بري يضيق بـ«الضحك على الناس» والسنيورة يربط مصير تكليفه بصبر الأكثريّةانتقل السجال من مدة صلاحية التكليف بتأليف الحكومة، إلى هجوم متعدد الأطراف والأهداف على محاولة المس بصلاحيات رئيس الحكومة، إلى درجة طغت فيها عاصفة الردود والمواقف السياسية على أخبار المصالحة الأمنية في البقاع
من السرايا إلى عين التينة فقصر بعبدا، تعددت اللقاءات الرئاسية، ثنائياً، في حركة لم تظهر بركتها إلا في تصريحات يرشح منها أن الدخان الأبيض لن يبدد دخان الإشكالات الأسود، على الأقل في المدى المنظور. فرئيس مجلس النواب نبيه بري خرج بعد لقاء لخمسين دقيقة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، بأسف شديد وتوضيح، الأول أظهر من خلاله تشاؤماً في شأن الحكومة، بالقول إن تأليفها استمرار للانقسام اللبناني «كوسيلة جديدة لهذا الانقسام». فيما نسف بالتوضيح ما يسمى الوزارات السيادية، معتبراً أنه وهم لبناني «لعلّه اكتسب بعض الصحة قبل اتفاق الطائف»، أما بعد الطائف، وبعدما بات القرار داخل مجلس الوزراء، أصبح أي وزير حتى وزير الدولة «يتمتع داخل المجلس بالأهمية نفسها لأي وزير آخر، بما في ذلك رئيس الوزراء». ولفت إلى أن الموضوع نسبي بين دولة وأخرى، ورأى أن «الحقيبة السيادية الأساسية اليوم، هي تلك التي تسيطر على الجو والبر والبحر، وهي الاتصالات السلكية واللاسلكية».
وأعرب عن ضيقه مما يجري، سائلاً: «لماذا هذا الضحك على الناس؟ لماذا تسير العملية بهذا الشكل؟». وقال إن سليمان لو كان من أحد فريقي 8 أو 14 آذار «لما وصل إلى الرئاسة»، وإن «الرئيس التوافقي ليس «رئيس لا شيء»، بل هو أهم وأقوى رئيس، وبالتالي هو مجرد عن أي تربيح جميلة»، رافضاً أن «يمنّنه أحد أو يفرض عليه شيئاً». ورأى أن من حق المعارضة صيغة 13 ــــ 17، وأنها بقبولها 11 وزيراً، تكون أعطت حقيبتين لرئيس الجمهورية، بينما أعطته الموالاة حقيبة واحدة.
ورأى أن أهم ثلاث نقاط يمر بها لبنان الآن هي: الأمن، الغلاء وعامل إسرائيل، محذراً على صعيد الأول من أن موضوع الفتنة المتنقلة «من الممكن أن يتطور أكثر فأكثر»، سائلاً: «هل المطلوب أن ينتقل التشظّي الذي حصل في بعض البلدان المجاورة إلى لبنان»، وجزم بأن البلد لا يستطيع أن يتحمل هذا الأمر. كما وصف الغلاء بأنه أمر في غاية الخطورة. وفي الموضوع الثالث، لفت إلى أن إسرائيل «لا تزال تحاول بشتى الوسائل التدخل في لبنان، وعرقلة المسيرة اللبنانية». وشدد على أن مواجهة هذه النقاط الثلاث، تكون بالسياسة «عبر التعجيل في موضوع الحكومة، وعدم التوقف عند حسابات وفواصل وحروف وسيادة وغير سيادة»، معتبراً أن هناك «من يحاول ربح الانتخابات من خلال الحكومة، فليقلعوا عن هذه العملية. لا أحد يفكر في إضعاف أحد». وأردف: «لا يعتقدنّ أحد أن المجال الآن هو لإضعاف العماد ميشال عون أو غيره». ودعا إلى «محاولة تكتل حقيقية للوصول إلى حكومة بأسرع وقت ممكن»، معلناً استعداده «للانفتاح على كل الاقتراحات انطلاقاً من المبادئ التي ذكرتها، حتى نصل إلى حل، لأنه فعلاً عار كبير، بعد انتخاب الرئيس ميشال سليمان، أن نعود ونقول إننا بحاجة إلى مساعدة». وكرر، رداً على سؤال، أنه ليس مؤمناً بحقائب سيادية «من الأساس». وأوضح أن الاعتراض ليس على الحقيبتين الأمنيتين، وإنما على «محاولة تجاهل أناس أو محاولة إضعاف أناس من خلال الحكومة».
وأمل عدم الوصول إلى اعتذار الرئيس المكلّف بل «إلى تأليف حكومة». وإذ رفض «التهجّم على التيار الوطني الحر وعلى العماد عون»، رأى أن اقتراح الأخير في شأن صلاحيات رئيس الحكومة «ليس أوانه على الإطلاق، ويناقش لاحقاً»، مكرراً أن «أي موضوع في لبنان، حتى لو كانت منطلقاته صادقة، يحاول المس بالعيش المشترك أو باتفاق الطائف، ليس وقته الآن».

السنيورة: من الممكن حصول مفاجآتوشدد على ضرورة العودة إلى الهدوء، قائلاً إن «السلاح لا الاستقواء به مقبول ولا استعماله مقبول»، و«لا يستعمل على الإطلاق إلا في مواجهة العدو الإسرائيلي وليس في مكان آخر». وختم بالقول، رداً على سؤال: «علينا أن لا ننسى أننا في نظام ديموقراطي، والرئيس مكلّف حسب الدستور، يبقى يقوم بكل جهده إلى أن تقول الأكثرية إنها تريد أن تغيّر رأيها، الأكثرية صبرها طويل وأنا صبري أطول».

اقتراح عون مرفوض من معارضين وموالين

وكان اقتراح عون قد أثار موجة ردود فعل لم تقتصر على الموالاة. فمن نادي رؤساء الحكومة السابقين، رأى الرئيس عمر كرامي أنه كان مفاجئاً بسبب «الجو الطائفي والمذهبي المحتقن في البلد، مخالفته لاتفاق الطائف، والمس بصيغة العيش المشترك»، وكرر أن الطائف ليس مقدساً وفيه ثغر يجب تعديلها «ولكن ضمن الحفاظ على حقوق كل الطوائف وعلى التوازنات»، رافضاً «أن يعود رئيس مجلس الوزراء باش كاتب عند أحد». ودعا على صعيد آخر الرئيس المكلّف إلى تأليف الحكومة مع رئيس الجمهورية، «وأن يضع الجميع أمام الأمر الواقع، ولكن بالشيء المقبول والمعقول».
كذلك رأى الرئيس سليم الحص، باسم منبر الوحدة الوطنية، أن الحديث عن تعديل الصلاحيات «في غير محلّه، فهذه الصلاحيات هي نتاج عملية وفاقية شاقة تمت في الطائف، والإخلال بها قد يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها»، مستغرباً «التطرق إلى هذا الموضوع في وقت تواجه فيه البلاد تعقيدات شديدة، ونحن في غنى عن المزيد منها». ولم ير تفسيراً لاشتباكات البقاع «سوى أن هناك من له مصلحة في استمرار حال التوتر، ربما إرضاءً لجهات خارجية لا تريد الخير للبنان». وقال إن استمرار أزمة تأليف الحكومة «أضحى يثير الشبهات، ولعل الزيارة، أو بالأحرى الغارة التي قامت بها وزيرة خارجية أميركا السيدة كوندوليزا رايس للبنان كان لها علاقة بتصليب المواقف»، محذراً من توجّه لتأليف حكومة انتقالية يستبعد منها حزب الله.
وبعد لقائه رئيس الحكومة العراقي الأسبق أياد علاوي، الذي زار أيضاً مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، كرر الرئيس نجيب ميقاتي، رفضه للاقتراح، وقال إن عون «لا يريد المشاركة في الحكومة، ويريد أن يخوض المعركة الانتخابية في صفوف المعارضة، وهذا شأنه وقراره، وأحترم هذا القرار، على أن لا يؤثر ذلك على مجمل الوطن وعلى تركيبة لبنان وعلى ميثاق العيش المشترك». وبعدما لفت الرئيس رشيد الصلح إلى أن الطائف جعل من الوزراء جميعاً مشاركين في اتخاذ القرار وتقرير سياسة الدولة، قال: «لا يجوز تحميل مسؤولية العمل السياسي لرئيس الوزراء وحده، والطلب بإضعاف صلاحياته».
كما برزت حملة على عون من الموالاة وخصوصاً من تيار المستقبل، أبرزها من الوزير جان أوغاسبيان، الذي رأى بعد اجتماع مع السنيورة، أن الاقتراح فيه «الكثير من المغالطات» و«هدفه في النهاية تحويل الأنظار عن تأليف الحكومة وانطلاقة العهد الجديد وإثارة مواضيع جانبية تثير إشكاليات أو حساسيات لتطغى على تطبيق اتفاق الدوحة». ورأى النائب سمير الجسر أنه «اجتهاد دستوري في غير محلّه»، فيما وصفه النائب محمد الحجار بأنه «تصريح همايوني»، وأدرجه «في سياق حملة تشكيكية هجومية انفعالية انبرى إلى قيادتها الجنرال (...) وتتمحور حول منع تطبيق اتفاق الدوحة عبر وضع عراقيل متعددة، وكل مرة بتسمية وحجة مختلفتين». واختار النائب عزام دندشي عبارات قاسية ليعبّر عن «الأسف للدرك الخطير والمستغرب الذي أوصل العماد ميشال عون نفسه إليه بسبب التحالفات الكرتونية و«الدون كيشوتية» التي نسجها مع قوى الأمر الواقع في 8 آذار، فمنحها كل ما بقي له من رصيد سياسي، فيما خذلته وتخلّت عنه في ظروف حرجة جداً، وتركته وحيداً يطلق نيران غضبه يميناً ويساراً، لتخريب كل الاتفاقات والحلول».
واتهم رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع، بعد لقائه سفير الصين ليو زيمينغ، عون، بأنه «يرفع سقفه كل مرة، ويطرح طروحات لا أعلم كم هي مدروسة ويستفيد من ورائها سوريا وحزب الله». وهاجم لقاء مسيحيي المعارضة في الرابية، مقترحاً تسميته «تكتل جميل السيد ورستم غزالة». ورأى أن «إعطاء حقيبة المال لقوى 8 آذار يقضي في المقابل بإعطاء وزارة الخارجية لقوى 14 آذار»، وحصر الوزارات السيادية بـ: الداخلية والدفاع والخارجية والمال، قائلاً إن هذا التصنيف «هو عرف قائم منذ 15 عاماً». وقال على صعيد آخر: «حتى لو بقيت مزارع شبعا تحت الاحتلال يجب معالجة سلاح حزب الله»، مؤكداً قول رايس «إن هذه المرحلة مؤاتية حتى تضغط أميركا على كل الأطراف لتحقيق انسحاب إسرائيلي من مزارع شبعا».

عون: انطلقت من منطق إصلاحي لا طائفي

أما العماد عون، فقال رداً على سؤال لمحطة «أو تي في» إن من ردّ على طرحه «لم يميّز بين الإصلاح والصلاحية، فإذا كانت الصلاحية مسألة موقف، فالإصلاح مسألة جدوى وفاعلية، لذلك فإن القصد مجرد فصل التنفيذ عن الرقابة كمبدأ مسلّم به في أبسط قواعد الإدارة العامة». وأكد «أن خلفية هذا الطرح كانت مقاربة فاعلية الإدارة لا فدرالية الطوائف، والخطاب كان منطلقاً من منطق إصلاحي لا من منطق طائفي». وأبدى أسفه للردود التي صدرت، معتبراً «أن من المحزن أن يواجه أي اقتراح منطقي حديث بكلام عصبي رجعي». وختم بالقول: «أما للغيارى على المنطق الآخر، فإذا كان المطلوب الحرص على الصلاحية من دون التضحية بالإصلاح، فليفصلوا الدورين وليعطوا التنفيذ لسنّي والرقابة لسنّي».
وفي المواقف العامة للمعارضة، رأى النائب محمد رعد أن السنيورة «خرج عن العرف المعتمد في تأليف الحكومة، سواء لناحية توزيع وزراء الدولة أو الحقائب السيادية». وإذ تفهّم وفاء رئيس الجمهورية للنائب ميشال المر، أعرب عن خشيته من «أن يُستغل هذا الوفاء لصنع مشكلة بين آل المر ورئيس الجمهورية والنائب ميشال عون، وتلطّي الرئيس المكلّف وراء هذه المشكلة». وقال: «سمعنا أن رايس طلبت ضرورة التأخير في الحل بانتظار حدث ما، وللأسف البعض يصغي إليها».
كذلك تخوّف النائب نبيل نقولا من نتائج زيارة رايس، متسائلاً «عما إذا كانت الأيام القليلة المقبلة سوف تفصح عن المكنونات الحقيقية لهذه الزيارة المفاجئة». ورأى أن وصفها لحزب الله بـ«المنظمة الإرهابية» تدخّل سافر في شؤون لبنان «ومحاولة التفاف مسبقة وجديدة على الحكومة المقبلة لشق التوافق السياسي»، مطالباً بالاحتجاج الرسمي على هذا الكلام «ليصار بالتالي إلى تقديم اعتذار رسمي من اللبنانيين الوطنيين».
وأكد النائب أسامة سعد، بعد لقائه وفداً من حركة أمل، سعي المعارضة «مجتمعة الآن، من أجل تأليف حكومة المشاركة الوطنية في أسرع وقت ممكن»، وحرصها على تنفيذ كل بنود اتفاق الدوحة، مشيراً إلى أن أحد هذه البنود «هو وقف حملات التحريض السياسي والمذهبي». وقال: «إذا كان البعض يرى أن الحوادث المتنقلة يمكن أن تخدمه في مشروعه السياسي، وفي تحصيل مكاسب سياسية على مستوى التأليف، أعتقد أنه واهم».