غسان سعوديتناقل البيارتة خبراً يقول إن أحد وجهاء المدينة نقل إلى الرئيس الحريري وصيّة الرئيس سلام لتوطيد أيّة زعامة في العاصمة، مفادها أن لكل زعامة أساسين، هما مفتي العاصمة ورئيس بلديتها. الأول لقدراته التأثيرية على غالبية البيارتة، والآخر كموقع خدماتي أهم بكثير من النيابة والوزارات. ومن قول سلام ينتقل أحد بيارتة المعارضة ليشرح أن تيار المستقبل انحنى لعاصفة عرف أنها لن تقتلعه من جذوره، وكان وسط نار تلتهم أطرافه متأكداً من أنه يملك المفتاحين الأساسيين (إضافة إلى المال طبعاً) لترميم ما تهرهر. وها هو الحريري اليوم يدرك نقاط القوة والضعف في تياره، ويعرف من اختفى، ومن اعتكف، ومن خان، ومن كان على قدر المسؤوليّة. وهو أمر قد يكون ضرورياً في غمرة التقارير التي كانت تصله عن مبالغ خيالية تصرف على «التجهيزات الأمنيّة». ويتوقع المسؤول المعارض أن يكون تيار المستقبل، بعد تعريته من الأوراق اليابسة ومن الطفيليات، وتركيز الحريري على إعادة تأسيسه، أفضل تنظيمياً مما كان في المرحلة السابقة، لتكون المعارضة بذلك قد فوّتت على نفسها فرصة لن تتكرر. وتتوزع اتهامات المراقبين البيارتة بالمسؤولية عن إضاعة هذه الفرصة في اتجاهين: الأول، صوب المعارضة البيروتيّة نفسها التي حصلت خلال العامين الماضين على دعم مالي ومعنوي منقطع النظير، لكنها لم تستطع تسجيل خرق كبير أسوة بمعارضة البقاع الغربي أو طرابلس أو المنية، ولم تستطع الاجتماع ولو في لقاء واحد ذي وجه سنّي قادر على بدء رحلة الألف ميل في مقارعة تيار المستقبل على زعامة الطائفة السنّية في بيروت، إذ إن الرئيس سليم الحص أخرج نفسه باكراً من هذا التحدي، والرئيس عمر كرامي سيّج زعامته ضمن مدينة طرابلس وحدها، أما النائب أسامة سعد فيفضّل الزعامة القوميّة العربيّة على الزعامة السنّية، مع العلم أن جزءاً أساسياً من المشكلة، على ما يقول أحد المتابعين، يكمن في خشية وجهاء المعارضة السنّية على مصالحهم مع السعوديّة، إضافة إلى الغيرة والتباينات الكبيرة بين هؤلاء. وهكذا تُركت المدينة سنّياً لأهلها، مع العلم أن المعارضين من أبناء كبريات العائلات البيروتيّة تنقلوا من لقاء إلى آخر خلال العامين الماضيين، لكن حركتهم الباردة بقيت دون بركة، وبعض هؤلاء، يقول مراقب آخر، لم يستطع إقناع أقرب الناس إليه بمواقفه السياسيّة.
أما الاتجاه الثاني للاتهامات فيشير صوب الثنائيّة الشيعيّة ــــ المسيحيّة في قيادة المعارضة، والتي لم تتخذ قراراً جدّياً بإضعاف تيار المستقبل أو محاربته بسلاحه، ولم تسعَ جدّياً إلى تعزيز فرص الشراكة السنّية معها في التأسيس للتغيير، وظل العماد ميشال عون وبعده السيّد نصر الله يرددان أن السيبة اللبنانية تقف على ثلاثة أعمدة، السنّي بينها هو تيار المستقبل. وهذا ما ترجم بوضوح في اتفاق الدوحة، الذي شرّع عملياً حفاظ المستقبل على تمثيله كاملاً للطائفة السنّية، دون أخذ ظروف المعارضة السنّية ومقتضياتها في الاعتبار.