الاشتباكات تتمدّد بالسلاح الثقيل والأجهزة «تراقب» عن بعدعفيف دياب

بعد جولة الأسبوع الماضي، تجددت الاشتباكات في البلدتين، تحت نظر الأجهزة والقوى الأمنية الرسمية، التي اكتفت بالمراقبة من بعيد. وأودت هذه الاشتباكات بحياة 3 مواطنين عرضاً في سعدنايل وبرالياس فيما جرح 4 آخرين. وكالعادة، انطلقت موجة من «المواقف» السياسية والاتهامات والاتهامات المضادة، وصولاً إلى اتهام سوريا بالدخول مباشرة على خط الاشتباكات تمهيداً لإعادة قواتها العسكرية إلى لبنان، حسب ما قال النائب في كتلة المستقبل أحمد فتوح لـ«الأخبار». وإذ رأى أن الاشتباكات تدخل أيضاً ضمن السياق العام للخلاف السياسي في البلاد حول تأليف الحكومة، أوضح أن ما يجري في سعدنايل وتعلبايا هو لعرقلة الحل السياسي، وأن استخدام أحد الأطراف سلاحه لفرض الهيمنة السياسية على الأغلبية النيابية ليس إلا دليلاً واضحاً على عرقلة كل مساعي تحقيق الحل في لبنان». وأضاف «توجد مشكلة أمنية في البقاع، وهي ارتدادات لإخفاق فريق سياسي لبناني مرتبط بالخارج في فرض شروطه، مما اضطره إلى استخدام سلاحه مرة أخرى في سعدنايل وتعلبايا».
اتهام فتوح لقوى المعارضة، وفي مقدّمهم حزب الله وحركة أمل، استدعى رداً مشتركاً من الفريقين الأخيرين أدليا فيه بروايتهما لما جرى ميدانياً في البقاع الأوسط، ليل أول من أمس وفجر أمس، فاتّهما تيار المستقبل بالوقوف وراء إفشال مساعي الحل وتحقيق المصالحة الأهلية بين أبناء البلدتين التي كان مقرراً لها أن تعقد يوم غد الخميس بعد نجاح الاتصالات السياسية والأمنية في تطويق ذيول اشتباكات الأسبوع الماضي. هذا الكلام ردّ عليه نائب المستقبل جمال الجراح، مشيراً إلى أن هناك «تعهدات قدمت لنا خلال المفاوضات بسحب السلاح الثقيل من المرتفعات المشرفة على سعدنايل وتعلبايا، وانتشار الجيش اللبناني في تلك المناطق وسحب المسلّحين من المرتفعات والأحياء الداخلية، ولكن فوجئنا مساء (أول من) أمس بإخلاء بعض الأبنية من سكانها في تعلبايا ودخول مسلّحين إليها بدأوا بإطلاق الرصاص على السكان الآمنين في تعلبايا وسعدنايل». ورأى أن ردّ مناصرين لتيار المستقبل على مصادر النيران مجرد «دفاع عن النفس».
الدفاع عن النفس يؤكده أيضاً نائب رئيس بلدية سعدنايل زياد الحمصي. ويقول لـ«الأخبار» إن «أهالي سعدنايل مستعدون لتسليم أي شخص بادر إلى إطلاق رصاصة واحدة على أهلنا في تعلبايا»، رافضاً تحميل أي طرف مسؤولية ما جرى، «ولكن يحق لنا أن نسأل عن أسباب استخدام السلاح الثقيل في الاشتباكات من جانب أحد الأطراف. فنحن كنا قد اتفقنا على عقد لقاء مصالحة وسحب كل المسلحين والسلاح الثقيل من الميدان. وللأسف، جاء من أشعل الاشتباكات لإفشال الحل والمصالحة التي نعود ونشدد على تحقيقهما اليوم قبل الغد».
أوساط حركة أمل وحزب الله في تعلبايا لا تخفي قلقها وهواجسها من سعي البعض لإفشال الحل والمصالحة بين أهالي البلدتين، ووضع حد نهائي لمشهد الاشتباكات العسكرية المتكررة. ويقول أحد القادة المحليين في حركة أمل إن «إعلام تيار المستقبل تحدث بوضوح عن دور أنصار التيار في افتعال الاشتباك المسلّح الهادف إلى إفشال كل مساعي الحل والتوافق والمصالحة التي كانت ستتحقق. ونحن نعود ونجدد دعوتنا إلى الحوار وإكمال مشروع المصالحة».
الاتهامات المتبادلة بين المستقبل وأمل وحزب الله بشأن «البادئ» بإطلاق الرصاص على «المصالحة» يجدها النائب السابق محمود أبو حمدان مخالفة للواقع. ويقول إن «طرفاً ثالثاً» دخل على الخط وأشعل الفتيل بين الطرفين لإذكاء نار الفتنة وإحباط كل مساعي المصالحة التي «نصرّ على تحقيقها سريعاً»، كاشفاً أنه أجرى اتصالات مع قوى في الموالاة والمعارضة، ومع شخصيات محلّية في سعدنايل وتعلبايا، وأن هذه الاتصالات أثمرت وقفاً للاشتباكات بالتنسيق مع الجيش.
وفي مقابل الكلام السياسي الذي أسهم إلى حد ما في تعطيل دور الجيش في ضبط الأمن، وفق قراءة بعض الأوساط الحزبية، فإن إجراءات الجيش بقيت ميدانياً أيضاً قاصرة عن تنفيذ ما تحدث به من قمع لكل المظاهر المسلّحة إثر حوادث بيروت والجبل أوائل أيار الماضي. فوحداته اكتفت، ليل أول من أمس وأمس، بتنفيذ دوريات مؤللة على الطريق الدولية من شتوره إلى سعدنايل مروراً بجلالا، دون الإقدام على خطوة عسكرية تكون كفيلة تحقيق الطمأنينة في نفوس الأهالي، ولا سيما أن سحب الجيش بعض قواته من مناطق الاشتباكات أسهم إلى حد في امتدادها أكثر من 6 ساعات، مما تسبب موجات تهجير لعدد من عائلات البلدتين نحو قرى أكثر أمناً، إضافة إلى تمدد رقعة الظهور المسلح من خطوط التماس التقليدية بين البلدتين وداخلهما، إلى قرى مجاورة كالمرج وبرالياس ومجدل عنجر والفاعور. وقد أودى إطلاق الرصاص العشوائي بحياة المواطن حسين الطقش بعد اصطدام سيارته بحائط عند مفترق بلدة المرج، والمواطنة المدرّسة سميرة شكر مظلوم على شرفة منزلها، عدا عن مقتل بسام غازي في أطراف سعدنايل الشرقية جرّاء تعرّض سيارته لإطلاق رصاص عن طريق الخطأ.


جيوب التوتر

هل تتحول سعدنايل وتعلبايا في البقاع إلى نسخة عن جبل محسن وباب التبانة؟ تكرار مشهد الاشتباكات بين أبناء البيئة الاجتماعية الواحدة، شكلاً ومضموناً، منذ عام 2005 بالسلاح الأبيض، ولاحقاً بمختلف أنواع الأسلحة النارية، أسبغ مشروعية على أوجه الشبه بين ما كان يجري، ويحدث حالياً، من حوادث أمنية ــــ أهلية متكررة في جبل محسن ــــ باب التبانة، وفي سعدنايل ــــ تعلبايا. إذ تتخوف أوساط بقاعية من تحويل المنطقة إلى نقطة توتر دائم وصندوقة بريد لتوجيه الرسائل السياسية عبر الرصاص والقذائف الصاروخية في الاتجاهات كلها. كما تتخوف من انتقال هذا النموذج إلى زحلة ــــ حزرتا، حيث حذرت الكتلة الشعبية في بيان لها «بعض المسيحيين الساعين إلى جر مناطقهم وقراهم إلى مشكلات متعمدة».