ثائر غندورأثبتت الأحداث الأخيرة أن حركة أمل لاعب أساسي في البازل اللبناني، وليس فقط شخص الرئيس نبيه برّي كثعلب السياسية اللبنانيّة. فهي قادرة، عبر خبرة كوادرها، على التواصل مع الأحزاب التقليديّة والقديمة والتي تملك خبرة استخلاص التسويات بعد الصدامات. لذلك استطاعت الحركة التواصل مع الحزب التقدمي الاشتراكي «بما تمثّله كركنٍ في المعارضة» بحسب أحد قادة «أمل» المطّلعين، وهو ما أدّى إلى أن تنفتح بلديّات المنطقة بعضها على بعض وتتبادل الزيارات، وكسر حدّة الاحتقان المذهبي بين الدروز والشيعة.
أمّا في بيروت، فهذا لم يحصل. ربما لا تعرف أمل كيف تتعامل مع حزب ناشئ في السياسة. ويرفض مسؤولون فيها التسليم بأن هناك مشكلة مع أهالي بيروت، «فنحن جزء من النسيج الاجتماعي لهذه المدينة وجزء من حركتها السياسيّة منذ 25 عاماً». ويرى هؤلاء أن دخول الإعلام في لعبة النائب سعد الحريري الهادفة إلى تحويل الأنظار عن اتفاق الدوحة عبر تضخيم الأمور والإيحاء بأن المشكلة هي بين أمل وأهل بيروت، هو انزلاق خطير. فالحريري الذي سعى إلى «زكزكة» اتفاق الدوحة لأن هناك من لا تُعجبه عبارة «شكراً قطر»، ثم حاول إعادة ترتيب الأولويّات، بحيث يكون الأمن على رأس هذه الأولويّات، هو ذاته رفض التواصل مع الحركة، بهدف وضع أسس سياسيّة لتهدئة العصبيّات المذهبيّة. لكن ثمة في أمل من لا يخفي ثقته بأن هذا التواصل سيحصل.
ويرى مسؤول أملي أن ما يجب القيام به أولاً هو إنجاز التسوية السياسيّة وعدم تأجيلها، لأن الخاسر من عدم الإنجاز ليس طرفاً محدّداً، بل الجميع، ولأن الاتفاق السياسي سيأتي حتى لو أرجئ، وسينعكس التأجيل والعرقلة على الذي يقوم بهما، لأن البلد ليس مجموعة غيتوات مذهبيّة. ويستعين الأملي بهذه النقطة ليؤكّد أن حوادث البقاع لن تطول، لأن السنّة لا يُمكنهم أن ينعزلوا عن محيطهم الشيعي والمسيحي اقتصادياً واجتماعيّاً. كذلك هو يرفض نظريّة أن هذه الحوادث ستؤثّر على المعارضة في المنطقة، لأن الناس تعرف من يقوم بها.
وفرض موضوع الأمن كأولويّة لن ينجح، فاتفاق الدوحة ليس اتفاقاً محلياً فقط حتى تسهل عمليّة إسقاطه، بل هو مجموعة تقاطعات إقليميّة ودوليّة، وستُشكل حكومة وحدة وطنيّة «يكون ميشال عون جزءاً أساسياً فيها». وبعد تشكيل الحكومة سيتغيّر الكثير من الأمور، «ونحن الذين ناضلوا سنتين ونصفاً في سبيل تحقيق المشاركة لن نقبل بتقسيم الملفّات». ويؤكّد أن كلّ وزير في الحكومة سيكون مسؤولاً دستورياً عن كل قرار سيصدر، وبالتالي فلا فرق بين وزير دولة ورئيس الوزراء في هذا الإطار، لأن لكل منهم صوتاً خلال التصويت، «أمّا أن يظن فريق عكس ذلك، فهذيان بهذيان».
وفي رأيه أن الملف الاقتصادي سيكون مطروحاً للنقاش، وأن كلام برّي عن باريس 3 يأتي انطلاقاً من أن لا أحد يرفض المساعدات والتقديمات التي أمّنها المؤتمر لتخفيف الدين، أما ما عدا ذلك من إصلاحات داخليّة فمطروح للنقاش داخل مجلس الوزراء، وإذا رُبطت المساعدات بشروط سياسيّة أو اقتصاديّة فستعود الموافقة عليها إلى الوزراء.
ويؤكّد الرجل أن الخصخصة غير مرفوضة لدى حركة أمل و«أصلاً لا أحد يرفضها في البلد»! ثم لا يلبث أن يُضيف أن النقاش سيطاول كلّ قطاع على حدة، فخصخصة الكهرباء مسلّمٌ بها إجماعياً. «وخصخصة الخلوي؟» يسأل أحدهم، فيأتيه الجواب: «نوافق عليها، ولكن بعد درس الشروط». ومن المستفيد وكيف ستتم العمليّة؟ «ببساطة، تدخل أمل إلى الوزارة مقتنعة بأن الخصخصة أمر مفروغ منه، لكن البحث يدور حول التفاصيل». أمّا المعايير التي تحكم هذه التفاصيل، فالأيّام ستكون أصدق من يقول إذا ما كانت معايير وطنيّة أو معايير شخصيّة ــ نخبويّة مشابهة للطريقة التي تمت بها إدارة الخيارات الاقتصاديّة للبلد طوال المرحلة الماضية.
الموضوع الثاني على طاولة النقاش الداخلي بعد تشكيل الحكومة هو إقرار قانون الانتخابات بتقسيمات قانون 1960 التي اتفق عليها في الدوحة، إضافة إلى إصلاحات قانون لجنة فؤاد بطرس. يؤكّد الرجل الواقف في منتصف دائرة القرار في حركة أمل والمعارضة أن هذه الإصلاحات ستُقرّ، وأن النقاش سيكون محض تقني وليس سياسياً. لكنّه لا ينسى أن يوجّه قدراً من الانتقادات للتقسيمات الانتخابيّة التي «جاءت على قياس المذاهب لا على قياس الوطن كما كنّا نتمنى».
ويضيف: إن النسبيّة هي الخيار الأمثل.