راشيا ـــ رندا صعبتصنيع الفضة سمة «راشانية» بامتياز، وحرفة قديمة العهد بدأ العمل بها في بلدة راشيا الوادي في القرن السابع عشر إِبان عهد الشهابيين الذين كانوا يعتمدون على حرفيي راشيا لتزيين نسائهم: حلي ـــــ أقراط ـــــ عقود ـــــ زنانير ـــــ قلادات وخواتم، بالإضافة إلى أعِنَّةِ الخيل وسنابكها. وقد نمت هذه الحرفة وازدهرت إلى ما بعد الانتداب الفرنسي، حيث وصل عدد المشاغل إلى 30 مشغلاً ضمّت 80 عاملاً، وكان العرب يسوّقون الإنتاج على أيدي آل الراسي وآل أيوب، ولاحقاً في بيت المحترفين الذي أنشأته وزارة السياحة اللبنانية عام 1950. إلا أن هذه الحرفة شهدت انتكاسة وتراجعاً منذ عام 1975 بفعل الحرب الأهلية وتراجع حركة السياحة وتصريف الإنتاج، إضافة إلى تفكك الأسر والعائلات التي كانت تدير المشاغل في راشيا، حيث الأب هو رب العمل والأبناء هم المساعدون واليد العاملة عموماً، وبالتالي الهجرة الداخلية والخارجية التي قضت على الحيِّز الأكبر من هذه المشاغل التي لم تعد أصلاً توفر العيش الكريم لهذه العائلات. أما اليوم فقد أصبحت هذه الحرفة مهددة بالزوال، بحيث لم يبق في راشيا سوى مشغلين يعمل فيهما أربعة عمال. وبالطريقة نفسها التي كانت سائدة منذ مئة وخمسين سنة تقريباً أي تذويب الروباس (الفضة) عيار 1000 على النار لمدة ساعة في (البودقة) ثم نقلها بعد التذويب إلى (الريزك) لإعطائها أشكالاً مختلفة ثم تحويلها إلى خيطان فضية بواسطة دولاب السحب، ثم تُلَفُّ على قطع حديدية لإعطائها الشكل المطلوب، وتُستَخدَم في الزخرفة على عقود (عش البلبل وكسر الشفت).
ويطالب الحرفيون في راشيا وزارتي الثقافة والسياحة بإعادة إحياء بيت المحترف ومنح الحرفيين قروضاً لتطوير الحرفة وإقامة المعارض المحلية والدولية للتعريف بها وتصريف إنتاجها. ويرى هؤلاء أن ضعف السياحة في راشيا رغم وجود قلعتها وسوقها الأثري انعكس كثيراً على حركة التسويق، لأن الزيارات إلى راشيا موسمية وتقتصر على المناسبات والأعياد الوطنية كل سنة فيضطرون إلى إيداع الإنتاج الذي يصل إلى 18 كلغ من الفضة المشغولة في المحالّ المخصصة لبيع التراثيات، وأحياناً يكون الأمل ضعيفاً بتصريفه.