نوربرت هيرشهورن*ما علاقة صناعة التبغ بالغذاء؟
أولاً، التبغ منتج زراعي ذو أهمية اقتصادية عظيمة لعدد من الدول التي تزرعه، بما فيها لبنان. ثانياً، لأسباب صحيّة أو مرضيّة، نحن ندخل الغذاء كما دخان التبغ إلى أجسادنا، وفي حين تكافح منظمة الصحة العالمية ضد أثر التبغ على الصحة العامة، تدافع منظمة الغذاء والزراعة عن التبغ كقضية زراعية. أخيراً وباعتبارهما محصولاً ومنتجاً استهلاكياً، هناك مناطق تداخل بين الغذاء والتبغ تشمل: استعمال المبيدات والفضلات، التعديلات الوراثية، الإضافات الكيماوية المنكّهة، سلامة المكونات، التعليمات الغذائية، الدعاية والتسويق، تصنيف المنتجات، الماركات التجارية العالمية، والقيود على التجارة.
تدير منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لجاناً تقنية مشتركة لوضع معايير وسياسات للغذاء. وتعتمد هذه اللجان بشكل كبير على نصائح خبراء خارجيين ومنظمات غير حكومية. وبما أن كل الدول الأعضاء تعد بتطبيق المعايير، يصبح لأي تغيير يطرأ على صناعتي التبغ والغذاء أثر مباشر وعالمي.
تتعقد القضية أكثر بما أن ثلاث شركات تبغ متعددة الجنسيات من أصل أهم أربع: «فيليب موريس»، «ار جي رينولدز» وشركة تبغ اليابان، هي أيضاً مالكة لمصانع تعليب الأغذية والمشروبات مثل «كرافت ـــ جينيرال فودز ونابيسكو».
في عام 2000 نشرت منظمة الصحة العالمية تقريراً مدهشاً: «استراتيجيات شركات التبغ لتقويض نشاطات مكافحة التبغ في منظمة الصحة العالمية». أظهر التقرير محاولات الشركات التأثير على سياسات المنظمة بطرق عدة: وضع خبرائها ومراقبيها سراً في لجان المنظمة الأساسية؛ استخدام منظمات غير حكومية مدعومة من صنّاع التبغ في العلاقات الرسمية مع منظمتي الصحة العالمية و«الفاو» للضغط من أجل اعتماد سياساتها؛ إعادة تزويد شركات التبغ بمعلومات داخلية من مشاورات منظمة الصحة؛ وتوظيف صحافيين أصدقاء لمهاجمة المنظمة وأي سياسة تحاول تقييد طريقة عمل الشركات.
أوصل ذلك التقرير إلى تقرير ثان يظهر محاولات شبيهة لمصانع التبغ للتأثير على سياسات الغذاء، التي طوّرتها المنظمتان وتحمل تأثيرات على صناعة التبغ.
التقرير الثاني، الذي كتبته أنا في عام 2002، أظهر كيف أن شركات التبغ حاولت التأثير على المقاييس والقواعد في ما يخص مبيدات محاصيل التبغ؛ والتوصيات الغذائية بشأن كمية السكر المستعملة يومياً؛ والسياسات بشأن الدهون الضارة المستخدمة في صناعة الغذاء؛ والمحاصيل المعدلة وراثياً (ذات الأهمية ليس فقط لصناعة الغذاء بل أيضاً لشركات التبغ التي تبحث في كيفية التلاعب بمستويات النيكوتين والمكونات الطبيعية الأخرى في ورقة التبغ).
المجموعات الفكريّة الليبرالية تعارض دورياً غالبية القيود الحكومية على البيئة؛ الطعام الذي نأكله، الهواء الذي نتنفسه، الماء الذي نشربه، والكيماويات التي تستخدمها المصانع؛ وحتى حق التدخين في أي مكان وأي وقت. وتدافع مصانع التبغ والغذاء بسخاء عن هذه المجموعات. على سبيل المثال كتب رئيس «مؤسسة واشنطن القانونية»، الممولة من شركات التبغ، في «نيويورك تايمز»: «يريد منظّرو شرطة الغذاء أن يملوا على الأميركيين ما يأكلونه ويشربونه. هؤلاء النشطاء المحترفون جزء من حركة حظر جديدة ومنظمة مكرسة لمراقبة القرارات الأساسية في حياتنا اليومية. ألا تفهم شرطة الغذاء أن حرية المستهلك هي في لب الديموقراطية الأميركية؟ كافيين «ستاربكس»، الهوت دوغ، البيرة، البطاطا في المتنزهات أو شطيرة اللحم المشوية في عطلة نهاية الأسبوع العائلية».
ليس معروفاً حتى الآن أي من آلاف سياسات الغذاء التي أصدرتها منظمة الصحة العالمية ومنظمة «الفاو» كانت بتأثير فعلي من صناعة التبغ. إلا أنه، بسبب التقريرين، تولي المنظمتان انتباهاً أكبر لهوية الخبراء الذين يزودونهما بالنصيحة التقنية وتدعوانهم للإعلان صراحة عن أي ارتباطات بمصالح تجارية.
«فيليب موريس» و«ار جي ار» لم تعودا تملكان أي مصالح غذائية. ليس مسموحاً لخبراء شركات التبغ عضوية لجان المنظمتين. لكن صناعة الغذاء لا تزال رادفاً مهمّاً للصحة العالمية، كما قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، غرو هارلم، أمام ممثلي الصناعات الغذائية في دافوس في كانون الثاني 2000:
للقطاع الخاص دور مهم يلعبه. فلا وكالة الأمم المتحدة ولا المنظمات غير الحكومية، ولا وزارة للصحة بالطبع، لديها الانتشار وقدرة التوزيع التي تملكها شركات الأغذية والمشروبات العملاقة المتعددة الجنسيات. جودة منتجاتها وميولها الترويجية وقيم توجهاتها نحو أسواق الدول النامية قد تمثّل فرقاً في صحة شعوب كاملة. حتى في العالم الذي تسود فيه قيم المساهمين، لشركات الغذاء والمشروبات مسؤولية المشاركة في الأرباح العالمية للصحة من خلال غذاء أفضل.
* دكتور وخبير في الصحة العامة