جان عزيزسنهزم ميشال عون حتماً. يقولها بثقة مصطنعة، أحد أركان فريق الموالاة. كيف؟ بكل بساطة، سنجمع ضده الكنيسة والجيش ومسيحيي فريقنا، فنضحي أكثرية ضده في الواقع المسيحي.
سنة كاملة، تفصلنا عن هذه النبوءة، ظهرت معالمها كاملة، قبل أن تبدأ، واتضحت عدة شغلها، وعدة الشغل هذه عاملان أساسيان في السياسة، ومروحة كاملة من وسائل الإقناع والاستمالة والاستيعاب، على الأرض.
في السياسة، أداتا العمل الرئيسيتان هما:
استدامة التوتير المذهبي بين السنّة والشيعة من جهة، واستدامة التصعيد المطلبي حول سلاح «حزب الله».
وفي القراءة الأولية، تظهر الخلفيات وتحليلات الجدوى، فالشحن المذهبي ضروري جداً لتعبئة الواقع السنّي حول فريق قريطم، وهي تجربة مورست بنجاح غير مسبوق سنة 2005. وبالتالي فلا بد من تكرارها سنة 2009. غير أن الانتخابات الماضية كانت لصيقة زمنياً بدم رفيق الحريري، ما سهّل المهمة. في الانتخابات المقبلة، يكون عام كامل قد مضى على الدماء التي سالت بين رأس النبع والنويري، ودماء حلبا المغايرة هوية وفئة، تصلح أيضاً للتعبئة نفسها، لكن ما يخشى، أن ينسى الناس خلال سنة، سخونة الدم، ولزاجته فوق جثث الضحايا، لذلك، فالمطلوب أولاً، وضع جدول زمني ممتد من الآن وحتى ربيع 2009 على الأقل، يضمن استدرار دم إضافي، في شكل دوري ثابت، لإبقاء العصب الشارعي على حاله. أما استدامة قضية المطالبة بنزع سلاح حزب الله، فوجهة استخدامها في مكان آخر، ذلك أن الجمهور المستهدف بها، هو الشارع المسيحي، هنا، يصير «أمر العمليات الانتخابية» ميدانياً، أكثر غنى وتعقيداً، فالمطلوب أولاً عدم التركيز على أي تطور قد يظهر جدوى وجود هذا السلاح. وفي هذا السياق، يصير التعتيم على مسألة اللاجئين الفلسطينيين أمراً ضرورياً، كذلك تهميش بعض «التطورات الجانبية». مثل إطلاق أسير هنا، أو احتمال عودة آخر هناك، وقد لا تستبعد مسألة تجاهل مزارع شبعا، وإهمال أي تحريك لها، تماماً كما ظهر الانسحاب الإسرائيلي من لبنان سنة 2000، وكأنه مصدر إرباك للوصي السوري، كذلك قد تتحول مسألة استعادة تلك المنطقة، وفي توقيت ما خلال هذه السنة، عامل إحراج لفريق الموالاة، وهو ما لاحت مؤشراته الأولى في اليومين الماضيين، ففي ظل تحريك لافت للملف، عبر الكلام الفرنسي والبريطاني، ومواقف بعبدا «وحزب الله»، التزمت حكومة قريطم بالصمت، تماماً كما كانت تفعل دمشق حيال التزام إيهود باراك بالانسحاب من لبنان خلال سنة من انتخابه في أيار 1999. إنها السنة نفسها اليوم، والانتخابات أيضاً حدّ زمني لها، لاحق لا سابق هذه المرة، مع تبدل هوية السلطة المستفيدة من الستاتوكو.
يبقى في قضية «فزاعة» حزب الله وسلاحه أمران اثنان: أولهما أن يدخل صقور مسيحيي الموالاة إلى الحكومة، ليجعلوا من كل جلسة في جلساتها، منبراً إعلامياً للدغدغة المسيحية، في موضوع سلاح «ولاية الفقيه».
وثانيهما، احتمال أن يترافق هذا السلوك، أو يؤدي عفواً، إلى سلسلة إشكالات متنقلة على الخط من الطيونة إلى الحدث.
أي على حدود بعبدا، بعبدا مركز الرئاسة، وبعبدا الدائرة الانتخابية، وبعبدا معطية الأكثرية النيابية لفريق تحالفٍ، أقسم أحد اقطابه على عدم عودته أبداً.
في ظل هذه المروحة من الإجراءات العلاجية المواكبة، يتم الانتقال إلى الملف الانتخابي المسيحي، و«السيبة» المطلوبة ثلاثية: الكنيسة والجيش ومسيحيو الموالاة.
غير أن العراقيل والمطبّات على هذا الصعيد تبدو كثيفة كثيرة، فعلى مستوى الكنيسة أولاً يبرز جوّان واضحان، الأول انكفاء واضح للإكليروس المسيحي عن توريطه في أي معارك سياسية إضافية. وفي سياق هذا الجو، يؤكد مطّلعون أن هذا الانكفاء يزكّيه توجيه فاتيكاني واضح، بالتراجع خطوة إلى الوراء أو أكثر، بغية إعادة قراءة المرحلة الماضية، وتحديد مكامن الخلل، وإعداد تصور أكثر جدوى للمستقبل.
أما الجو الثاني المكمل، فهو من تحت أو من قبل الناس، «الكنيسة غير المنظورة».
فبعد التطورات الماضية، تنامى اقتناع مسيحي، على ضرورة التمييز بين «المؤسستين»، مؤسسة الدين ومؤسسة السياسة، وبالتالي قدرة أكبر على مناعة مسيحية شعبية حيال أي تورط إكليريكي، وأي توريط علماني.
أما على مستوى الجيش، فلا تبدو المناعة نفسها والحصانات المطلوبة، أقل رسوخاً.
أولها، شخصية ميشال سليمان الميّالة نحو دور وفاقي، أكثر منه «طرفي». وثانيها، قيادة الجيش المقبلة، في ظل حكومة محكومة بالتوافق، وإلا في ظل لا حكومة، وثالثها، استمرار ميشال عون في تجسيد روح المؤسسة، «إبتوس» الجيش المحكوم باعتبارات هذا النظام، وتاريخيته وظروفه...
سنة مثيرة ستمضي، أجمل ما فيها تحوّلها مسرحاً لعمليات مكشوفة، وأسوأ ما قد تحمله، أن تكون حلبة مصارعة بلا حبال، حيث كل الضربات ممكنة، وسط قاعدة واحدة، لا قواعد للعبة الدائرة.