نقولا ناصيفتحوّلت حقيبة الدفاع عقبة كأداء في طريق تأليف الحكومة الجديدة. ورغم إعلان أكثر من مسؤول وفريق سياسي أن معظم العراقيل ذُلل، فإن استمرار الخلاف عليها يجعل تأليف الحكومة متعذّراً إلا إذا تراجع واحد من اثنين عن إصراره على التمسّك بها: رئيس الجمهورية ميشال سليمان، والرئيس ميشال عون. وهكذا يختلف الجنرالان على حقيبة تُحمّل ظاهراً أكثر ممّا ينبغي ما دام قرار الجيش في يد قائده لا في يد الوزير. وتنطوي باطناً على خلاف من نوع آخر لا يقتصر عليهما، ويتصل بدور الجيش في المرحلة المقبلة. وكما نصّ اتفاق الدوحة على توزيع السلطة بين الموالاة والمعارضة، في الحكومة الجديدة وقانون الانتخاب، لحظ دوراً للجيش يواكب الأشهر الفاصلة عن انتخابات 2009، من خلال حصر السلطة العسكرية والأمنية في يد الدولة. فحوى ذلك، الاحتكام إلى الجيش كلما اندلعت أزمة، بلا أوهام بأن الجيش سيدخل في السجال على مصير سلاح المقاومة.
تبعاً لذلك، اقترن الخلاف على حقيبة الدفاع بمعطيات:
1 ـــ أن اتفاق الدوحة عندما أعطى سليمان حقيبة الداخلية يكون على رأسها وزير محايد، لم يأخذ بها على أنها إدارة أمنية هي حصة الرئيس بالضرورة، بل كإدارة سياسية منوط بها إجراء انتخابات 2009 إجراءً يُكسب نتائجها صدقية تجنّبها التشكيك فيها، ويقف الوزير المحايد على مسافة متساوية من الموالاة والمعارضة في تقديم الضمانات اللازمة لإجراء تلك الانتخابات. فلا تكون حقيبة الداخلية في يد هذه أو تلك. على أن هذا القياس لا يسري بالضرورة على حقيبة الدفاع التي تقتصر مهمتها على العملين العسكري والأمني، ولا جانب سياسياً في صلاحياتها كحقيبة الداخلية، المعنية بالأمن الداخلي مقدار كونها معنية بالأحزاب والجمعيات والبلديات والأحوال الشخصية، وأخيراً وليس آخراً إجراء الانتخابات النيابية والبلدية.
ومع أن الموالاة برّرت إعطاء حقيبة الدفاع لسليمان وسيلة تسهّل احتساب تقاسم الحقائب السيادية، فيوزّع المتبقي منها على طرفي النزاع، واحدة لكل منهما، فإن ذلك لا يبرّر كذلك ذريعة قالت بإعطاء حقيبة الدفاع لرئيس الجمهورية لأنها عسكرية وأمنية في آن واحد، تدخل في صلب خبرته في معرفة شؤونها، أو على الأقل يستطيع التصرّف باستقلال كامل عن الموالاة والمعارضة في إدارتها. وهو ما طبع تصرّفه حيالها على رأس قيادة الجيش. بذلك يكمن تأثر الجيش بقائده أكثر منه برئيس الجمهورية، والحرّي أكثر منه بوزير الدفاع. وهذا ما استقرت عليه في الحقبة السورية علاقة رئيس الجمهورية بقائد الجيش. لم يكن العماد إميل لحود على ودّ مع الرئيس الياس الهراوي، ولا الرئيس لحود مع العماد سليمان. كان القائد سلطة موازية تستمد حصانتها من ذاتها تارة، ومن طموحات قائدها طوراً، ومن تصاعد خلافات السياسيين. لم تصنع دمشق هذا التقليد وإن أوجدت أسباب تغذيته. لم يكن الرئيس كميل شمعون على ودّ مع اللواء فؤاد شهاب، ولا الرئيس شارل حلو على ودّ مع العماد إميل بستاني، ولا الرئيس سليمان فرنجية على ودّ مع العماد جان نجيم، ولا الرئيس أمين الجميل على ودّ مع العماد عون. وبطبيعة الحال لا مكان للوزير بين هاتين المطحنتين.
2 ــــ رغم سلسلة مواقف قلّلت ربط الإصرار على حقيبة الدفاع بإبعاد الوزير الياس المر عنها، فواقع الأمر أن المعارضة تحمّل الأخير مسؤولية حوادث 7 أيار ونتائجها التي أضحت مذهبية بامتياز. تتهم المعارضة المر بتسريبه مراسلاته ومديرية الاستخبارات إلى رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط الذي أثار في 3 أيار موضوع شبكة الاتصالات التي يملكها حزب الله. كذلك حُمّل المر مسؤولية تسريب المراسلات إعلامياً، والدفاع بحماسة عن اتخاذ هذين القرارين في مجلس الوزراء في 6 أيار، الأمر الذي أفضى إلى انفجار الوضع بحوادث 7 أيار. وأدرجت المعارضة اتهامها المر في سياق افتعال صدام بين الجيش وحزب الله.
3 ــــ لا تكتم المعارضة وجهة نظر متداولة في أوساطها في نطاق ضيّق هي ضرورة فصل وزارة الدفاع، ومن خلال قيادة الجيش، عن رئيس الجمهورية لأن يكون قائد ظلّ لها، من غير أن ينطوي الأمر على تشكيك في علاقتها به. إلا أن إبعاد المر عنها، بداية، يفتح باب مناقشة انتقال حقيبة الدفاع إلى المعارضة ما دام رئيس الجمهورية يربط توزيرها بالمر بالذات، وليست ثمة أحاديث عن وزير بديل منه إذا تشبّثت المعارضة برفض توزيره. والواضح حتى الآن أن أحداً لا يخوض في حلول وسطى تتصل بهذه الحقيبة. رئيس الجمهورية يريدها له وعلى رأسها المر بسبب الثقة التي يمحضه إياها، وعون يريد الحقيبة للواء عصام أبو جمرة من أجل طمأنة المعارضة إلى دور الجيش. بل يذهب المدافعون عن وجهة النظر هذه إلى ضرورة إعطاء الوزارة دوراً جديداً لا يكتفي بهذا التطمين في المعادلة السياسية وفي علاقة الجيش بحزب الله تحديداً، بل كذلك إخراج الجيش من دائرة تجاذب سياسي لا يجعله على وشك السقوط في امتحان صدام مشابه لتجربتي حوادث مار مخايل ـــــ الشياح في كانون الثاني الماضي وحوادث بيروت الشهر المنصرم.
4 ــــ يرتبط توجّه الاهتمام إلى حقيبة الدفاع بأمرين متلازمين: أولهما تعيين قائد جديد للجيش يرضي المعارضة التي وجّهت في أوقات متفاوتة في الفترة الأخيرة رسائل صريحة إلى المعنيين حدّدت مواصفات القائد الجديد للجيش. وبحسب كلام منسوب إلى مرجع كبير، فإن اختيار قائد للجيش لا يحظى بموافقة قطبي المعارضة ـــــ وتحديداً الفريق الشيعي ـــــ سيصّعب إمرار قرار التعيين في مجلس الوزراء.
الأمر نفسه يتصل بالموقف من تعيين مدير جديد للاستخبارات في مرحلة لاحقة لتعيين قائد جديد، يحظى بالمواصفات نفسها التي تريد المعارضة من خلالها أن تتيقن، بل أن تجزم بأنها لا تريد امتحان علاقتها بمدير للاستخبارات يعرّضها لمفاجآت. وعلى غرار أسماء متداولة على نطاق ضيّق عن القائد المرشّح، يبدو العقيد جوزف نجيم، رئيس فرع استخبارات جبل لبنان، أبرز الأسماء المحتملة للمديرية. رغم اقتراح اسم آخر هو العقيد أنطوان أبو سمرا، علماً بأن مدير الاستخبارات يعيّن بقرار من وزير الدفاع بناءً على اقتراح قائد الجيش وموافقة المجلس العسكري، الأمر الذي يحمل المعارضة على البحث عن الوزير والقائد الملائمين في تقديرها.