتجميد جبهة الحكومة. وفيما كان قائد الجيش بالنيابة، اللواء الركن شوقي المصري، يجتمع مع المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء أشرف ريفي، لبحث تفعيل الإجراءات الميدانية المشتركة لضبط الوضع الأمني، كانت المواقف السياسية تشير إلى عدم حدوث إي خرق على صعيد تأليف الحكومة، مع طغيان الوضع الأمني على معظمها، حيث أعلن النائب ميشال عون، بعد الاجتماع الأسبوعي لتكتل التغيير والإصلاح، أن هذا الوضع كان في أولويات الاجتماع، سائلاً وزارتي الداخلية والدفاع عن سبب عدم إصدار بيان «يكشف ويفضح من الذي يبدأ المشاكل»، متهماً تلفزيون المستقبل بأنه «لم يوقف الحرب بعد، كأنه لم يحصل تفاهم في الدوحة من ناحية الإعلام ولا من ناحية الحوادث ولا من ناحية التجييش المذهبي»، ملوّحاً «بإعطاء الرأي، وطبعاً لن يكون إيجابياً باتجاه المسؤولين، إذا لم يلتزموا بما نطلبه الآن» في شأن تحديد المسؤولية في ما يجري. وعلى الصعيد الحكومي، انتقد «إحدى المستوزرات» التي «تقول أريد الوزارة الفلانية لأحضّر معركتي الانتخابية»، مضيفاً أن «الوزير ليس لزبائنه الانتخابيين، بل لكل المواطنين». واتهم الفريق الآخر بأنه «يخلق المشاكل الأمنية ومشاكل الحكومة حتى ينسى الناس غلاء المعيشة».
وقال إنه يسمع عن تأليف الحكومة من الأخبار ومن «التسريبات»، مردفاً: «هناك أمر من اثنين: إما المعنيون بالحكومة يسرّبون الأخبار، وهذه عادة بشعة لأن من سيكون في مركز المسؤولية يجب أن يواجه واقعاً معيناً ولا يلجأ إلى أسلوب التسريب، وإما أن الإعلاميين يخترعون قصصاً وهذا عيب وكذب». وسخر من اتهامه بالعرقلة، سائلاً: «ما الجديد الذي اكتشفوه؟ عرقلنا الرئاسة ومنعنا الانتخاب. عرقلنا كل شيء حتى «عجقة السير» نحن سببها. أليس هذا ما يقولونه دائما عني، فما الجديد؟».
ورأى أنه إذا استمر الوضع على حاله بعد أسبوع، يكون فريق الموالاة قد نجح في خداع المعارضة وطبّق أجندته وبدأ في تضييع الوقت. وقال: «كل الناس على عجلة ونحن على عجلة أيضاً حتى تتألف الحكومة وذلك خلال أسبوع حداً أقصى، لا شيء صعب، إنهم يخترعون الصعوبة. يتصرفون كمن يقول لنا نريد أن نقتلكم، وعليكم أن توافقوا. وإذا لم نوافق على حكم الإعدام نصبح معرقلين، ويصبح الحق علينا». ونفى النية للقيام بأي تحرك لأن «التحركات باتت مكلفة»، مكرراً مطالبته بوزارة المال «نريد أن نعرف لماذا يحتكرون هذه الوزارة، والدولة غارقة في دين عام لامس 45 مليار دولار؟ لماذا علينا أن نصدّق ما يقولونه؟ ألا يحق لنا أن ندخل ونبحث في الدهاليز؟». وقال: «من يريد أن يؤلف الحكومة من دوننا فليحاول، لن يعود هناك بعد اليوم أكل حقوق وطهمزة»، ورأى أنهم «يخافون من كل شيء، يخافون حتى من وجودي هنا ويتمنّون أن لا أكون، حتى خارج الوزارة»، نافياً أن يكون الشيطان في التفاصيل فقط، بل «أينما كان».
وكان موضوع الحكومة، محور لقاءات مكثفة بين عدد من قوى المعارضة، إذ أكدت قيادتا حزب الله وأمل في الجنوب، في بيان مشترك بعد لقائهما أمس، «ضرورة تنفيذ اتفاق الدوحة دون أي تعديل أو تسويف، وعدم إغراق هذا الاتفاق بتفاصيل من شأن الحكومة المقبلة معالجتها»، ودعتا إلى الإسراع في تأليف الحكومة، وإلى «الإقلاع عن سياسة الاستئثار والتعود على المشاركة بين المكوّنات اللبنانية»، إضافة إلى «رفض التدخلات الخارجية، ولا سيما الأميركية منها التي عادت تطلّ لتغذّي الانقسامات الداخلية».
وجال وفد من الحزب على النائب أسامة سعد ورئيس بلدية صيدا عبد الرحمن البزري. وشدّد سعد على أهمية إنجاز الحل السياسي كمدخل لمعالجة مختلف القضايا، عازياً تأخير الاستحقاق الحكومي إلى «التوزيعات الطائفية وتحديد الحقائب السيادية والخدماتية، إضافة إلى سعي فريق الموالاة إلى إثارة القضايا الأمنية واعتبارها مدخلاً للمعالجة السياسية»، متهماً هذا الفريق بمواصلة «عمليات التحريض عبر وسائل إعلامه وممارساته على الأرض».
واتفق البزري معه في أن «السياسة هي المدخل إلى الأمن وليسالعكس»، ورأى «أن محاولة البعض، وضع فيتو على توزير وزراء معينين من المعارضة في مواقع معينة وفي طوائف معينة، يرتد عليه، لأن هذه الأداة أثبتت فشلها في احتكار التمثيل الطائفي».
بدوره، أمل المسؤول السياسي للحزب في الجنوب الشيخ حسن عز الدين، تمثيل جميع القوى في الحكومة بشكل صحيح وشامل ومنصف، مشيراً إلى حلحلة في موضوع ممثل الطائفة الدرزية من حصة الحزب، وأن ممثل السنّة من هذه الحصة لا يزال أمره مرهوناً بموافقة الموالاة. وتحدث عن «ضغوط من الإدارة الأميركية في تأليف الحكومة»، رافضاً محاولة «التشاطر للحصول على حصص على حساب تمثيل المعارضة».
وتحدث نائب رئيس المكتب السياسي للحزب محمود قماطي، بعد لقاء البزري، عن بروز مشكلة تتمثل «في رفض الموالاة في أن يمثل الوسط السنّي بوزير من قبل المعارضة»، وقال إن من يعرقل التأليف هو «فريق السلطة لأنه يعيش أزمة توزير داخلية». وشدد على ضرورة أن يحمل البيان الوزاري «البنود التي تؤكد المقاومة ودورها، انسجاماً مع روح البيان الوزاري السابق.

المقاومة ضمن سياسة دفاعية

كذلك، طالب النائب السابق وجيه البعريني بأن يتضمن البيان الوزاري «ما ورد في بيان الحكومة السابقة في شأن المقاومة ضمن سياسة دفاعية يتكامل فيها دور الجيش ودور المقاومة، وإعادة تجديد طرح الإنماء المتوازن لإنصاف مناطق الحرمان، وفي مقدمها عكار، وأن تعود الحكومة إلى التزام الدستور في شأن قانون الانتخاب واعتماد المحافظة مع النسبية».
وإذ انتقد الوكيل الشرعي للإمام الخامنئي الشيخ محمد يزبك، في احتفال في بعلبك في ذكرى رحيل الإمام الخميني، «التلكؤ في تأليف الحكومة»، متهماً «أميركا التي تحوّلت إلى نمر من ورق» بأنها «تبحث في زوايا الوزارات عن حقيبة وزارية»، قال: «إن كان لنا من حصص فسنهديها للشرفاء في هذا الوطن، لأننا لا نريد إلا خدمة المواطنين في بلدنا».
وإذ دعا النائب عبد المجيد صالح، فريق الموالاة «إلى حزم أمره في مسألة تأليف الحكومة»، أكد «وجود تنافس حقيقي على الحقائب السيادية»، معتبراً أن في الموالاة «أكثر من مستوزر على الحقيبة نفسها»، لكنه توقع أن تبصر الحكومة النور منتصف الشهر الجاري، مبشراً بـ«جنة صيف وليس صيفاً حامياً أو حاراً».
كذلك، رأى النائب مصطفى علوش أنه «من المنطقي أن تبصر الحكومة النور خلال الأيام المقبلة»، لكنه أضاف أن «تضخيم» حصة عون هو الذي يعوق المسألة، و«قد تكون القضية بينه وبين رفاقه في المعارضة». كما رأى أن مطالبة المعارضة بحقيبتين سياديتين «يعني عملياً أنها تعوق تشكيل هذه الحكومة وعدم الالتزام بروحية اتفاق الدوحة».
وأعرب الرئيس أمين الجميل، في الاجتماع الموسع لحزب الكتائب، عن قلقه «إزاء الوضع الأمني والانتقال بمشاريع الفتنة من منطقة إلى أخرى»، داعياً «كل من يعنيه الأمر من مراجع سياسية إلى وقف التلاعب بأمن الناس ومصالحهم»، وقال: «على وقع الإشكالات الأمنية المفتعلة، لم نفهم حتى الساعة الأسباب التي تعوق تأليف الحكومة الجديدة رغم أننا أجمعنا في الدوحة على شكل الحكومة وتركيبتها العددية»، آسفاً «لتعاطي الجهات السياسية مع التركيبة الحكومية الجديدة والسعي علناً لتقاسم الحقائب السيادية، علماً بأن السيادة لا تحتمل أي إشراك أو محاصصة أو أي تناقض في الولاء والعمل من أجل المصلحة الوطنية العليا، ذلك أنه لا قيامة للدولة التي نطمح إليها ولا دور لأية سلطة ما لم تقم على استراتيجية واضحة في خدمة سيادة كاملة وحرية ناجزة واستقلال غير منقوص».
في هذا الوقت، برز تحرك لمفتي المناطق الذين زاروا مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني والنائب سعد الحريري، وقال مفتي البقاع خليل الميس إنهم أطلعوا الحريري على «الهجوم العدواني الذي يتعرض له المواطنون في منطقة تعلبايا ـــــ سعدنايل»، ونقل عنه أنه تمنى عليهم «أن يبقى الوطن محضوناً في عهدة الجيش والمواطنين، وأن نوفر الأجواء المناسبة لرئيس مجلس الوزراء ليمضي في مهمته في تشكيل الوزارة والسير في ما ورد في خطاب القسم لفخامة رئيس الجمهورية»، كما طمأنهم «إلى أن الأمور ممسوكة بإذن الله، وأن الجيش سيقوم بالدور المطلوب منه»، وأن لبنان «بخير، وأمن الوطن والمواطنين سيكون في عهد الجيش». أما قباني فقد حثّ المفتين على «ضرورة العمل على تجاوز الآلام التي خلّفتها الاعتداءات التي روّعت المواطنين وأرهبتهم ولا تزال»، مشدداً على «ضرورة إمساك الدولة وحدها بأمن البلاد وضبط السلاح غير الشرعي، وضمان عدم استخدامه في الداخل اللبناني مرة ثانية».
ووضع النائب جمال الجراح التطورات الأمنية في البقاع الأوسط، في إطار «ممارسة الضغط الأمني والإرهاب المنظّم، لتحقيق مكاسب سياسية»، معتبراً أن ذلك يناقض اتفاق الدوحة «لا بل إنه فعل واضح وصريح لإفشال مضامين هذا الاتفاق لجهة تشكيل حكومة وحدة وطنية ومناقشة الملفات الأخرى».

يهاجمون بعضهم من أجل المقاعد الوزارية

وفي اجتماع لتقويم تطبيق المجمع البطريركي الماروني، بعد عامين من انعقاده، قال البطريرك نصر الله صفير، إن المجمع لم يطبق «وكأنه لم ينعقد»، شاكياً على الصعيد السياسي من أن «تأثير توجيهات هذا المجمع لم تكن بالقدر الذي كان الموارنة يتوخّونه ويعملون على تحقيقه، فصفوفهم لا تزال منقسمة وهم حتى الساعة يهاجم بعضهم بعضاً لاقتعاد هذا أو ذلك من المقاعد الحكومية التي تجرّ إليهم الوجاهة وربما المال».ولشرح خلفيات ما حصل في الدوحة، وخصوصاً في ما يتعلق بتقسيمات بيروت الانتخابية، واصل التيار الوطني الحر جولته على طوائف الأقليات المسيحية، فالتقى وفد منه مطران الأشوريين نرساي ديباز الذي تمنى إعطاء هذه الطوائف 3 مقاعد موزعة على بيروت والمتن وزحلة.
وفي ما يبدو اعتراضاً على هذا التحرك، أعلن النائب نبيل دو فريج الذي زار قصر بعبدا أمس، أنه بحث مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان «في ما يثار حالياً من مواضيع تحت عنوان حقوق وشؤون الأقليات». كما التقى سليمان وفداً من مطارنة الطائفة الأرمنية. وأكد لوزير خارجية بريطانيا ديفيد ميليباند «حق لبنان في استعادة سيادته على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا»، لافتاً إلى «وجود وثائق جديدة ستقدم إلى الأمم المتحدة تثبت لبنانية هذه الأراضي». وطالب أيضاً بحل عادل للقضية الفلسطينية، وبضغط بريطانيا والمجتمع الدولي على إسرائيل «لاستكمال تنفيذ القرار 1701، ووقف الخروق البرية والجوية للسيادة اللبنانية، والتزام حل قضية بلدة الغجر الحدودية».
وشدد ميليباند بعد اللقاء على تسوية سياسية «مرتكزة على روحية اتفاق الدوحة»، واصفاً انتخاب سليمان بأنه «شكل منعطفاً في تاريخ لبنان الحديث». وقال إنه بحث معه «كيفية استثمار الدعم الدولي الكبير الذي يحظى به»، متحدثاً عن وجود «حل» لقضية مزارع شبعا. كما التقى مليباند الرئيس فؤاد السنيورة، وغادر بيروت أمس. وكانت السفارة البريطانية قد أصدرت توضيحاً نفت فيه تطرقه لدى وصوله إلى لبنان إلى موضوع السلاح داخل المخيمات الفلسطينية.
لكن سفير إيطاليا غبريال كيكيا، قال بعد زيارته سليمان أيضاً، إن قضية مزارع شبعا لا تزال معقدة، و«لكننا لا نزال نبذل الجهود في هذا الإطار». وإذ وضع قول وزير خارجية بلاده إن «لبنان لا يتمتع بحكومة ولا بجيش»، في إطار «بعض الشائعات»، قال: «إن ما أراد وزير الخارجية قوله هو أن الحكومة اللبنانية موجودة، ونتعاون معها بشكل وثيق وهي حالياً في صدد تصريف الأعمال وفق ما ينص عليه الدستور اللبناني، ونحن نواصل تعاوننا اليومي على ملفات مهمة جداً. وننتظر تشكيل الحكومة الجديدة وفق ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الدوحة». وأشاد بأداء الجيش و«خصوصاً في الفترة الأخيرة، بالنسبة إلى الاستقرار»، مضيفاً إنه ككل جيش في العالم «بحاجة إلى أن يتجهز بصورة فعالة لكي يتصدى للتحديات الكبيرة التي يواجهها أي جيش».
على صعيد آخر، أعلن رئيس جبهة العمل الإسلامي فتحي يكن، عن لقاءات عقدها «مع جهات أوروبية مسؤولة في جنيف ـــــ سويسرا»، وأنه وجد لدى الأوروبيين «تفهماً كاملاً لخلفيات الصراع الدائر في لبنان، ولحق اللبنانيين في المقاومة لتحرير أرضهم، وتحقيق السيادة الكاملة غير المنقوصة من كل ما ينتهكها من جهات خارجية». وقال «إن سويسرا كما الاتحاد الأوروبي مع سلطة لبنانية قوية تحقق الاستقرار الداخلي، وتحفظ الأمن من أي عدوان خارجي، بعيدة عن تقاطع مصالح الدول الكبرى ، ومشاريع الهيمنة والتسلط».
وفي شأن الوضع الأمني في المخيمات الفلسطينية، أعلن أمين سر حركة فتح في لبنان سلطان أبو العينين، اتخاذ إجراءات أمنية وصفها بـ«الدقيقة والعاجلة» في مخيم عين الحلوة، ومن بينها عدم السماح لأي شخص مشبوه من أي جنسية بالإقامة في المخيم، مشيراً إلى أن هذه الإجراءات اتخذت بإجماع فلسطيني «بما في ذلك عصبة الأنصار». وتعهد الالتزام بما يقرره اللبنانيون في خصوص السلاح الفلسطيني.