ثائر غندورعندما يتحدّث قادة في حركة أمل عن مدينة بيروت وما جرى ويجري فيها، لا ينسون أن يُفاخروا بانضباط شبابهم في معارك الثامن من أيّار. ويقول أحد هؤلاء إنه عندما كان يلمس تصرّفاً خاطئاً لدى أيٍّ من شبابه يُحاججهم بالقول: ألا يُقاتل الشيخ خالد عثمان معنا وهو سنّي. يُجيب الشاب إيجاباً، ويلجم نفسه. لا ينكر هذا الرجل، الذي قام بمجهود شخصي خلال معارك أيّار من أجل عدم التعرّض للمواطنين الأبرياء، أن الشارع البيروتي محقون. يُفكّر بصوت عالٍ عمّا يُمكن القيام به، لكنّه لا يلبث أن يتراجع ويقول إن ما حصل لا يستدعي ردّة فعل.
ثم يُعدّد الحوادث التي تمّ التعرّض فيها إلى مناصرين للمعارضة.
ولكن ما العمل؟ لا تستطيع حركة أمل أن تُجيب عن هذا السؤال وحدها؛ وهي تتداول، بحسب ما يقول الرجل، مع حلفائها في الشارع البيروتي لمعرفة ما يُمكن عمله، مؤكّداً أنها مستعدة لأي شيء. وسيقوم هو بجولة لقاءات خلال هذا الأسبوع للقاء عدد من هؤلاء الحلفاء، وعدد من العائلات البيروتيّة بغية شرح ما حصل وتبريره. لكنه يطرح المشكلة القديمة التي تُعانيها المعارضة: لا حليف قوياً لها في بيروت. فمقارنة بالجبل، وجدت المعارضة الوزير السابق طلال إرسلان حليفاً استطاع أن يتولّى التنسيق مع النائب وليد جنبلاط لحظة اشتداد الأزمة. ويقول الرجل إن الرئيس برّي مستعد لتلبية أية دعوة من الفاعليّات البيروتيّة إذا كان ذلك يُسهم في تخفيف حدّة التوتّر المذهبيّة «لكن الوضع الأمني صعب، وبالتالي لا يستطيع أن يتحرّك كما يرغب، لكنّه قد يقوم بزيارات مفاجئة إذا كانت الأجواء مؤاتية».
لكن ما يدور في بال حركة أمل لا ينحصر في الملف البيروتي. فالحكومة ستتشكّل، لأن أيّاً من أطراف المعارضة لا يرغب في العرقلة. فميشال عون دفع ما يُفترض به أن يدفعه، وخسر موقع الرئاسة، وعاد يقول للمسيحيين إنه أعطاهم قانون انتخاب يسترجع حقوقهم، ولذلك لا يستطيع أن يُعرقل التسوية. هنا يعترف الرجل بأن فرصة التغيير التي لاحت في الدوحة قتلها ثلاثة: ميشال عون وسعد الحريري ووليد جنبلاط الذين رفضوا بشكل مطلق أي بحث لاعتماد النسبيّة، التي طرحها برّي 4 مرّات في نقاشات الدوحة. فهذا القانون يُعطي الأقليّات في كلّ طائفة إمكان التعبير عن خياراتها السياسيّة، ولا تعود الأحزاب الصغيرة تشكو من عدم تمثيلها.
أمّا فريق 14 آذار، فلا يستطيع أن يُعرقل، وإن كان يستخدم الشارع للحصول على مكاسب إضافيّة. ويؤكد الرجل أن أمل ترفع الغطاء عن كل من يفتعل حادثة، ملقياً بالمسؤولية على عاتق القوى الأمنيّة والجيش «لأنهما إذا اعتقلا أحداً من المشاغبين وسجناه شهراً، فلا بد لغيره أن يتعلّم ويتراجع عن هذه التصرفات».
وعند تشكيل الحكومة، تدخل البلاد في حالة التحضير للانتخابات. يخوض الحزبان الشيعيان الأقوى، حزب الله وحركة أمل هذه المعركة براحة مطلقة. حزب الله أيقن أن حاجته ليست إلى شخص نبيه برّي فقط، بل إلى حركة أمل كحزب سياسي، وهو ما برهنته اشتباكات بيروت. كما وصل حزب الله في رأي الرجل، إلى اقتناع بأن عدد نوّابه لم يحمه عندما وصلت الموسى إلى رقبة المقاومة، بل قوّته الذاتيّة ومروحة حلفائه الواسعة. ولهذه الأسباب، فإن الحزب سيقوم بتقليص عدد نوّابه لمصلحة حلفائه كما حصل في الوزارة. وستكون هذه المقاعد لمصلحة القوى التي لها دين معنوي على حزب الله، وخصوصاً الحزب السوري القومي الاجتماعي ووئام وهّاب اللذان لعبا دوراً أساسياً وفق قدراتهما. ولا يستبعد أن يكون الحزب الشيوعي جزءاً من شبكة التحالفات في الجنوب أو البقاع فيحصل على مقعد نيابي. بعد اتفاق الدوحة تغيّر الكثير من الأمور، يقول الرجل. فعمليّة توزيع الأدوار التي قادها الوصي السوري خلال 15 عاماً انتهت. واليوم، على الجميع أن يُشارك في صياغة مشروع الدولة وخياراتها الاقتصاديّة والسياسيّة، وبالتالي فإن الملف الاقتصادي لن يبقى وقفاً على تيّار المستقبل. عسى خير!