عون في بعبدا يشرح وجهات النظر وخوجة في عين التينة نافياً وجود أزمة مع برّينسي اللبنانيون لساعات أمر تأليف الحكومة ومآل قانون الانتخابات، وانشغلوا بـ«مفاجأة» زيارة وزيرة الخارجية الأميركية، وجولة رئيس وزراء العراق السابق أياد علاوي، على المسؤولين، قبل أن تبدأ اليوم الأسئلة عن النتائج
كان من المتوقع أن يكون خبر زيارة النائب ميشال عون، لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، نجم الأحداث والمادة الأساسية للتحليلات والتعليقات وقراءة الأجواء، ولكن وصول كوندوليزا رايس «فجأة» إلى مطار بيروت، طبع كلمة «عاجل» على كل الشاشات، ودفع بوسائل الإعلام إلى استنفار مراسليها لرصد تحركات وزيرة خارجية الدولة العظمى، وإبراز تهنئتها للعهد الجديد، حتى وإن كانت من زعيم عهد راحل، بل إن مراسلة إحدى هذه الوسائل رأت ـــــ وبفرح عظيم ـــــ أن الزيارة هي دعم لرئيس الجمهورية، دعم للعهد الجديد، دعم لرئيس الحكومة، دعم للبنان واستقلاله وسيادته، مع تكرار كلمة دعم بين كل كلمة وأخرى.
إذاً، وصلت رايس إلى بيروت، وطبعاً «فجأة»، واختارت لخطّ سيرها الذي رافقها فيه مساعدها ديفيد ولش والقائمة بالأعمال الأميركية ميشيل سيسون وعدد من المعاونين: قصر بعبدا، السرايا الحكومية، قريطم وعين التينة. وقد وصل عون إلى بعبدا، أثناء لقائها سليمان، فاضطر إلى الانتظار. وذكر المكتب الإعلامي في القصر الجمهوري، أنها نقلت لسليمان تهاني الرئيس الأميركي جورج بوش بانتخابه رئيساً، وتمنياته بأن يحقق ما يتطلع إليه من آمال عكسها في خطاب القسم، ودعوته لزيارة الولايات المتحدة، إضافة إلى تأكيدها «أنه ستفعّل برامج التعاون العسكري بين لبنان والولايات المتحدة الأميركية التي ستقف إلى جانب جميع اللبنانيين من دون تمييز»، وأن بلادها «تدعم إيجاد حل لمزارع شبعا استناداً إلى القرارات الدولية».
كما ذكر المكتب أن سليمان شدد على أهمية الوصول إلى حل شامل ودائم وعادل لأزمة الشرق الأوسط «يجب أن يبدأ من خلال ضمان حق العودة للشعب الفلسطيني إلى أرضه»، مطالباً الولايات المتحدة بالمساعدة على استعادة السيادة اللبنانية على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وأعلن بدء الإعداد لإطلاق الحوار اللبناني، استكمالاً لما كان قد بدأ في مجلس النواب. وقال إن وجود الجيش في الجنوب «بعد سنوات من الغياب، وفّر الأمن والاستقرار والطمأنينة للجنوبيين، بالتعاون مع القوات الدولية»، معرباً عن تطلع لبنان «إلى إقامة أفضل العلاقات مع سوريا»، ومشيراً إلى أنه لمس من الجانب السوري رغبة مماثلة. وشكر للولايات المتحدة «المساعدات التي قدمتها للجيش في إطار البرنامج الذي تم التوصل إليه بين الجانبين»، لافتاً إلى «أن لبنان الآمن ضمان للأمن والاستقرار في المنطقة».

لا بد من تنازلات في أي تسوية!وفي السرايا، وصفت رايس لقاءها مع الرئيس فؤاد السنيورة بأنه «كان لقاءً جيداً جداً، كما كانت دائماً لقاءاتنا السابقة»، وتمنت له النجاح في تأليف الحكومة. وقالت إن بلادها «تؤمن أنه حان وقت التطرق إلى موضوع مزارع شبعا ولا سيما في ما يتعلق بتطبيق القرار 1701»، مردفةً «ننوي أن نطلب من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن يولي هذه المسألة دعمه وجهوده، وعلى ما أظن فإنه سيكثف من جهوده في هذا الخصوص من أجل احترام القرار 1701». وذكرت أنها أبلغت السنيورة أن بلادها ستحضر مؤتمر الدول المانحة لإعادة إعمار مخيم نهر البارد.
ونقلت «الوكالة الوطنية للإعلام» معلومات عن أن البحث بين رايس والسنيورة «تركز على خمس نقاط، لكن غالبية الوقت تركزت على الموضوع الأول وهو «ضرورة العمل على انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا لوضعها تحت إشراف الأمم المتحدة. وقد وعدت الوزيرة الأميركية بتكثيف العمل من أجل إنجاز هذا الموضوع بالتنسيق مع الأمم المتحدة وباقي الأطراف المعنية»، أما النقاط الأربع الأخرى فهي: «دعم لبنان سياسياً كنظام ديموقراطي ودعم استقلاله وسيادته، التركيز على دعم الجيش وقوى الأمن الداخلي عدة وعتاداً، تأمين الدعم الاقتصادي للبنان حسبما نص عليه اجتماع أصدقاء لبنان في الكويت، تأمين الدعم لإعادة إعمار مخيم نهر البارد.
وبعد اجتماعها في قريطم مع: الرئيس أمين الجميل، النائبين سعد الحريري ووليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع، في حضور النائب السابق غطاس خوري ونادر الحريري وهاني حمود، قالت رايس إن البحث تناول «استمرار دعم الولايات المتحدة مسيرة الديموقراطية والحرية، والتزامها قيام لبنان سيداً ومستقلاً بشكل حقيقي، حيث لا يسمح بأي تدخل أجنبي أو ترهيب من الخارج يرتكب بحقه».
وختمت زيارتها «المفاجئة» بلقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث هنّأته بزواج ابنته و«بحثنا في مستقبل لبنان، وعرضت معه الأمور التي بحثتها خلال زيارتي»، محددة أن «لدى المجلس عملاً كبيراً في الكثير من القضايا، ومنها قانون الانتخابات». ورداً على سؤال عن دعم بلادها لحكومة يشارك فيها حزب الله، قالت إن الموقف من الحزب «لم يتغير»، مستطردة «أما تأليف الحكومة فيعود إلى الشعب اللبناني، ونحن سنتابع عملنا مع الحكومة المنتخبة ديموقراطياً، ونأمل أن تؤلف بسرعة، وسنتطلع إلى العمل معها». ثم غادرت عند السادسة على متن طائرة خاصة، إلى إيرلندا، ومنها إلى واشنطن.
وإذ أمل النائب حسن حب الله «أن لا يقع اللبنانيون في شراك ألاعيب السياسة الأميركية من جديد، وأن لا يصغوا إلى الأميركي الذي يحاول أن يخرّب في لبنان كما خرّبه في الماضي»، صدرت مواقف عدة منددة بزيارة رايس، أبرزها من الأحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية في الجنوب، الحملة الشبابية اللبنانية لرفض الوصاية الأميركية، حزب الاتحاد. وقد وصفها رئيس مركز بيروت الوطن زهير الخطيب «بزيارة الخلسة التي تعتمدها في زياراتها إلى العراق وأفغانستان».

كيف يمكن شرح أن المياه مياه؟

على صعيد زيارة عون إلى بعبدا، فقد اتّسمت بالحميمية، إذ استضافه رئيس الجمهورية إلى مائدة الغداء في جناحه. وقال عون إن البحث تناول موضوع الحكومة و«كان هناك مجال لشرح وجهات النظر وطرح مواضيع الساعة. وإن شاء الله نتوصل إلى شيء إيجابي بسرعة». ورفض الرد على أسئلة حول طرحه عن الحقيبتين السياديتين، قائلاً: «ما قلته هو أكثر ما يمكنني إيضاحه، فإذا قلنا إن المياه مياه، فكيف يمكن شرح ذلك؟». ووصف تأليف الحكومة بالـ«بازل» و«ما دام هناك قطعة صغيرة ليست في محلّها، فلا يمكننا القول إن هذه هي النتيجة». ولفت إلى أن المشكلة «يمكن أن تكمن في التوزيع لا في الأسماء».
ومن عين التينة، أمل السفير السعودي، عبد العزيز خوجة، الإسراع في تأليف الحكومة، نافياً أي دور لبلاده على هذا الصعيد «لا ندّعي، ولا نستطيع». ونقل عن بري تفاؤله وأمله باجتماع عون ـــــ سليمان. وإذ قال إن العلاقات السعودية ـــــ الإيرانية «يجب أن تكون قوية ومستمرة دائماً، ويجب أن يكون هناك تنسيق دائم»، قال إن «لبنان دولة كبيرة مستقلة وحدها، ويجب ألا يكون هناك أي تأثير من الخارج». ونفى وجود أي أزمة لبلاده مع بري، فـ«علاقتنا طيبة مع الجميع، ودولة الرئيس بري له مكانة كبيرة في لبنان والعالم العربي وعندنا، وفي كل مكان». كذلك تمنى سفير فرنسا أندريه باران، بعد لقائه بري، تأليف الحكومة «في أسرع وقت ممكن وضمن أفضل المهل».
وفي حديث تلفزيوني، استبعد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، أن تكون العرقلة الحكومية إقليمية أو دولية «وإنما هناك محاولة تحسين شروط داخلية ضمن طريقة توزيع الوزارات». وتوقع إمكان أن يتأخر التأليف «أسبوعاً أو أسبوعين، ويمكن أن يحصل بعض التسويف وبعض المناورات والتذاكي، ولكن في نهاية المطاف أصبح اتفاق الدوحة بكامله كسلّة واحدة ممراً إلزامياً للوصول إلى الانتخابات النيابية، ولإعادة الحيوية والدور إلى المؤسسات الدستورية كلها». وقال إن الحزب يكفيه وزير واحد يوصل موقفه ويؤدي الخدمات المطلوبة للناس، ويعمل للتعبير عن صوت المقاومة بطريقة مباشرة، مكرراً طرح توزير درزي وسنّي من المعارضة، مقابل شيعيين للموالاة، ومعلناً أن الأمور في هذا الشأن «لم تحسم حتى الآن». ورفض الحوار قبل البيان الوزاري، مرتباً الأولويات كالآتي: تأليف الحكومة، مناقشة البيان الوزاري، الثقة، وبعد ذلك يحدد رئيس الجمهورية الوقت الملائم للحوار. ورأى أن انتقال مزارع شبعا إلى عهدة الأمم المتحدة، يعني أنها «متحررة مع وقف التنفيذ».

تساؤلات عن التعطيل من... الفريقين

وفي إشارة ضمنية أيضاً إلى لقاء سليمان ـــــ عون، استبشر النائب علي حسن خليل، بعد زيارته ووفداً من قيادة حركة أمل للرئيس سليم الحص، بحركة مكثّفة فيها «محطات أساسية، وأعتقد أنها ستعطي دفعاً كبيراً للوصول إلى توافق حول تأليف الحكومة في وقت سريع». كما استقبل الحص وفداً من التنظيم الشعبي الناصري زار أيضاً مقر المؤتمر الشعبي اللبناني. فيما برزت تساؤلات عند عدد من شخصيات المعارضة عن أسباب «المماطلة والتأخير والتأجيل والتعطيل»، وطالب الوزير طراد حمادة، السنيورة، بـ: «إما أن يؤلف الحكومة أو أن يعتذر عن عدم تأليفها، وإلا يكون مستبداً منافياً مجافياً لقواعد الديموقراطية».
وفي المقابل، وفي غمز غير مباشر من قناة عون، اتهم الرئيس الجميل بعد استقباله رئيس ممثلية السلطة الفلسطينية عباس زكي «الطرف المسيحي في المعارضة» بتفويت «فرصة تعزيز دور رئيس الجمهورية»، داعياً إلى «الكف عن مقاربة موضوع الحكومة بمنطق توزيع الامتيازات والمصالح». ورأى النائب بطرس حرب أنه «من غير الطبيعي البقاء في حالة انتظار مستمر ريثما يرضى الجميع»، مطالباً بإصدار تشكيلة حكومية فوراً «ومن يعترض عليها يكن قد خرج عن اتفاق الدوحة».
وإثر لقائها ووفداً من كتلة القوات اللبنانية، البطريرك الماروني نصر الله صفير، استبعدت النائبة ستريدا جعجع أي عرقلة في شأن البيان الوزاري لأن «الذي حصل في قطر اتفاق شامل على كل البنود، بدءاً من رئيس الجمهورية، إلى تأليف الحكومة، إلى قانون الانتخابات، إلى الحوار في الأمور التي عليها علامات استفهام كثيرة وكبيرة، ومنها سلاح حزب الله».
إلى ذلك، زار رئيس الوزراء العراقي السابق أياد علاوي، على رأس وفد، سليمان والسنيورة والحريري، وتمنى أن «يستفيد اللبنانيون مما حصل، كي يتقدم الاستقرار والسلم الأهلي ويعمّ الخير ويعود لبنان كما كان جوهرة في المنطقة العربية». ونقل عن سليمان تفاؤله وتطلّعه بإيجابية إلى الاستقرار.
وقال إنه سمع من الحريري «كلاماً إيجابياً جداً يصبّ في وحدة لبنان».