ما إن يعلن عن سرقة سيارة في أي منطقة من لبنان، حتى يتراود إلى الذهن اسم بلدة بريتال التي يُنظَر إليها على أنها مسرح للعصابات. أما أهل البلدة فيرفضون وضعها في خانة الجزر الأمنية الخارجة عن القانون
البقاع ـ نقولا أبورجيلي

«كيف تقطع السيارات المسروقة مسافات طويلة لتصل إلى بريتال؟ وكيف يتيقّن المعنيون من وجودها داخل البلدة ليتم التفاوض عليها وإعادتها إلى أصحابها، مع أن البعض يعلم أنها تكون في مكان ما خارج البلدة؟». يستغرب رئيس بلدية بريتال عباس اسماعيل، لكنه لم يتنكّر لوجود «بعض المطلوبين بجرائم سرقة وتزوير وإتجار بالمخدرات» وغير ذلك من الأعمال المخلّة بالأمن. وفي حديث إلى «الأخبار»، اتهم اسماعيل جهات لم يسمّها بالعمل «منهجياً لتشويه صورة البلدة على وجه الخصوص ومجمل المنطقة بشكل عام».
وفي حديث مع «الأخبار» أعلن قائد وحدة الشرطة القضائية في قوى الأمن الداخلي العميد أنور يحيى، أن «الشرطة تمدّ يدها لأبناء بريتال وتدعوهم إلى التعاون معها للحفاظ على مصلحة البلدة وحقوق الناس». وأكّد أن هدف قوى الأمن هو تطبيق القانون دون الاضطرار للجوء إلى العنف وإطلاق النار، وعبّر عن حرصه على سلامة جميع ابناء البلدة.
وقد سجّل رئيس البلدية عتبه على «بعض وسائل الإعلام التي لا تقف على حقيقة الوضع، ولا تتوخى الدقة ولا تستفسر قبل إثارة أي موضوع يتعلق بسمعة البلدة». وأضاف أن البعض «يسلّط الأضواء على الأمور السلبية، ويتغاضي عن المسائل الإيجابية في أكثر من مناسبة». وأشار إسماعيل إلى أن «بريتال التي قدمت قوافل من الشهداء سقطوا على مذبح الوطن أثناء مواجهة العدو الإسرائيلي لا يمكن إلا أن تكون في قلب الوطن وحضن الدولة شاء البعض أو أبى، ولا يمكن لقلّة لا يتجاوز عددها ثلاثين شخصاً أن تشوّه سمعة البلدة وسمعة الكثيرين من أبنائها الذين أثبتوا جدارتهم في جميع الميادين الثقافية والإدارية والسياسية والأمنية». وأضاف اسماعيل: «نفذت الأجهزة الأمنية عمليات دهم عديدة داخل البلدة وفي محيطها، وسقط نتيجتها بعض القتلى والجرحى من المطلوبين ومن عناصر الأمن، وكنا في كل مرة ننأى بأنفسنا كأهالي من التدخل لتغطية أحد». اسماعيل أكّد أن جميع دوائر الدولة تعمل بانتظام داخل البلدة، مع وجود بعض الشوائب، مثلها كباقي القرى، لناحية جباية الضرائب. وأشار إلى أن دوريات قوى الأمن تقوم بواجباتها من ضبط لمخالفات البناء وتلقّي شكاوى المواطنين التي تتم معالجتها إما بواسطة القانون أو على الطريقة العشائرية. وختم رئيس البلدية بالتمني على وسائل الإعلام الحضور إلى بلدة بريتال للاطّلاع عن كثب على أوضاع البلدة، بدلاً من إثارة مواضيع بعيدة كل البعد عن الواقع.

الأمن والقضاء والعلاقات العشائرية

مصدر أمني أوضح لـ«الأخبار» أن بلدة بريتال هي كباقي القرى لناحية وجود مطلوبين بجرائم مختلفة. أما الأجهزة الأمنية فتؤدي دورها في البلدة في أوقات متفاوتة وفقاً لما تسمح به الظروف، لأن قرب البلدة من المناطق الجبلية لا يساعد كثيراً على القيام بالمهمات بالشكل المطلوب. وأشار المصدر إلى أن التجارب السابقة أثبتت تمكُّن الكثيرين من الفرار بمساعدة أشخاص تابعين لزعماء العصابات ينحصر دورهم بمراقبة محيط البلدة وطرقاتها، وإعلام تلك المجموعات عن أي تحرك أمني يلحظونه. ولفت إلى أن عدد المطلوبين بجرائم مختلفة في بلدة بريتال لا يتجاوز الخمسين، وهو رقم «طبيعي» نسبة إلى بلدات أخرى تصل أعداد المطلوبين فيها إلى المئات». وعن سبب شهرة بريتال في هذا المجال، أوضح المصدر أن عدداً كبيراً من السارقين، من كل المناطق، يلجأون إلى البلدة لبيع السيارات المسروقة أو المسلوبة، بسبب وجود عصابة تشتري هذه السيارات وتفاوض على إعادتها إلى أصحابها لقاء مبالغ مالية. المصدر الأمني تحدّث عن صعوبات تواجه القوى الأمنية للقيام بواجبها. فتلك العصابة، إضافة إلى أفراد يمتهنون تزوير العملات وجوازات السفر وتأشيرات الدخول، بحاجة للاقتلاع من البلدة، إلا أن ذلك يتطلب خطة متكاملة بين الأجهزة الأمنية والسلطة القضائية، التي يمكنها المساهمة بتسهيل إنجاز المطلوب عبر وعود بإصدار أحكام قضائية مخففة، لتشجيع المطلوبين على تسليم أنفسهم. فقد أثبتت التجارب أن هؤلاء المطلوبين لا يستسلمون بسهولة، ويقاومون بشتى الطرق من أجل عدم دخول السجن لفترات طويلة، وبالتالي يواجهون القوى الأمنية، مستخدمين الأسلحة الفردية والمتوسطة، وفي كثير من الأحيان القذائف الصاروخية.
وأشار المصدر إلى أن استقرار الأوضاع السياسية والأمنية يساعد على توفير أجواء مناسبة لبسط سلطة الدولة على المناطق كلّها، لا على بريتال فقط. وكشف المصدر عن وجود تعاون مع اللجنة الأمنية في «حزب الله» في بعض الأمور، وليس بصورة دائمة، نظراً إلى حساسية الأوضاع العشائرية والعائلية في تلك المنطقة.