عون يتّهم السنيورة بالخروج عن أصول التأليف ويبحث التشكيلة الحكوميّة مع حسن خليلبالتوازي مع متابعة الموضوع الحكومي المتعثر لأسباب تتعلق بتوزيع الحقائب، انشغلت الأوساط السياسية بتداعيات الحوادث الأمنية الأخيرة في البقاع الأوسط واستقراء نتائج زيارة وزيرة الخارجية الأميركية إلى بيروت
بدا أن الوضع الحكومي دخل مرحلة استرخاء بعد زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس الخاطفة إلى بيروت، أول من أمس، وتحوّل اهتمام الموالاة إلى قضيتي مزارع شبعا وتحرير الأسرى اللبنانيين من السجون الإسرائيلية اللتين طرحهما أركان الأكثرية خلال لقائهم رايس في قريطم، وذلك «لنزع كل الذرائع» وعدم الاستمرار في «متاهات ما يسمى المقاومة»، على ما قال وزير الشباب والرياضة الدكتور أحمد فتفت الذي أعرب عن تشاؤمه بالنسبة إلى ولادة الحكومة قريباً.
ونقلت «وكالة الأنباء المركزية» عن مصادر بارزة في المعارضة قولها إن كلام الرئيس المكلّف فؤاد السنيورة عن ضرورة انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا هو لتجنّب ذكر المقاومة في البيان الوزاري، كأنه يقول إنه ليس هناك من حكومة في لبنان ستقوم قبل انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا. فما كان خافياً بالأمس أصبح جلياً وواضحاً اليوم».
من ناحيته، أكد رئيس كتلة «التغيير والإصلاح» النائب العماد ميشال عون بعد اجتماع عقده «التكتل» في الرابية «أن مصلحتنا تقتضي تأليف الحكومة بأسرع وقت ممكن»، متهماً الرئيس السنيورة بأنه «بدأ يخرج عن أصول تـأليف الحكومة، فهو يتعامل مع المعارضة على أنها واحدة، لكنها مجموعة كتل، ويجدر به احترام ذلك». وقال: «كيف يتكبّل رئيس الجمهورية؟ هذه تهمة، ويجب أن تكون مقرونة بشيء معين. فماذا يقصدون بتكبيل الدولة؟ لدى الرئيس مطالب متناقضة يحاول التوفيق بينها. نحن نصرّ على النيّات الطيبة والعلاقة الجيدة مع جميع الأفرقاء».
وأضاف: «تريدون دائماً تحميلي مسؤولية العرقلة، فليأخذ الرئيس اثنين مسيحيين ويعطنا اثنين مسلمين، فلدينا شيعة وسنّة يمكننا توزيرهم، ولكننا طرحنا هذا الموضوع كوسيلة للحل. أنا أقول إنني أريد وزارة، وطرحت سابقاً وزيراً مسلماً وآخر مسيحياً تابعين للرئيس. ما العيب في هذا الموضوع؟ ومن سيتدخل بحصة الرئيس إذا لم نتدخل؟ ألسنا نحن الذين سنؤلّف الحكومة؟».
وأصرّ على وجوب تعديل صلاحيات رئيس الحكومة، مشيراً إلى أنه «لا يجوز أن يكون له حق التنفيذ والمراقبة معاً، ولا يمكن أن يكون ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي أو المجلس التأديبي تحت سلطة رئيس الحكومة. إما أن يأخذ رئيس الحكومة دور التنفيذ أو دور المراقبة. كل هذه الإصلاحات يجب أن ننجزها في المجلس الوزاري الجديد. وإذا لم تنجز ستعلمون من هو المعطّل الذي لا يرغب في إزالة الفساد».
وأعلن أن التكتل «أعدّ مشروعاً لعقد جلسة نيابية لإقرار ما اتفق عليه في الدوحة بشأن الدوائر الانتخابية، وسيطلب من رئيس المجلس النيابي نبيه بري هذا الموضوع».
ووصف خطاب الوزيرة رايس بأنه «خطاب نوع من اللياقة الدبلوماسية بمجرد مجيئها»، لافتاً إلى أن «جمع تلاميذها مثلما جمعتهم هو تدخّل». وطالب عون «البطريرك الماروني نصر الله صفير بتوضيح ما قاله له الرئيس الأميركي جورج بوش في شأن توطين الفلسطينيين في لبنانواستقبل عون مساءً النائب علي حسن خليل، في حضور مسؤول العلاقات السياسية في «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وجرى عرض للتشكيلة الوزارية. وأوضح خليل أن «الأمر لا يزال قيد النقاش والمتابعة». وقال: «لدينا والعماد عون رؤية واحدة للمسألة، هناك بعض التفاصيل تحتاج إلى نقاش أكثر، ويجب أن ننظر إلى الأمر في سياقه الوطني الكبير»، لافتاً إلى أن «الموضوع يتعلق بالتشكيلة العامة للوزارة التي فيها 30 وزيراً»، ومشيرا إلى أن «النقاش المفتوح هو حول كيفية توزيع الحقائب».
من جهته، ردّ الرئيس نجيب ميقاتي على العماد عون مستغرباً حديثه عن صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، ومؤكدا أن «صلاحيات رئيس الحكومة ليست حالياً، ولن تكون مستقبلاً، موضع بحث أو إعادة نظر، لأن في مثل هذه الخطوة مساساً واضحاً بميثاق العيش المشترك الذي ارتضاه جميع اللبنانيين».
ورأى عضو التكتل الطرابلسي، النائب محمد كبارة، أنه لا يحق للعماد عون المس «بالصيغة الوطنية وبالبنود التي اتفق عليها جميع اللبنانيين في مؤتمر الطائف».

الخير سينتصر في النهاية

في غضون ذلك، تابع رئيس الجمهورية ميشال سليمان التطورات الأمنية التي حصلت في بلدتي سعدنايل وتعلبايا، وأجرى لهذه الغاية سلسلة اتصالات، وأعطى توجيهاته للأجهزة المعنية لمحاصرة الاشتباكات، وفرض الأمن والاستقرار في المنطقة. ودعا جميع القيادات اللبنانية إلى المحافظة على لبنان المتنوّع الذي يجتمع أبناؤه حول قيم الخير ضد الشر، «لأن الخير سينتصر في النهاية، وينتصر معه كل من لديه إرادة المصالحة على الذين يعملون للتشتت والتفرقة».
وأمل الرئيس سليمان، خلال استقباله مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني على رأس وفد كبير من دار الفتوى، أن تكون القمة الروحية التي دعا إلى عقدها الأسبوع المقبل في قصر بعبدا «مدخلاً إلى المصالحة الأوسع بين اللبنانيين، وإلى متابعة الحوار».
وكان المفتي قباني قد تحدث في مستهل اللقاء، مشيراً إلى أن انتخاب الرئيس سليمان هو دليل ثقة جميع اللبنانيين به. وبعد اللقاء، نوّه قباني بخطاب القسم، مركّزاً على قول الرئيس سليمان فيه «إن البندقية يجب أن تكون فقط باتجاه العدو، ولن نسمح بأن تكون لها وجهة أخرى».
ورداً على سؤال، وصف قباني الحوادث التي وقعت في البقاع، وقبلها في بيروت والجبل، بأنها «أعمال إرهابية»، مشيراً إلى أنه عندما تؤلّف الحكومة وتتكامل المؤسسات الدستورية تتولى مسؤولية البلاد وأمنها في أي ظرف كان».
واستقبل سليمان وفداً دبلوماسياً ضم سفراء الدول الأوروبية المعتمدين في لبنان الذين نقلوا إليه تهنئة رؤساء دولهم بانتخابه، فيما تابع مستشاره السياسي النائب السابق ناظم الخوري جولاته على القيادات الروحية لدعوتها إلى القمة الروحية في قصر بعبدا. والتقى لهذه الغاية البطريرك الماروني نصر الله صفير، وبطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس أغناطيوس الرابع هزيم، اللذين رحّبا بالدعوة.

السنيورة يتابع مؤتمر «المانحة»كذلك عرض السنيورة، في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، الأوضاع في لبنان، ومسار الخطوات لتنفيذ اتفاق الدوحة.
واستقبل السفير السعودي، عبد العزيز خوجة، الذي أوضح أن سبب اللقاء هو التباحث في موضوع مؤتمر الدول المانحة، وقال: «اللقاء كان ممتازاً، وناقشنا الكثير من المواضيع غير موضوع تأليف الحكومة، لكننا اطمأننّا إلى أن الأمور تسير والمحادثات مستمرة بين الجهات»، مؤكداً أنه لم يتدخّل في تفاصيل العراقيل التي تعترض تأليف الحكومة، مشيراً إلى أنها «حسابات داخلية لا أفهم فيها».
وبعد لقائه رئيس حزب الكتائب أمين الجميل، رأى خوجة أن موضوع الحكومة أمر داخلي معقّد، ولا يستطيع حلّه سوى اللبنانيين بعضهم مع بعض، معرباً عن ثقته بأنهم سيتفقون على حل في وقت قريب جداً.
ورداً على سؤال قال: «نحن منفتحون على الجميع، ونتحاور ونتناقش معهم لكوننا الأخ الكبير»، مشيراً إلى أن «ضميرنا مرتاح تمام الارتياح».
من جهته، اتهم الجميل المعارضة بتعطيل تأليف الحكومة، متوقعاً المزيد من الحوادث الأمنية إذا لم تؤلّف الحكومة.
والوضع الأمني في منطقتي سعدنايل وتعلبايا كان محور اهتمام رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري، الذي أجرى سلسلة اتصالات ركّز فيها، بحسب بيان لمكتبه الإعلامي، على «ضرورة تضافر الجهود لوضع حد لما يجري في هذه المنطقة، ومنع تكرار الحوادث». وشدد على «وجوب رفع الغطاء عن أي طرف يبادر إلى إطلاق النار أو يسبّب أي خلل أمني، والإصرار على أن يتولى الجيش والقوى الأمنية الرد على مصادر النيران وإسكاتها وملاحقة مفتعليها». وأعلن الحريري «دعمه للجهود المبذولة لتبديد أجواء الاحتقان.

روايتان مختلفتان لحوادث البقاع

وفي وقت لاحق، أصدر تيار «المستقبل» بياناً قال فيه إن الاشتباكات اندلعت في البقاع الأوسط «عندما انكشفت لقوة من الجيش في تعلبايا عملية تفريغ أسلحة من شاحنة إلى مقر مسؤول «حزب الله» في البلدة الشيخ عبد الجليل حشيمي»، متهماً عناصر الحزب بإطلاق النار بكثافة وفي كل الاتجاهات من الرشاشات والهاونات وقذائف «ب10» و «ب7» «للتغطية على عملية التسلّح (...). وفور انكشاف عملية تفريغ الأسلحة، أطلقت ميليشيا «حزب الله» نيران مدفعية كانت قد ركّزتها منذ فترة في نقاط ثابتة في التلال المشرفة على سعدنايل، وتحديداً في قريتي التويتي وقمل لصرف نظر الجيش اللبناني واهتمامه عن وصول الأسلحة إلى «حزب الله» في تعلبايا».
في المقابل، عرض بيان مشترك لقيادتي حركة «أمل» و«حزب الله» رواية مختلفة للحوادث وجاء فيه: فيما «كانت تدور مساع حثيثة وجدّية برعاية الجيش اللبناني لجمع رؤساء بلديات ومخاتير وفاعليات ووجهاء منطقة البقاع الأوسط لتضميد جراح الحوادث التي حصلت في منطقة سعدنايل وتعلبايا، وفيما كانت تتنادى قيادات المنطقة ورجال الدين فيها لإتمام المصالحات، وفيما كان يجري اجتماع، بحضور قيادتي «أمل» و«حزب الله» تمهيداً للمصالحة، فوجئ الجميع والمواطنون برمايات مشبوهة في كل الاتجاهات»، معتبراً «أن الهدف مما حصل، كان وقف جهود المصالحة والوئام بين المواطنين في هذه المنطقة الحساسة».
وشدد البيان على «ضرورة الرد على هذه الفتنة بإكمال المساعي التي كانت قد بلغت ذروتها عصر أمس، من أجل إتمام المصالحات».
وتعليقاً على هذه الحوادث، قال مفتي زحلة والبقاع الشيخ خليل الميس: «إسرائيل ليست في البقاع، والهجوم على سعدنايل ليس دفاعاً عن لبنان». ودعا الجيش لوضع حد لما يجري ولموضوع السلاح الثقيل في المنطقة.
وهذه الحوادث حضرت في لقاء «الكتلة الشعبية»، برئاسة النائب إيلي سكاف، مع حزب الطاشناق في مقر الأخير، كما تطرق البحث إلى الملف الحكومي. ودعا سكاف بعد اللقاء إلى حسم موضوع المشاكل الأمنية التي تحصل في تعلبايا وسعدنايل.
ووسط هذه الأجواء، عقد في مدينة صور لقاء علمائي بدعوة من «لقاء علماء صور» وتجمّع العلماء المسلمين، وصدر بيان عن المجتمعين أكد «وحدة المسلمين في لبنان، وأن الإشكالات التي تحصل إنما هي خلافات سياسية بين فريقين يضمان بين صفوفهما قيادات وعناصر من الطوائف والمذاهب كافة»، مديناً «التدخل السافر للإدارة الأميركية في الشأن اللبناني الداخلي».
كذلك دانت لجنة المتابعة لأحزاب المعارضة زيارة رايس، مشيرة إلى أن التصريحات التي أطلقتها «تعبّر عن الأسباب الحقيقية للزيارة، والتي تتعدى تهنئة العماد ميشال سليمان على انتخابه رئيساً للجمهورية والدعوة إلى الإسراع في تأليف حكومة الوحدة الوطنية، إلى عناوين أخرى ترتبط بمدى استعداد لبنان لتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، ومحاولة فصل لبنان وعزله عن عمقه سوريا».


«اللقاء المسيحي الوطني» في 4 تموز

عقد مساء أمس في دارة رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون الاجتماع التحضيري لإطلاق «مشروع اللقاء المسيحي الوطني»، وضم إلى العماد عون كلاً من رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، ورئيس الكتلة الشعبية النائب إيلي سكاف والأمين العام لحزب الطاشناق هوفيك مختاريان، ورئيس حزب الكتائب السابق كريم بقرادوني. وبعد الاجتماع، تلا بقرادوني بياناً أشار إلى «الاستشارات المسيحية الوطنية التي تمت في أواخر شهر تشرين الثاني 2007» والتي صدرت إثرها «وثيقة الطروحات المسيحية»، موضحاً أن هذا الاجتماع هو لاستكمال «المشاورات والمساعي التي تمت منذ ذلك الحين بغية توحيد الصف والجهود وتركيز فكر سياسي ونهج مسيحي وطني استنهاضي». ودعا المجتمعون إلى إطلاق مشروع «اللقاء المسيحي الوطني»، على أن تعقد جلسته التأسيسية بتاريخ 4 تموز 2008 الساعة السادسة مساءً في أوتيل «رويال»، وكلّفوا اللجنة التحضيرية القائمة إجراء الاتصالات اللازمة لدعوة كل الأحزاب والفاعليات والشخصيات السياسية والاقتصادية والنقابية إلى اللقاء المنشود.
وأكد البيان «أن الهدف كان وسيبقى، تجميع المسيحيين في سياسة وطنية توحيدية جامعة تحافظ على الصيغة والميثاق والعيش المشترك، وتحفظ للمسيحيين دورهم الرائد ووجودهم الفاعل في وطنهم لبنان من ضمن تفاعلهم في محيطهم وانفتاحهم على العالم».