اتخذت إدارة الجامعة الأميركية في بيروت قراراً بمنع التدخين في حرم الجامعة إلا في أماكن محددة. ويأتي القرار، الذي ينهي من خلاله الرئيس الدكتور جون واتربوري ولايته، بعد سنوات على منع التدخين داخل المباني الجامعية. وقد تباينت ردّات الفعل الطلابية على القرار بين مرحّبة وشاجبة، فيما ووجه تطبيقه بانتقادات من بعض المسؤولين في الجامعة
ديما شريف

«أدركنا سلفاً أن الطلاب لن يتقيّدوا بسياسة عدم التدخين في الحرم الجامعي»، هكذا يبادر عميد الطلاب في الجامعة الأميركية في بيروت مارون كسرواني في الحديث عن القرار الذي اتخذته إدارة الجامعة نهاية الشهر الماضي بمنع التدخين، باستثناء أماكن محددة في الحرم الجامعي. فالقرار جاء في نهاية العام الدراسي، وتزامن تطبيقه مع بدء الامتحانات النهائية. لكن هذا لم يكن السبب الوحيد الذي دفع بالطلاب إلى تجاهل تطبيق القرار، فبعضهم لم يجد فيه أية أهمية نظراً إلى أنّ التدخين كان ممنوعاً سابقاً داخل المباني، وبالتالي فالتدخين في الخارج لن يؤثر على أحد، كما يقول أحد الطلاب.
فقد كانت الجامعة الأميركية في بيروت أول مؤسسة تعليمية عالية تمنع التدخين داخل مبانيها منذ عام 2000. وقد سمح آنذاك بالتدخين في الهواء الطلق بين المباني، وفي سكن الأساتذة والطلاب مع مراعاة عدم وضع الطالب الذي يدخّن في الغرفة نفسها مع غير المدخّن.
ومنذ ذلك التاريخ، استمر بعض المناهضين للتدخين بالتفكير في كيفية وضع خطة للتوصل إلى منع التدخين على كامل أراضي الجامعة. وفي أيار من العام الماضي، اجتمع عدد من الإداريين والأساتذة بطلب من العمداء ورئيس الجامعة الدكتور جون واتربوري بهدف إعداد برنامج صحي للجامعة يسعى إلى تحسين الوضع الصحي العام للطلاب والموظفين من إداريين وأساتذة وأجراء. وقد شارك في الاجتماعات اختصاصيون في الطب والصحة العامة والإدارة والخدمات. وتنوعت الاقتراحات التي قدمها المشاركون من تحسين أسلوب التغذية في الجامعة عبر تغيير ما يقدمه مطعمها من وجبات، إلى إنشاء برنامج مساعدة لتخفيف الضغط والتوتر.
واقترحت الدكتورة جودي مخّول من قسم الصحة العامة في أحد الاجتماعات منع التدخين في الجامعة كلها. ونقلت ما طرحته إلى الأعضاء في قسمها، فتطوّع عدد منهم لنشر الاقتراح. وما شجّع مخول حصول قسم الصحة العامة على منح لدراسة سياسات شركات التبغ في لبنان التي تملك أجندات مخفية وتهدف إلى فرض منتجاتها على الناس وتحويلهم إلى مدمنين.
وكانت نتيجة الحملة أن اتخذت الجامعة قراراً يقضي بمنع التدخين في باحاتها، إلا في بعض الأماكن، وذلك بدعم من الرئيس واتربوري وهو مدخن سابق.
وترى مخول أنّ القرار يحمل ثغرتين أساسيتين، هما: السماح بالتدخين في السكن الطلابي وفي الباحات. فبرأيها أنه يجب منع التدخين في الحرم الجامعي بكامله. إذ تتحدث مخول عن مضار التدخين اللاإرادي، أي تنشق غير المدخن للدخان. فالسكن الطلابي يعتمد على نظام تهوئة ينقل الهواء بين الغرف، ما يؤدي إلى ضرر على غير المدخنين. وكذلك الأمر بالنسبة إلى التدخين في باحات الجامعة إذ سيتأثر غير المدخنين بما يطلقه غيرهم من سموم.
هذا الرأي يؤيده عدد كبير من الطلاب، إذ وافقت نسبة كبيرة على ضرورة جعل الحرم الجامعي بأكمله «Smoke free» أو مكان خالٍ من التدخين، على أن يخرج المدخنون إلى الشارع ليدخّنوا. دينا، الطالبة في كلية الطب تستنكر السماح لأي كان بالتدخين داخل الجامعة، وطالبت بأن يعاقب طلاب الاختصاصات الطبية والصحية بشكل كبير إذا وجدوا يدخنون، لكونهم يعرفون أكثر من غيرهم مضار التدخين على المدخنين وغير المدخنين. لا يوافقها رواد رأيها المتطرف، فهو يرى أنه يمكن السماح بالتدخين في بعض الأماكن في الجامعة كما يحصل الآن، ولكن يجب التشدد في تطبيق العقوبات كي لا يخرق بعض «المشاغبين» القوانين كما يحصل الآن.
أما المدخنون فبعضهم أبدى احترامه لقرار الجامعة، وأكد باسم أنه لم يخرق القرار منذ صدوره وهو يدخن فقط في الأمكنة المخصصة لذلك، فيما اعترض طالب رفض ذكر اسمه على حجز الحرية الشخصية للطلاب وإجبارهم على التفتيش عن الأماكن المخصصة للتدخين، وأكد أنه خرق القرار مراراً، لأنه يدخن في الهواء الطلق الذي هو في الأصل ملوث.
هذا الخرق وجدت له الجامعة الحل عبر قرار صدر عن الرئيس واتربوري يعاقب اعتباراً من الثالث والعشرين من الشهر الجاري كل من وجد يدخن في غير الأماكن المخصصة لذلك، والقرار سارٍ على الطلاب والموظفين والأساتذة. وسيطلب من الحرس إحضار الطلاب المخالفين إلى عميد الطلاب الذي سيعمد إلى توجيه تنبيه شفهي إلى المخالف، وإذا تكرر الأمر يتحول التنبيه إلى إنذار خطي. ويقول العميد كسرواني إنّه سيطبق قانون فصل الطالب المخالف الذي ينال أكثر من ثلاثة إنذارات خطية. ويبرر كسرواني تمديد فترة السماح حتى ذلك التاريخ للبدء مع ألفي طالب في الفصل الدراسي الصيفي وهو أسهل من محاولة تطبيق القانون على سبعة آلاف طالب مباشرة في الفصل الدراسي العادي. وأوضح كسرواني أن هناك اتفاقاً مع مستشفى الجامعة لتقديم تسهيلات ومساعدة لمن يريد التوقف عن التدخين.
هذا الأمر يلقى اعتراضاً من عزمي عماد وهو مسؤول في برنامج الصحة الجامعي (Wellness Program) وإدارة الصحة البيئية والسلامة وإدارة المخاطر في الجامعة. فكلفة الاشتراك في برنامج الإقلاع عن التدخين هي 120دولاراً أميركياً يراها عزام مرتفعة. ويقترح في المقابل خفض كلفة الضمان الجامعي (HIP) لمن يريد الإقلاع عن التدخين وزيادتها للمدخنين. وانتقد عزام سياسة الدولة اللبنانية التي ترفع الضرائب على البنزين وتخفضها على التدخين، فيكلف التدخين الضمان الصحي اللبناني مبلغاً كبيراً سنوياً. واقترح تحديد مسافة لا يستطيع المدخنون تجاوزها قرب الأماكن المخصصة لذلك في الجامعة، مثلاً خمسة أمتار، لأنه رأى أن عدداً من الطلاب يقفون بعيداً من اللافتة ويفترضون أنهم يستطيعون التدخين لكونهم يرون اللافتة.
تعارض مخول بدورها برنامج المساعدة على التوقف عن التدخين لأنه يتطلب وقتاً طويلاً وفحوصاً عدة. وتقترح بالمقابل علاجاً جماعياً يقوم على جلسات استشارة، لا تتطلب وقتاً طويلاً ولا تكلف شيئاً. ورأت مخول أنه يجب على الجامعة أن تجد الأموال اللازمة لهذا الموضوع. وأوضحت أنّ هناك دراسة أعدّها باحثون من الجامعة توصّلت إلى أرقام مهمة ونتائج سيعلن عنها في بداية العام الدراسي الجديد، وتتفاءل مخول في تحسين وضع الجامعة لكون 12.7 في المئة فقط من طلاب الأميركية هم من المدخنين.
يبدأ الدكتور بيتر دورمان ولايته كرئيس للجامعة الأميركية قريباً، ويأمل المدافعون عن مبدأ «جامعة خالية من التدخين» أن يستطيعوا دفعه إلى تعديل القانون في بداية عهده لتحقيق هدفهم.