«بيئة المخيّمات لا تصلح للسلفيّين» ومخاوف من تطوّر أمنيّ يطالهمالبدّاوي ـ عبد الكافي الصمد

لا يزال القلق مسيطراً على الفلسطينيين، وأسهم في ارتفاع منسوبه تزامن الحادثة مع وقوع أخرى مماثلة، وإن بشكل مختلف شكلاً ومضموناً، في مخيّم عين الحلوة، قبل أن تتبنّى «فتح الإسلام»، في بيان لها، مسؤوليتها عن انفجار العبدة (قبل أن تعود وتنفي هذه المسؤولية)، وبقاء الغموض والكتمان يلفّان حادثة عين الحلوة. ما جعل تساؤلات تطرح عن ترابط هذه الأحداث في ما بينها، والجهات التي تقف وراءها، والأهداف التي تسعى إليها، عدا عما إذا كانت المخيّمات الفلسطينية، ستتحوّل إلى مسرح لجولة مشابهة لأحداث مخيم نهر البارد، أم أنّها مجرد «بروفة» لجولة أخرى منتظرة في موقع آخر، يتم وضع اللمسات الأخيرة عليها.
تستبعد مصادر فلسطينية متابعة «تورّط جهات أو أفراد فلسطينيين في حادثة العبدة»، لافتة إلى أنّ مخيّم نهر البارد «لا يحوي خرطوشة واحدة بسبب الطوق الأمني الذي يفرضه الجيش عليه، فكيف توجد عبوات ناسفة داخله؟»، مضيفة إنّ مخيّم البدّاوي «تحت السيطرة التامّة، بالتفاهم مع كلّ الفصائل الفلسطينية.
وكانت أحداث طرابلس والشمال الأخيرة خير دليل على ذلك، انطلاقاً من موقف فلسطيني جامع يقضي بعدم التورّط نهائياً بالشؤون اللبنانية الداخلية، ومنع أيّ كان من العبث بأمن المخيّمات، أو العبث بأمن لبنان انطلاقاً من المخيّمات».
وإذ حرصت المصادر على عدم تناول انفجار العبدة، واعتباره «شأناً يعني الجيش اللبناني ولا يعنينا، لأنّه وقع خارج المخيّم»، فإنّها أشارت إلى أنّ البيان المنسوب لـ«فتح الإسلام» هو «مختلق ومفبرك، ابتداءً بأسلوب صياغته، وانتهاءً بطريقة وتوقيت توزيعه بعد نحو 48 ساعة من وقوع الحادثة». وتساءلت: «منذ متى كانت «فتح الإسلام» توزّع بياناتها عبر «الوكالة الوطنية للإعلام؟».
ودعت المصادر إلى «إجراء المزيد من الاتصالات، وانتظار انتهاء التحقيقات للتأكّد من كلّ المعلومات المتداولة، بدل إلقاء التهم جزافاً، وتحميل الفلسطينيين وزر أيّ حدث أمني لبناني»، مستشهدة بكلام رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، الذي دعا إلى انتظار «انتهاء التحقيقات التي ستوضح الحقيقة».
وفي الوقت الذي أشارت فيه المصادر الفلسطينية إلى أنّ الجيش أوقف داخل مخيّم نهر البارد عدداً من الأشخاص للتحقيق معهم في حادثة العبدة، بعد اشتباهه بهم، فإنّها أبدت خشيتها من أن يكون «وراء تطوّر الأحداث على هذا النحو، أحد احتمالين: الأول أن يكون هناك من يسعى إلى افتعال مشكلة جديدة بين الجيش اللبناني والفلسطينيين، في الشمال أو أيّ مخيّم آخر، بهدف تنفيس الاحتقان السنّي ــــ الشيعي، وتغيير وجهته باتجاهنا، وهو أمر لن نسمح به أبداً، إذ نرفض أن نكون «كبش محرقة» مجدّداً، وأن ندفع من حسابنا ثمن «التراكمات» التي حبلت بها الساحة اللبنانية في السنوات الأخيرة».
أمّا الاحتمال الثاني، وفق المصادر ذاتها، فهو أن يكون «ما يحدث بمثابة تحضير مسبّق لتوجيه ضربة أمنية، ليس معروفاً حجمها ولا مكانها، لكن يرجح أن تستهدف بعض التيّارات الأصولية السُنّية، وتحديداً ذات التوجّه السلفي المتشدّد، وتقاطع ذلك مع مطالب محلية وإقليمية ودولية بهذا الخصوص، وهو أمر خبرناه نحن واللبنانيين أكثر من مرّة في العقدين الأخيرين».
وفي هذا الإطار، كشفت أوساط فلسطينية متابعة أنّ «بعض المحاولات الفردية التي قام بها بعض المشايخ والأشخاص من ذوي التوجّه الديني المتشدّد في مخيّم البدّاوي، من ناحية ضربهم على وتر المذهبية السُنّية ــــ الشيعية، ضُبطت وطوّقت حركتها، ووئدت في مهدها، بالتزامن مع تلميح البعض إلى احتمال وجود ظواهر كهذه في المخيّم، وإبداء بعض الجهات السياسية والإسلامية خارجه استعدادها لتبنّيها، وإن بشكل غير مباشر، لأهداف وغايات ليست خافية علينا؛ إلا أنّ الدرس الذي تعلمناه من مخيّم نهر البارد، وتوريطنا في مشكلة لا علاقة لنا بها، جعلنا نتخذ أقصى إجراءات الحيطة والحذر والتشدّد حيالها».
وأشارت هذه الأوساط إلى سلسلة أمور تعدّ من «البديهيات الفلسطينية التي لا يعرفها البعض، أو يتجاهلها، وأبرزها أمران: الأول أنّ البيئة الإسلامية في المخيّمات لها خصوصيتها الفلسطينية، التي تتمايز بها عن البيئات الإسلامية في لبنان وسوريا والأردن ومصر ودول الخليج، وهي تنبع من وضعها الاستثنائي في لبنان، والمعاناة التي يرزح تحتها الفلسطينيون منذ عقود، وعدم خوضها في قضايا تعدّ مضرّة ومسيئة إلى وجودنا في لبنان، عدا عن أنّ البيئة الاجتماعية في المخيّمات لا تساعد على انتشار الفكر السلفي، أو إيجاد من يحتضنه».
أمّا الأمر الثاني فتردّه الأوساط إلى «تقدير الفلسطينيين للمقاومة و«حزب الله» والسيّد حسن نصر الله، لتبنّيهم ودعمهم القضية الفلسطينية، فضلاً عن أنّ ممثلي الساحة الإسلامية الفلسطينية، وتحديداً «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، يتمحور نشاطهما في لبنان بالحفاظ على الوحدة الوطنية داخل المخيّمات، ورفض التوطين، وحسن الجوار مع المحيط، وتأكيد العودة إلى فلسطين».


ضربة البارد

دفع أهالي مخيّم نهر البارد، ثاني أكبر مخيّم فلسطيني في لبنان، ضريبة ضخمة نتيجة اتخاذ مسلّحي «فتح الإسلام» المخيّم قاعدة لهم، ما أدّى العام الماضي الى اندلاع معارك شرسة بينهم وبين الجيش اللبناني، أسفرت عن تدمير المخيّم ونزوح سكانه منه.
ومع أنّ «فتح الإسلام» اتّخذت من المخيّم مقرّاً لها، وترأسها الفلسطيني شاكر العبسي، إلا أنّ أغلب قيادييها وكوادرها، كما ثبت لاحقاً، كانوا من جنسيات لبنانية وعربية، وتحديداً خليجية. إذ باستثناء حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وتأسيس تقي الدين النبهاني «حزب التحرير» أواسط الخمسينات، لم يُسجّل الواقع الفلسطيني بروز حركات أصولية متشدّدة، على غرار دول الجوار.