جان عزيزيعيش مسيحيّو الموالاة حالة رعب حقيقي، فيما يلبثون مترقّبين لآفاق العلاقة بين بعبدا والرابية. ويشرح هؤلاء أن احتمالات هذه العلاقة مفتوحة نظرياً على ثلاث فرضيات: الأولى، أن يقرّر رئيس الجمهورية عدم الدخول إطلاقاً وكلياً وفعلياً، في لعبة الاستحقاق النيابي المقبل. الثانية هي أن تخوض بعبدا هذا الاستحقاق، في شكل جزئي وشبه فردي أو رمزي، في بعض الدوائر التي يفرض واقعها على الرئيس ميشال سليمان فرضاً، أن يكون معنيّاً بها ترشيحاً وبالتالي نيابة. أما الفرضية الثالثة، فهي أن يشرع العهد الجديد حملة شاملة، على خلفيّة تأليف «كتلة الرئيس»، لتبدأ الرئاسة الأولى عهدها الفعلي في تشرين 2009، بعد عام ونصف من زمن الانتظار والانتقال. ويصارح أحد مسيحيي الموالاة، بأنه في معزل عن حقيقة نيّات القصر، وبعيداً عن حسابات الربح والخسارة للأطراف المعنيين بكل فرضية، يظل ثابتاً له ولزملائه، أن وقوف بعبدا على الحياد، كما دخولها الانتخابات رمزياً، سيؤدّيان إلى اكتساحهم من قبل عون وحلفائه. ولذلك، فإن الأمل الوحيد لفريق قريطم من المسيحيين، هو في إيصال العلاقة بين بعبدا والرابية إلى حال الصدام الكامل والصراع الشامل، بما قد يترجم موازين جديدة في الدوائر المسيحية، يمكن لفريق الموالاة الإفادة منها.
وتفيد معلومات الفريق المسيحي من 14 آذار، بأن سعيه إلى تحقيق هذا الهدف لا يبدو سهلاً حتى اللحظة، ذلك أن رأياً آخر معاكساً يواجهه في أوساط بعبدا، كما في بكركي، حيث يدأب أركان هذا الفريق على تسويق مشروعه. ويكشف هؤلاء أن الرأي الآخر يحاول إعطاء صورة واقعية للأمور، مفادها أن لا مصلحة إطلاقاً لبعبدا، ولا للرابية أيضاً وطبعاً، في الدخول في أي مواجهة سياسية أو انتخابية.
فمن الناحية السياسية، وبكل واقعية وموضوعية، يقول أصحاب الرأي المعاكس، إنه صحيح أن حساسية ما نشأت بين الجنرالين، يوم كان كلاهما مرشحاً لرئاسة الجمهورية. وصحيح أيضاً أن البعض حاول تسعير تلك الحساسية، والبعض الآخر حاول إطفاءها. وصحيح كذلك أن العمادين كانا في الفريق الذي سعى بصدق وعقلانية إلى وأدها نهائياً. لكن الأهم، أنه وبعدما أصبح ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، فإن منطق الأمور، ودينامية الحركة السياسية ضمن مؤسسات النظام اللبناني، سينقلان تلك الحساسية التنافسية من على محور بعبدا ـــــ الرابية، إلى محور الكرسي القائم على رأس مقر مجلس الوزراء، مع الكرسي الذي إلى يمينه. فعلى هذا المحور الجديد ستنشأ إشكاليات جدول أعمال جلسات الحكومة العتيدة، وعلى هذا المحور نفسه ستقوم توترات التعيينات والتشكيلات والصلاحيات، وخصوصاً في ظل أكثرية ـــــ ولو عادية ـــــ لمصلحة كرسي اليمين. وبالتالي، فما كان ممكناً نظرياً من رهانات حول صراع بعبدا ـــــ الرابية قبل 25 أيار، لم يعد ممكناً بعد هذا التاريخ.
أما من الناحية الانتخابية، فيقول أحد أصحاب الرأي المعاكس لمسيحيي الموالاة، وأحد العاملين على تسويقه، إنه لا مصلحة فعلية ولا جدوى عملية لأي تنافس انتخابي بين العماد الرئيس والعماد الزعيم.
ذلك أن ساحة تنافسهما المفترض انتخابياً محصورة بدوائر مسيحية قد لا تتعدى ثلاثاً أو أربعاً. وكل التقديرات لدى الطرفين تشير إلى أن نتيجة أي تنافس بينهما عليها ستكون مطابقة لنتيجة أي تفاهم بينهما فيها. بمعنى أنه إذا أُلّفت اللوائح في هذه الدوائر بشكل يراعي موقعي العمادين، تكون النتيجة هي نفسها لاحتمال قيام ثلاث لوائح في كل من هذه الدوائر.
يبقى عامل آخر، هو أن الائتلاف يخرج الرئاسة والزعامة المارونيتين بقوة أكبر تؤهّلهما لمواجهة الخيارات الحكومية لما بعد انتخابات 2009. فيما صراعهما سيحوّل الموقعين إلى لاعبين أكثر ضعفاً، ودائماً في مواجهة كرسي اليمين ومَن يمثّل.
كيف المدخل إلى مثل هذا التفاهم؟ يقول السياسي العامل على هذا الخط، إن الصيغة المُثلى لذلك هي في اعتماد ما بات معروفاً بجدول الوزارات الأساسية الست، بحيث تضاف حقيبتا العدل والاتصالات إلى السيادية الأربع، وتوزّع مثالثة، حقيبتان لكل من بعبدا والمعارضة والموالاة. وفي هذا السياق التزمت بعبدا بأن يكون شاغل الداخلية حائزاً مسبقاً على موافقة الرابية. بعدها تحيّد العدلية، كي لا تتحكم الموالاة بسلطة أمر واقع جديد عبر النيابات العامة، وكي لا تتلاعب بالانتخابات عبر نافذة رؤساء لجان القيد والفرز، بعد أن تكون قد أُخرجت من الانتخابات من باب الداخلية. وتحيّد كعكة الاتصالات، كي لا تضاف مليارات فسادها المحتمل، إلى مليارات البترودولار، الجاهزة لدى الموالاة، لملء صناديقها الانتخابية «زي ما هيي».
ما هي حظوظ هذا الرأي؟ كبيرة جداً، يقول السياسي نفسه، وخصوصاً في ظل اقتناع بعبدا والرابية بأن احتمالات صراعهما معدومة، وممنوعة. لأن أحلى الاحتمالين ليس... المرّ.