إبراهيم الأمينبعد كل ما جرى، ماذا عن سلاح المقاومة؟
على مدى عامين تقريباً، تولّى فريق 14 آذار شنّ أوسع حملة لبنانية على سلاح المقاومة في لبنان. في المرحلة الأولى بدا أن الحملة تمهّد لإجراء عملي سرعان ما تبلور من خلال الحرب الإسرائيلية الشاملة على المقاومة وسلاحها وجمهورها في تموز 2006. ثم وجد الفريق نفسه أمام جولة جديدة من المواجهة المباشرة للمقاومة. وإذا كان وليد جنبلاط الأكثر صراحة بين هؤلاء في إعلان انتمائه إلى المشروع الأميركي، فإن سائر أركان الفريق لم يكونوا واقفين في مكان بعيد. لا بل إن خلو بيانات تيار المستقبل من أي كلام مباشر ضد المقاومة وسلاحها لم يكن يعكس دقة الموقف الداخلي الذي بات يتعامل مع سلاح المقاومة على أساس أنه خصم له ولمن وراءه من قوى إقليمية. فضلاً عن أن مسيحيي 14 آذار كانوا السبّاقين إلى الطعن بالمقاومة منذ عام 1982 حين كان بعضهم في قلب المشروع الإسرائيلي، وهؤلاء ظلوا على موقفهم حتى عندما كانوا لا يعبّرون عن رأيهم خوفاً في زمن سابق.
لم يتحمل فريق 14 آذار ومن خلفه السعودية والولايات المتحدة نتيجة حرب تموز، وحتى عندما قالت إسرائيل إنه لم يعد لديها أمل بالتخلص من هذا السلاح خلال سنوات طويلة، كان فريق السلطة يبحث عن وسائل لإبقاء الأمر في منطقة الإثارة التي تهدف إلى تحقيق أهداف أدنى من هدف نزع السلاح، وهي تحويله إلى عبء على المستوى العام، الأمر الذي تطّلب حملة غير مسبوقة على كل ما يتصل بالمقاومة، من رموز وقادة وسلاح ومفهوم وجمهور، لتصل الحملة إلى حد اتهام المقاومة بأنها متورطة في أعمال التخريب والإجرام التي حصلت في البلاد منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وكاد الأمر يتطوّر سلباً كلما بدت المقاومة غير راغبة في التورط في اللعبة والانجرار إلى المواجهة التي تستهدف النيل منها في صورة قاسية. وكان فريق السلطة يعتقد أن المقاومة تتصرف هكذا نتيجة نقطة ضعف تعيشها، حتى تطور الأمر إلى اتخاذ القرار الخاص بشبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة. وكانت قراءة السلطة تقول إن المقاومة لن تقوم برد فعل من شأنه تحقيق الهدف الأصلي، أي الفتنة. وعندما قال من قال من داخل الفريق إن القرار سيسبّب مشكلة كبيرة، كان رد 14 آذار أن ثمة مبالغة في التهويل، وأن القرار ليس للتنفيذ أصلاً، بل هو فقط لإشعار المقاومة بأنها غير قادرة على التحرك دون موافقة الآخرين.
إلا أن الرسالة كانت أبعد من ذلك، وإلى جانب النقاش المفتوح والضروروي حول الأبعاد الأهلية لما جرى في البلاد في السابع من أيار الماضي، فإن النقاش السياسي القائم حالياً والمترافق مع توتير أمني خطير، أخفى وراءه حقيقة تبدّل جوهري في الوقائع المتصلة بسلاح المقاومة. وفي هذا السياق يمكن ملاحظة الآتي:
أولاً: سواء كانت الوسيلة هي القوة أو الترهيب أو «الواقعية» أو أي شيء آخر، فإن الخلاصة هي أنه يصعب على جهة في لبنان ـــــ سواء فردية أو حزبية أو رسمية أو غير ذلك ـــــ أن تبادر بعد الآن إلى سلوك أو قرار من شأنهما تهديد سلاح المقاومة. وكل كلام غير ذلك يقال فوق السطوح أو تحتها، يدحضه الواقع الصعب على كثيرين في لبنان وخارجه تصديقه، وهو أن المقاومة لجأت إلى خطوات عملية حصّنت ما حققته في تموز 2006، مما يعني أن ملف سلاح المقاومة سوف يكون خارج البحث الفعلي من الآن وحتى إشعار آخر.
ثانياً: إن النقاش أو الحوار المنتظر حول الاستراتيجيا الدفاعية لا يمكن أن يقوم فعلياً إلا على وقائع أبرزها قدرة الفريق الراغب في التخلص من المقاومة على تحقيق نتائج عملية، كانسحاب إسرائيلي من مزارع شبعا، والحصول على ضمانات عملية بتوقف كل أشكال الانتهاكات من جانب قوات الاحتلال للسيادة اللبنانية البرية والجوية والبحرية، وأن يصار إلى إقفال ملفات أخرى متصلة بالحرب بين لبنان وإسرائيل.
ثالثاً: إن النقاش الخارجي حول سلاح المقاومة تجاوز غضب ميشال معوض ومدرّسه رضوان السيد، ولن يتوقف عند مسلسل الإحباط لدى النائب سمير فرنجية وفريق من بقايا قرنة شهوان، ويمكن المراقب أن يتبيّن الحسابات من الموقف الفرنسي أولاً، وهو الموقف الذي لامس لأول مرة حدود «تفهم ما قام به حزب الله» في بيروت وبقية المناطق. مع إقرار «بالخطأ الفادح الذي ارتبكه فريق 14 آذار عندما بادر إلى اتخاذ قراراته الشهيرة». وهو موقف ينسحب على عواصم أخرى ناشطة الآن سياسياً ودبلوماسياً وأمنياً في لبنان تحت عنوان «درء أي أخطار قد تتعرّض لها مصالحها في لبنان في ضوء التبدلات الحاصلة ميدانياً».
رابعاً: إن انتظار فريق 14 آذار تضامناً عربياً رسمياً وشعبياً معه بعد أحداث أيار، قد يكون طويلاً وطويلاً جداً، لأن المؤشرات تدل على العكس، وثمة تطورات كبيرة مرتقبة في المدى المنظور تتيح تدعيم صورة تضامن الشارع العربي وقواه الحية مع تيار المقاومة في لبنان، فيما يُتوقع أن يغرق فريق 14 آذار، قبل موعد الانتخابات النيابية المقبلة، في خلافات داخلية من النوع الذي يدمّر ما بقي سالماً على سطح الأرض.
وفي انتظار ما سيؤول إليه البيان الوزاري للحكومة الجديدة، فإن الوقائع اللبنانية الراهنة، وما تَثبَّت بعد مرور نحو شهر على أحداث بيروت، يبدو أنهما حسما ولمرة قد تكون الأخيرة، النقاش حول سلاح المقاومة، وهو أمر لن يتحمله كثيرون في لبنان وخارج لبنان، واستناداً إلى ما هو متوافر من عناصر سياسية وأمنية، فإنه ليس في وسع أعداء المقاومة في لبنان ولا خارجه إلا انتظار جهوزية الجيش الإسرائيلي للقيام بحملة جديدة ضد لبنان وضد المقاومة بصورة خاصة، وهي الحملة التي يعمل على أن تكون نهايتها البحث في مستقبل سلاح الآخرين في لبنان وخارجه.