رئاسة سليمان أسقطت قدرة المسيحيّين (نهائياً؟) على اختيار رئيس للجمهوريّةانطون الخوري حرب

يتمركز النقاش حول التباينات العديدة حيال التطورات منذ اتفاق الدوحة. وتنقسم الآراء في وجهات عدة. فمن هؤلاء الكوادر من يرى في وصول العماد سليمان إلى رئاسة الجمهورية (بصرف النظر عن رأيهم فيه)، ترسيخاً لعجز المسيحيين عن اختيار رئيس الجمهورية، مقارنة بقدرة الطائفتين السنية والشيعية على إيصال من يمثلهما إلى الرئاستين الثانية والثالثة. ولهذا «ليس لأركان أية طائفة الاعتراض على خيار طائفة أخرى، لأن التأييد أو الاعتراض يجب أن يرتبطا ببرنامج من تختاره طائفته لا بشخصه». ويرى أحد أعضاء الهيئة التأسيسية في التيار أن الرفض السنّي والدرزي لوصول العماد عون إلى رئاسة الجمهورية كان يجب أن يجابه بالتمسك الشيعي بهذه المعادلة، لكن هذا لم يحصل. والعماد سليمان كان في البداية مرشح 8 آذار، ثم 14 آذار، لكنه لم يكن مرشح تكتل التغيير والإصلاح قبل تنازل عون عن ترشيحه لمصلحته. لذا «فنحن نشعر بخيبة كبيرة لترك عون وحده في الساحة». ويعتبر عضو آخر أن «عون شكل فرصة تاريخية للمسلمين والمسيحيين في لبنان على حدّ سواء. فهو صاحب شعبية مسيحية لم تتأمن حتى للحلف الثلاثي مجتمعاً سنة 1970. كذلك شكّل الأبوّة المرجوّة للمسيحيين بعد تهميش امتد خمس عشرة سنة». وهو حالياً «الزعيم المسيحي الأقوى، بخطاب غير طائفي».
فمع رفض النائبين الحريري وجنبلاط لترشيح عون، وتأييد المعارضة لسليمان، ثم تنازل عون نفسه عن الترشح، سقطت قدرة المسيحيين (نهائياً؟) على اختيار رئيس للجمهورية، لأن الطوائف الأخرى لا تريد رئيساً مسيحياً قوياً بشعبيته، وما «اتفق عليه في الدوحة أرسى حلفاً رباعياً جديداً على المواقع الأولى في الدولة». لكن فريقاً آخر من كوادر التيار (بينهم النائب نبيل نقولا)، يعزون تنازل عون عن الترشح إلى عدم تكتّل المرجعيات الدينية المسيحية وراء هذا الترشيح، «فالبطريرك صفير لم يستكمل تأييده لمرجعية عون السياسية للمسيحيين بعد انتخابات 2005، بل سكت على إبعاده عن المشاركة في الحكومة، ثم بادر إلى إعلان رفضه رئيساً عسكرياً، ثم عاد وقبل بالعماد سليمان. ثم عاد وطالب برئيس شاب ومثقف. وكل هذا لقطع الطريق على عون. فيما المرجعيات الروحية الإسلامية تصطفّ كلها وراء الزعماء السياسيين للطائفة». وبحسب هذه الكوادر «فقد ولّد التحاق مسيحيي 14 آذار بالحريري وجنبلاط وتغطية البطريرك لهم، حال انقسام في الساحة المسيحية لا شبيه لها لدى الطوائف الأخرى»، معتبرة أن «تنازل عون عن ترشحه للرئاسة لسليمان قد حصل فقط لأن سليمان قائد للجيش، ولأن هذه المرحلة مصيرية جداً، تتطلب دوراً حيوياً للجيش في حفظ الأمن والاستقرار».
أما الفريق الثالث فيعتقد أن عون «من خلال اتفاق الدوحة، أثبت أنه يحمل همّ الجمهورية قبل همّ رئاستها، وقد رفع سقف مطالبه لكي يؤمّن مكاسب ديموقراطية تمثلت بقانون انتخابي أكثر عدالة من قانون الحريري ـــ كنعان، وبهذا فتح أمام الأجيال المسيحية الشابة آفاقاً للتغيير»، بحسب رئيس لجنة التثقيف السياسي بسام الهاشم، الذي يقر بأن «قانون الانتخاب الذي اتفق عليه في الدوحة لا يمثل الحل المثالي لنا كحزب وطني نؤمن بالنسبية (دائرة واحدة أو محافظات)، لأنها تؤمّن التمثيل الصحيح وتمكّن المجتمع من التحرر من الإقطاع السياسي المتجذر في المجتمع»، معتبراً أن «تضحية عون أكبر من المنصب الرئاسي، وهو بتصرفاته أضحى راعياً للجمهورية».
وينقسم العونيون بين متفائل وناقم، لكن الجميع يترقب مآل التطورات لتشكيل الحكومة وإقرار القانون الانتخابي، ويعتبرون أن لجوء السلطة إلى تعطيل استكمال تنفيذ اتفاق الدوحة، يجعل التيار في حلّ من أي التزام حيال السلوك السلطوي.
ويعتبر النائب سليم عون أن الإنجاز ليس في الاتفاق بحد ذاته، بل في فتح الطريق المسدود أمام شراكة حقيقية في السلطة. فوفق القانون الانتخابي الجديد، أصبح المواطن المسيحي قادراً على صناعة قراره «وإذا استعدنا في الانتخابات المقبلة الثقة التي مُنحت لنا عام 2005، فستكون الأكثرية النيابية في المجلس الجديد كتحالف لنا. ومن خلال 65 نائباً نستطيع أن نؤلف الحكومة ونمنح الحقائب بدل أن نطالب بها». ويؤكد عون أن «مَن يحاول أن ينسب لنفسه إنجاز الجندي المجهول هو نفسه من رفض بحث أي مطلب للمعارضة قبل انتخاب الرئيس، وظل يردد أن إعطاءها الثلث الضامن هو انتحار سياسي، لأنه يُشرك سوريا في حكم لبنان». ويختم بالقول: «هم راهنوا على عدم ذهابنا إلى الدوحة ما لم يؤدّ ذلك إلى وصول العماد عون إلى الرئاسة، إلا أن موقف الجنرال شكل صدمة لهم».
منسّق قضاء جزين المحامي زياد أسود مقتنع باستعادة جزء من حقوق المسيحيين لا كلّها، من خلال القانون الانتخابي، «لأن الحق برئاسة الجمهورية لم يتحرّر بعد، بفعل التدخلات الأجنبية، لذا يتوجب على التيار خوض معركة تأسيس الدولة». ورأى أن «القرار لو كان للشعب لكان العماد عون اليوم رئيساً للجمهورية»، لذا «فإن استراتيجيتنا يجب أن تقوم على مبدأ القضم». مؤكداً: «كلبناني ماروني من جزين أشعر أنني استعدت حقوقي بمساعدة حلفائي».
من جهته، رئيس لجنة الدراسات أدونيس العكرة استشرف «عملية غش تعوق بناء الدولة»، بعدما «كنت أعتقد أن اتفاق الدوحة هو فاتحة مرحلة لبناء الدولة التي نطمح لها وصياغة عقد اجتماعي جديد». أما الإنجاز في الدوحة فيتمثل في: أولاً: تصميم اللبنانيين على التحاور. ثانياً: يؤسس الاتفاق لإعادة النظر في ما يفتقده الدستور من قواعد ديموقراطية. وثالثاً: إقرار الثلث المعطّل كمبدأ توافقي، وحق الفيتو المتبادل.


مقاطعة ومشاركة

خاض التيار الوطني الحر مع العماد ميشال عون «حرب تحرير» لبنان من الجيش السوري فيما كان عون رئيساً لحكومة عسكرية انتقالية تتمتع دستورياً بالصلاحيات الرئاسية. وبعد نفي عون إلى فرنسا في آب 1991، خاض التيار حملات مقاطعة الانتخابات النيابية خلال دورتي 1992 و1996 (المحافظة دائرة انتخابية)، وكذلك خلال انتخابات 2000، وفق «قانون غازي كنعان». ثم علّق مقاطعته فشارك في انتخابات المتن الفرعية عام 2002، كذلك في فرعية بعبدا ـــ عاليه عام 2003، وصولاً إلى المشاركة الواسعة في دورة 2005، وفق القانون الانتخابي ذاته، في ظل عودة العماد عون. وأفرزت النتائج كتلة نيابية كبيرة للتيار من 22 نائباً، مما جعل زعيمه مرشحاً أبرز لرئاسة الجمهورية.