إبراهيم الأمينمرة جديدة سوف يأتي الانقلاب على تجمع 14 آذار، من الجبل، وتحديداً من قصر المختارة الذي لا يستطيع غيره تحقيق هذا الهدف. لأن الفريق الآخر القادر على قلب الطاولة في البلد كله لا في فريق 14 آذار وحسب، أي تيار المستقبل والنائب سعد الحريري، ليس من النوع الذي يبادر إلى خطوات كهذه، لكنه يتكيّف مع أجواء ما يحصل، ويتعايش مع النتائج المباشرة وغير المباشرة. ثم ليس هناك ما يلزم المستقبل بخطوة من هذا النوع وهو الساعي إلى توسيع دائرة حلفائه لبنانياً، بينما لدى وليد جنبلاط الكثير من الأسباب التي تدفعه إلى فرط 14 آذار لا إلى تفجيره بقصد إطاحة بعض عناصره.
ولأن السيبة الثلاثية التي قام عليها تجمّع المنضوين في المشروع الأميركي تأسّست على جنبلاط والحريري وعلى الفريق المسيحي الخارج من قرنة شهوان، بما في ذلك الكتائب والقوات اللبنانية ومجموعة الشخصيات المسيحية المنتشرة في مناطق عدة من لبنان، فسوف يدفع هذا إلى تغييرات كثيرة من الآن وحتى قيام الحكومة الجديدة وما بعد تشكيلها، ثم ما سيكون في الفترة الفاصلة عن الانتخابات النيابية.
وبحسب معلومات سياسي بارز من جبل لبنان المسيحي، فإن جنبلاط يتجه نحو إكمال استدارته، وهو الذي شعر قبل شهور بأن الولايات المتحدة الأميركية ليست في وارد القيام بأي خطوة، ولكنه كان يراهن على عدم قيام حزب الله بأي تحرّك ميداني، ولم يتوقع مطلقاً أن يبادر الحزب إلى ملاقاته في عقر داره في الجبل. وبعدما لمس لمس اليد أن لا تغيير في وضع النظام في سوريا، وأن طاقات حزب الله إلى تعاظم وليس من قدرة على وقفها، بالإضافة إلى المهمة الموكلة إليه سعودياً بتولي أمر السنّة حتى ينضج الوضع القيادي للحريري، كل ذلك جعله يعتمد على سياسة إمرار الوقت. ولكن بعد اضطرابات أيار الفائت، شعر جنبلاط بأنه في موقع المجبر على إعادة النظر في أمور كثيرة، بما في ذلك وضع الزعامة الجنبلاطية. وهو الآن لا يهتم أبداً بالملف الحكومي من زاوية فهمه له بأنه استحقاق مسيحي ولا يعني المسلمين، وأن الانتخابات المقبلة ستكون قائمة أيضاً في الدوائر المسيحية الصافية منها والمختلطة، وهو هنا كما حزب الله معني بعدد من الدوائر المختلطة، من بعبدا إلى البقاع الغربي مروراً بحاصبيا ومرجعيون.
ووفق نظرية السياسي نفسه، فإن جنبلاط يتصرّف على أساس أنه سيخسر مقاعد بعبدا كاملة. وهو يريد البحث منذ الآن عن مقايضة تحفظ له المقعد الدرزي الذي يشغله الآن أيمن شقير (علماً بأن الأخير ليس مستميتاً للبقاء قي المجلس) على الأقل. ويريد أن يجد تعويضاً عن المقعد الماروني الذي يشغله عبد الله فرحات. ثم هو يعرف أن هناك معركة قاسية ستنشب في البقاع الغربي حيث له وائل أبو فاعور وأنطوان سعد، مما يجعله يبحث منذ الآن في آليات للتعويض، وبعضها يتطلب مثلاً التخلّي عن مقاعد في عاليه والشوف على الأقل.
وتمهيداً لهذه الخطوة، بادر جنبلاط إلى إطلاق حملة شبه معلنة على نائب القوات اللبنانية في الشوف جورج عدوان، واصفاً إياه بالنعوت الكفيلة بالتخلي عنه في الانتخابات المقبلة، وهو في هذه الحالة يستعد لاختيار ماروني جنبلاطي من دير القمر ليكون في صلب لائحته، كما أنه مستعد لتطوير اتفاقه مع الوزير السابق طلال أرسلان بغية حفظ مقعد لجنبلاط في عاليه مقابل إيجاد صيغة تحفظ لجنبلاط المقعد الدرزي في بعبدا. ويقول السياسي البارز: «لا نستبعد أن يصدر فجأة خبر زيارة يقوم بها جنبلاط إلى الرابية، بغية إيجاد أساس للتفاهم مع العماد ميشال عون، مما يسمح للأخير بأخذ مقعد مسيحي في عاليه مقابل حفظ المقعد الدرزي لجنبلاط في بعبدا، وجنبلاط مستعد في هذه الحالة أيضاً للتخلي عن أحد مسيحيي عاليه، ولا سيما أنطوان أندراوس».
وبحسب السياسي المذكور، فإن جنبلاط مضطر لأن ينطلق في عملية سياسية ــــ حسابية منذ الآن، بغية الحدّ من خسائره. وخصوصاً أنه سوف يخسر حلفاء له في مناطق أخرى، مثل الياس عطا الله في طرابلس، وقد بدأ عدد من النواب الحاليين من الشمال يسعون للترشح عن هذا المقعد، وتلوح ملامح تسوية يديرها تيار المستقبل تقضي بإبعاد عطا الله لمصلحة أحد نواب زغرتا ــــ الزاوية الثلاثة. كما أن جنبلاط لن يضمن الفوز بأي مقعد لا في جزين ولا في أي منطقة أخرى، مما يجعله في الموقع الصعب الذي هو فيه الآن.
ويتوقع السياسي أن يرفع جنبلاط من وتيرة انتقاداته لزعماء مسيحيين من فريق 14 آذار، ويستحسن عدم إغفال احتمال أن يحمّل جنبلاط هذه المجموعة مسؤولية التدهور الذي آلت إليه الأوضاع في لبنان. ولن يتوقف كثيراً عند الصراخ أو البكاء الذي بدأ يُسمع عند هؤلاء، وهم يشعرون الآن بأن أمامهم معركة كبرى في الدائرة الأولى في بيروت، وإن كانت المشكلة في هذا المجال تنطلق من إصرار صولانج بشير الجميّل على ترشيح ابنها نديم، مما يكبح جماح الماكينات الانتخابية لكل من القوات اللبنانية والكتائب، كما أن احتفاظ الحريري بميشال فرعون وأرمن من خارج حزب الطاشناق سوف يزيد الأمور تعقيداً، علماً بأن نقاشاً أقوى بدأ حول المقعد الأرثوذكسي، وخاصة أن آل تويني ينوون ترشيح نايلة ابنة النائب الراحل جبران في لائحة تضمها مع الجميّل الابن وفرعون واثنين من الأرمن الموالين للحريري.
لكن رجال الفريق المسيحي يعرفون أن ساحة عملهم الآن هي في المتنين الجنوبي والشمالي وكسروان وجبيل، لذلك باشروا خطة عمل تنطلق من حلف افتراضي يجمعهم مع البطريرك الماروني نصر الله صفير وأركان الكنيسة من جهة، ومع الرئيس ميشال سليمان من جهة أخرى، وتحت سقف معركة لها عنوان واحد هو التصدي للعماد عون. ولهذه التركيبة حكايتها الخاصة.