غسان سعودبين ذراعي يسوع الملك ذوق مصبح، يطمئن النائب أنطوان زهرا في منزله إلى أمنه، فتكاد تختفي الإجراءات الروتينيّة عند منزله الواقع على مرمى حجر من نهر الكلب بين المتن وكسروان. وفي مكتبه، في المنزل المليء بالتماثيل الأفريقية، يبدو النائب البتروني سريع البديهة، يعرف كيف يوجه بهدوء رسائل متفجرة عشية بدء القوات اللبنانيّة استعدادها للانتخابات النيابية.
يستهل زهرا الحديث بعتب على مقال تخطى عمره السنتين وفيه مقابلات مع أشخاص يتوقفون عند أخطاء هامشية، مردداً مقولة مؤسس الاتحاد السوفياتي فلاديمير لينين: «وحده من لا يعمل، لا يخطئ»، قبل أن يبدأ الكلام الانتخابي، جازماً أن آمال البعض ودعايتهم بأن عدد النواب في كتلة القوات لن يتجاوز الثلاثة ستخيب، مؤكداً أن حجم الكتلة سيراوح بين 10 و12 نائباً، وذلك بحسب حجم القوات ورقعة انتشارها وفق ما تدل استطلاعات الرأي التي تجريها شركات متخصصة لحساب القوّات كل أسبوعين.
ويقول زهرا إن قيادة القوات تطمئن عبر القراءة الهادئة لهذه الاستطلاعات إلى تفاعل المجتمع المسيحي إيجابياً مع أدائها وخطابها «الذي تميز بعدم الوقوع في الخطأ». وقد تكرس اطمئنان القواتيين على مستقبلهم السياسي منذ مؤتمر الحوار الوطني الذي بدا قائد القوات اللبنانيّة سمير جعجع فيه محاوراً أساسياً يعرف كيف يحضِّر ملفاته، ويحاور متمسكاً بالأصول والمبادئ، إضافة إلى شعور القواتيين بأن إعادة التموضع السياسي كانت موفقة على صعيد نقل القوّات اللبنانيّة إلى موقع سياسي متقدم.
على صعيد تنظيم القوات، يشرح زهرا أن المؤتمر القواتي العام الذي سيقر نظام الحزب الداخلي ويطلق الآلية الديموقراطيّة لانطلاقة الحزب ـــــ المؤسسة أرجئ ثلاث مرّات بسبب الأوضاع السياسيّة وضغط الأحداث من جهة، ومن جهة أخرى، بسبب شخصيّة جعجع الذي يشدد على أن يشارك مباشرة، وفي كل التفاصيل. مع العلم بأن لوائح القواتيين في المناطق والنقابات والجامعات والمدارس شبه مكتملة، وكل قواتي تقريباً بات يعرف ما له وما عليه. وعن الترشيحات، يقول زهرا إنهم يطمحون إلى إيصال قواتيين ملتزمين، لكنهم سيحترمون خصائص كل منطقة ويبنون تحالفات منفتحة تأخذ دور العائلات والزعامات المناطقيّة والتاريخيّة في الاعتبار، مشيراً إلى أن غالبية نواب القوات سيكونون من مناضلي هذا الحزب وخريجيه الجامعيين خلال الأعوام القليلة الماضية. مؤكداً أن إلصاقه بحاجز البربارة والكلام عن اعتماد جعجع على عسكرييه السابقين بدل الجامعيين هي اتهامات كاذبة يتمسك خصوم القوات بها رغم علمهم بعدم صحتها، شارحاً أنه كان ضابط اختصاص لا علاقة له بالحواجز، ثم تسلم مسؤولية دبلوماسية في مكتب القوات في فرنسا.
أما توقعاته النيابيّة، فيرى ابن بلدة كفيفان البترونيّة أن الموجة الشعبيّة التي صعدت بعون قد انحسرت، وجرى اختبار نائب التيار في البترون جبران باسيل وبات يمكن تقييمه. فيما انحسر حضور الوزير السابق سليمان فرنجيّة في البترون، مما سيسهل الحسم الانتخابي بالنسبة إلى القوات وحلفائها. «وبتفاهم كامل مع حزبي الكتائب والأحرار ومسيحيي 14 آذار»، يتابع زهرا، «سنثبت ما تؤكده لنا استطلاعات الرأي في أقضية جبيل وكسروان والمتن وغيرها. أما في بيروت فلا تزال الترشيحات قيد البحث، والقوات تعتبر أن صولانج الجميّل من أهل البيت، وهي خير ممثلة للقوات، دون أن يعني هذا الأمر أننا لن نسعى إلى الترشح عن مقعد من طائفة أخرى». فيما يؤكد أن الكلام على اختلاف مع النائب وليد جنبلاط في الشوف غير دقيق في معظمه، وقد أثبت النائب جورج عدوان تميّزه في موقعه، «ولن تقبل القوات إعادة النظر في ترشيحه». مشدداً على أنه «لا حق للحلفاء بالتدخل في اختيار الأسماء، وقد نتفاوض على توزيع الترشيحات».
وإذ يقطع الحديث اتصال من مواطن يريد إيصال فكرة يتمنى على نائبه تعميمها عبر الإعلام، تتاح الفرصة للمرور على الكتب المكدسة في مكتب زهرا، وهي في معظمها كتب تاريخ حديث مثل «تاريخ الموارنة في لبنان» للكاتب أنطوان خوري حرب وكتاب «منشورات الرضا»: «من الصدر إلى نصر الله». فيما يقول النائب، الذي يضع قربه درعاً من «منظمة الشباب التقدمي ـــــ مكتب المتن» إنه «قارئ نهم» منذ كان تلميذاً، وقد بنى ثقافته من خلال مطالعة كتب التاريخ والسياسة والأدب وبعض الفلسفة، متوقفاً عند تمعنه في قراءة ماركس وأنطون سعادة لضرورات «الدفاع عن النفس» في أواخر الستينيات حين كانت الحياة الطالبية تضج بالنقاشات الفكريّة والعقائديّة، مشيراً إلى تعمقه في الحضارة الإسلاميّة أيضاً وتوقفه طويلاً عند تفسير «الجلالين». إضافة إلى نشأته في منزل كتائبي، والتزامه مسيحياً منذ الصغر.
في الوجه الآخر من زهرا، ثمة رجل مرَّ عليه الكثير، وأثار كثيراً من الجدل، لكنه في حقيقة الأمر مجرد رجل كسائر الناس يستغرق في الكلام حين يتذكر طفولته، يفرح بسؤاله عن التماثيل التي حملها من رحلة عمل أفريقية أو عن الكؤوس الرياضيّة التي حصدها في الإمارات العربيّة، ويضيع وهو يحاول أن يختار لمكتبه واحدة من بضع صور لدير مارقبريانوس ويوستينا في كفيفان.