عمر نشّابةغابت المديرية العامة للأمن العام عن الأضواء خلال اشتداد التوتر السياسي الاخير. لكن بقيت المؤسسة، بحسب بعض وسائل الاعلام، «محسوبة» على المعارضة تارة وعلى طائفة معيّنة تارة أخرى، وذلك بسبب انتماء مديرها العام لتلك الطائفة. لكن المفارقة أن اللواء وفيق جزيني كان مدير مكتب قائد الجيش العماد سليمان الذي انتخب رئيساً للجمهورية بتوافق وثقة الأكثرية النيابية. على أي حال، لا بدّ من قراءة في وضع المؤسسة وطريقة تعامل مجلس الوزراء معها عبر دراسة مجموعة نقاط أبرزها الإهمال والانقسامات.

الإهمال الحكومي

يعبّر عدد من ضباط الأمن العام الذين قابلتهم «الأخبار» عن اعتقادهم بأن الحكومة عملت على تقوية جهاز أمني وإهمال جهاز آخر، بينما كان بوسع الجهاز المهمل، لو حظي بالاهتمام نفسه، المساهمة الفعالة في حماية المواطنين والسياسيين والإعلاميين من الاغتيالات.
«نشّف الحبر» من كثرة الطلبات المرسلة من المديرية العامة للأمن العام الى وزارة الداخلية طلباً للاهتمام بتطوير الكفاءات والتجهيز المناسب، يقول مسؤول رفيع في المؤسسة «لا يمكن أن تعمل المديرية بفاعلية إذا لم يوفّر لها الدعم اللازم».
غاب هذا الدعم حتى في حدّه الأدنى، فلم تؤمّن المخصصات المالية لشراء سيارة إسعاف مثلاً وبقيت المديرية بدونها بينما الاجهزة الاخرى المعنية بالأمن مجهّزة بإسعافات. أما بالنسبة لخدمة المواطنين فيذكر أنه خلال عام 2006 نفد مخزون المواد البلاستيكية التي تستخدم لتجليد الصفحة الأساسية في جوازات السفر لكن لم توفّر وزارة الداخلية الأموال لشرائها بل اضطرّت المديرية العامة للأمن العام إلى التقدم بطلبات من الهيئة العليا للإغاثة لسدّ النقص بالمواد لخدمة المواطنين.
وبينما حظيت أجهزة معنية بالأمن خلال السنوات الثلاث الماضية بمئات الآليات، لم يحصل الأمن العام على أية آلية. أما مشروع الأرشفة الالكترونية فهو مجمّد رغم رصد الاعتمادات والمناقصة العمومية.
هبات قليلة ومحدودة جداً كانت قد قدّمتها دول غربية للأمن العام ومنها تجهيزات لمختبر للتدقيق في الوثائق وكشف التزوير في مطار بيروت الدولي وبعض التجهيزات للمعابر من ألمانيا، وذلك بعد جولة البعثة الألمانية على المعابر الحدودية عام 2006.

انقسامات بين المؤسّسات

«إن المحاصصة الطائفية والمذهبية والسياسية للأجهزة الأمنية لا توفّر التركيبة المناسبة للحفاظ على الأمن وخدمة المواطنين» يردّد مسؤول رفيع في الأمن العام. فالتوافق والتنسيق بين الاجهزة لا توفرهما المحاصصة بل الثقة المتبادلة. وفي أواخر عام 2005 كان قد طرح إنشاء غرفة عمليات مشتركة لجميع الأجهزة وربطها مع أجهزة أمنية غربية، لكن بدل تعديل هذا الطرح لاعتراض البعض على ربط الأجهزة بجهات غربية، أهمل بأكمله. وتبعت ذلك محطات عديدة أشارت الى الهوّة التي توسّعت شيئاً فشيئاً بين الاجهزة الامنية.
ولا شكّ في أن اعتقال المدير العام للأمن العام اللواء الركن جميل السيد والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء علي الحاج ومدير الاستخبارات في الجيش العميد ريمون عازار وقائد الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان لاتهامهم بالضلوع في جريمة اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري منذ ثلاثة سنوات ونصف، كان له أثر سلبي على عمل الاجهزة المعنية بالامن وعلى معنويات ضباطها، إذ إن عدداً منهم لا يمكنهم اعتبار توقيف الضباط مبرّراً قبل إظهار الأدلة القضائية التي تثبت تورّطهم بالجريمة. لكن القضاء لم يعرض الأدلة بل فضّل تجاوز المعايير القانونية الدولية من خلال سجن أشخاص لسنوات قبل إحالتهم الى المحكمة.
لكن المشكلة الأكبر في ما يخصّ علاقة الأمن العام بالتجاذبات السياسية وقعت يوم 19 أيلول 2006، حين أصدر وزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت قراراً قضى بتنفيذ ربط إلكتروني بين إدارات وزارة الداخلية وأجهزتها. ولاقى القرار معارضة كبيرة «لكونه يعطي فرع المعلومات في قوى الأمن حق الاطلاع على كل المعلومات والوثائق واللوائح المتصلة بدوائر: الجوازات والأجانب وحركة الدخول والخروج على المعابر البرية والبحرية والجوية ونزلاء الفنادق التي يجمعها عادةً الأمن العام، إضافة الى لوائح الأحوال الشخصية، ودائرة الميكانيك والسير للآليات والمركبات، ودائرة النشرة في قوى الأمن». بعد يومين، جمّدت السلطة السياسية تنفيذ القرار بسبب المعارضة التي واجهته لاعتباره أتى بناءً على طلب خارجي. وبعد ثلاثة أيام، أصدر فتفت قراراً قضى بوضع المدير العام للأمن العام اللواء وفيق جزيني بالاستيداع عشرين يوماً، لرفضه التزام القرار 2403 ومخالفته قرار وزير الوصاية، وتسريبه معلومات الى الصحف.
لم يلتزم جزيني القرار الأخير، وقبل نهاية أيلول كانت مفاعيل القرار 2403 قد أنهيت بالكامل عبر اجتماع أمني ترأسه رئيس الحكومة وقرّر فيه المجتمعون تعزيز تبادل المعلومات في ما بين جميع الأجهزة الأمنية، لا بين مديريات وزارة الداخلية فقط، على ألا تكون المعلومات متوافرة للأجهزة من خلال شبكة الكترونية. وبقي ذلك أيضاً، الى حدّ كبير، «حبراً على ورق».
لكن اللافت أنه بعد الخلاف الذي حصل بين المدير العام للأمن العام ووزير الداخلية بالوكالة، صودف تركيز التفتيش المركزي على الامن العام وتعدّدت زيارات المفتشين لمراكزه. رحّبت المديرية بالتفتيش وكرّرت أنها تخضع للقانون ولنظام المساءلة.