سليمان يطالب بحكومة مصالحة لا خلاف وبري يحذّر من الموقّتة والسنيورة يتوقّع الانفراج في أي لحظةيطفئ اتفاق الدوحة، غداً، شمعة شهره الأول، لكن من دون احتفال ولا محتفلين، لأن المعنيّين محلياً مشغولون بتحسين الحصص الوزاريّة وتحصين المواقع الطائفيّة ومحاولة حسم نتائج الانتخابات النيابيّة قبل بدئها بأحد عشر شهراً!شهر واحد فقط مرّ على ذلك الاحتفال المهيب في الدوحة. ولكن المشهد اليوم يوحي كأن الاتفاق والعناق والقبل، حصلت قبل دهور، لا قبل ثلاثين يوماً فقط، وسط الخلاف المستحكم على كيفية تقاسم الثلاثين وزيراً، مضافاً إليه ما يطرأ يومياً على جدول أعمال السجال من مواضيع الصلاحيات والسلاح ومزارع شبعا، وأخيراً: وضع قانون الانتخاب على نار حامية.
ولكن الجديد في اليومين الماضيين، هو زخم المواقف الرئاسية، التي برز منها أمس مواقف ـــــ رسائل لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وحديثان إذاعيان لرئيس مجلس النواب، نبيه بري، والرئيس المكلف تأليف الحكومة، فؤاد السنيورة. الأول تحذيري مع ترك باب التفاؤل موارباً، والثاني تعويلي على حصول مفاجأة في «أي لحظة أو أي إشارة». فرئيس الجمهورية، أكد في حديثين لدى استقباله نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الشيخ عبد الأمير قبلان على رأس وفد من المجلس، والمشاركين في المؤتمر الثاني عشر لرجال الأعمال والمستثمرين العرب، الحرص على الشعب «الذي قاوم وهزم إسرائيل»، قائلاً إنه «يستحق أن نكون إلى جانبه»، مطالباً «بحكومة مصالحة وطنية تكون المدخل إلى مصالحة الوطن، لا إلى الخلاف الوطني، حكومة وحدة وطنية تكون للجميع كي يتمكن لبنان من النهوض من كبوته»، مضيفاً: «ومن هنا، نتمهل في تأليفها».
وقال: «لا خلاف بين اللبنانيين على القضايا الكبرى، وخصوصاً ما يتعلق بالموقف من إسرائيل». وأشاد بالمقاومة، مشدداً على وجوب «أن تشارك وتكون الركيزة الأساسية في الديموقراطية اللبنانية وفي الوحدة الوطنية، هذه الوحدة التي تتمنى إسرائيل سقوطها، كما تتمنى توريط المقاومة والطوائف كافة والفلسطينيين في صراعات داخلية كي تطمئن هي وتتاح لها فترة من الهدوء لتعالج مشاكلها الداخلية». ودعا إلى التصدي للفتنة والتزام الوحدة الوطنية «فنؤلف حكومة لا تناقض ميثاق العيش المشترك». وقال: «إن الطائف الذي حمى المقاومة والشعب في تصديه لإسرائيل، يجب علينا حمايته والحفاظ عليه من الشعب والمقاومة والجيش». وختم بأن «أغلى ما يملكه الإنسان هو الوطن الحر السيد المستقل البعيد عن السيطرة الخارجية وغير الملتزم إلا القضية الوطنية، والذي يعرف بدقة أعداءه ويختار أصدقاءه وأشقاءه».
وبعد اللقاء، طالب قبلان بالإسراع في تأليف الحكومة، وأن تكون الوزارات مداورة، مشيراً إلى أن «كل الوزارات سيادية وخدماتية». وأوحى بجو متفائل، بالقول: «من الواضح أن العقد ستحل قريبا، ما دام هناك تفاهم بين الرؤساء الثلاثة، والتوجه سليم لحلها». ووجه نداءً إلى رجال الدين «ألا يحصروا دورهم في الكنيسة أو المسجد، فيكونوا لكل اللبنانيين على حد سواء»، ويقوموا بدورهم «بتوجيه الناس وتصحيح الخطأ وإصلاح ما فسد من أمور العباد».

هل يصيب الحكومة ما أصاب الجمهوريّة؟

أما الرئيس بري، فأبدى في حديث إلى «صوت لبنان»، وأمام زواره، تخوفه من أن يصيب الحكومة ما أصاب الجمهورية، ملمحاً إلى أنه «إذا مر شهران على عدم تأليف الحكومة، فلن نكون أمام حكومة وحدة وطنية، بل حكومة موقتة». وشدد على «ضرورة مراعاة أمور البلد، لا الانتخابات النيابية». لكنه أعلن أنه يستبشر خيراً بعد لقائه سليمان أول من أمس «وفكرة خلط الأوراق، وصولاً إلى تأليف الحكومة اليوم قبل الغد». وجزم بشكل قاطع بعدم الحاجة إلى اتفاق دوحة جديد أو أي مكان آخر لحل الأزمة الحكومية، قائلاً لسائليه: «هل نسيتم أنه أصبح لدينا رئيس جديد للجمهورية؟».
بدوره، طمأن الرئيس السنيورة، في حديث إلى الإذاعة نفسها، إلى «أننا لن نكون أمام أزمة مفتوحة، رغم وجود صعوبات تواجه تأليف الحكومة»، قائلاً إنه «في أي لحظة أو أي إشارة، قد تبدد العراقيل، ونكون أمام تأليف حكومة بداية العهد». لكنه تحدث عن وجود «من يستغل هذا الظرف لرفع سقف المطالب، للحصول على المزيد». ورأى «أن هناك نوعاً من الأشخاص يخلق من المشكلة فرصة، وهناك نوع يجعل من الفرصة مشكلة ويعطل الفرص». وأشاد برئيس الجمهورية، قائلاً: «إن هذا الرجل صاحب نفس استقلالي عربي، وخصوصاً إنساني»، معلناً الاتفاق معه على المصارحة والحديث المباشر دون وسطاء.
كذلك استبشر الوزير محمد جواد خليفة، بعد لقائه النائب ميشال عون، خيراً باللقاءات الرئاسية و«الاتصالات المكثفة التي خلطت الأوراق وحركت الوضع»، ورأى فيها «أموراً مشجعة بقرب تأليف الحكومة». وإذ لفت إلى عدم وجود جدل أو خلاف على ترشيحه لوزارة الصحة، قال إن هذا الأمر خاضع لتركيبة الحكومة و«ليس هناك وزارات حكر على أحد». وأعلن أن إعطاء رئيس الجمهورية وزيراً مسلماً وآخر مسيحياً «من الأمور المقترحة».
ومن السرايا، التي زارها ووفداً من الجماعة الإسلامية، نقل علي الشيخ عمار عن السنيورة «أن الأمور خاضعة للمشاورات، وأنه حريص هو والآخرون على التوصل إلى حل».
كما نقل عنه استهجانه «ونحن أيضاً» لكلام عون حول تعديل صلاحيات رئيس الحكومة. ورأى الشيخ عمار «أنه ما دام السلاح في يد بعض الأطراف، فإن الآخرين سيعملون على أن يؤمنوا لأنفسهم الحماية الذاتية»، محذراً: «إما أن يحصل تفاهم على مختلف الأمور، وإلا فإن الأمور سائرة نحو الفوضى».

تحريك آليّة إقرار قانون الانتخابفي المواقف، حدد النائب حسن فضل الله نوعين من العقبات التي تعوق تأليف الحكومة: «خارجي ويتمثل بتدخل الإدارة الأميركية التي لا تحبذ تأليف حكومة وحدة وطنية، ومحلي يتمثل بعدم الاستجابة لمطالب فريق المعارضة»، مشيراً إلى تعقيدات إضافية طرأت منذ زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس. لكنه جزم بأن الحكومة ستتألف «بمعزل عن كل الضغوط»، مشيراً إلى أن مطالب عون «محقة ويفترض الاستجابة لها». وأكد في مجال آخر أن «استعادة مزارع شبعا من الاحتلال الصهيوني، لن تغير في المعادلة القائمة لجهة ضرورة وحاجة لبنان للمقاومة». واستغرب رئيس تيار التوحيد، وئام وهاب، بعد لقائه الرئيس إميل لحود «الغيرة المفاجئة» على تحرير المزارع ، وربط مصير السلاح بالسلام «إذا لم يحصل، فلا أحد يملك الحق في مناقشة هذا السلاح وسحبه، حتى حزب الله نفسه». وبعد زيارة مربي جمعية الدعاة، الشيخ محمد أبو القطع، لنائب الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم، أكد بيان مشترك «أن دعم وتقوية سلاح المقاومة واجب شرعي»، ورأى أن مؤتمر الدوحة «أسّس لمرحلة جديدة من تاريخ لبنان، عنوانها التوافق والمصالحة الوطنية».
ووصف النائب أيوب حميد، الحديث عن تباين في وجهات النظر داخل فريق المعارضة في شأن توزيع الحقائب، بأنه «اتهامات في غير محلها». وقال: «المشكلة ليست عند المعارضة، بل عند الطرف الآخر»، مضيفاً: «الأيام المقبلة ستوضح المسار لإنقاذ اتفاق الدوحة، ومَن المعرقل لتأليف الحكومة ومن ثم إقرار قانون الانتخاب عملاً ببنود الاتفاق».
كذلك رأى رئيس حزب الاتحاد، عبد الرحيم مراد، بعد زيارته على رأس وفد من الحزب للنائب أسامة سعد ورئيس بلدية صيدا، عبد الرحمن البزري، أن بعض العراقيل «ربما لم تكن محلية»، مشيراً إلى أنه عندما تطل رايس «أو أي مندوب أميركي، نشعر بأن هناك مشاريع مفخخة». ووافق بري على أن الوزارات السيادية «بدعة»، واصفاً اقتراح عون في شأن الصلاحيات بأنه واحد من الاقتراحات، وقال إن مهاجميه يتمسكون بالشكليات. وتمنى سعد الإسراع في تأليف الحكومة للتفرغ للملفات الاقتصادية والاجتماعية. أما البزري فقد عارض تقليص صلاحيات رئيس الحكومة «ما دامت البلاد قائمة على قسمة طائفية ومذهبية». واقترح الأمين القطري لحزب البعث، فايز شكر، بعد لقائه وفداً من التنظيم الشعبي الناصري، مبادرة لتوزيع الحقائب، تقضي بأن «تأخذ المعارضة ثلث حصة، مثلاً، ثلث الشيعة، ثلث السنة، ثلث الموارنة، كذلك عند الروم الأرثوذكس والكاثوليك والدروز والأرمن. أما بالنسبة إلى رئيس الجمهورية، فيأخذ حقائب شيعي وسني وماروني والبقية للموالاة».
وبرز أمس موقف لرئيس حركة الشعب نجاح واكيم، الذي دعا رئيس الجمهورية «إلى إعلان موقف تاريخي، مفاده أن بقاءه في سدة الرئاسة مرهون بتسليم كل الأطراف بتأليف حكومة انتقالية من خارج الطبقة السياسية، تتبنى العمل على إلغاء الطائفية، وذلك من طريق منحها صلاحيات تشريعية لجهة إقرار قانون للانتخاب خارج كل قيد طائفي، ودعوة المواطنين لمساندة هذه الخطوة في مواجهة الطبقة السياسية التي تظل رغم كل خلافاتها حريصة على منع تطوير النظام السياسي وإعادة بناء الدولة».

اتهامات للمعارضة بتوزيع... الأدوارفي هذا الوقت، انضم مفتي الجمهورية، الشيخ محمد رشيد قباني، إلى مهاجمي اقتراح عون بتعديل صلاحيات رئيس الحكومة، فوصفه بأنه «هرطقة تنم عن نيات لإلهاء اللبنانيين عن محاولات تعطيل تأليف الحكومة لأغراض باتت معروفة وغير إصلاحية». وإذ جزم النائب إسماعيل سكرية بأن الاقتراح «يحمل خلفية إصلاحية» من وجهة نظر عون، رأى أن توقيته لم يكن موفقاً. وقال رئيس جبهة العمل الإسلامي فتحي يكن: «ليس من الحكمة والمصلحة الآن طرح ما يعتبر انقلاباً على الطائف»، مضيفاً: «قد يحتاج الطائف إلى إعادة نظر، ولكن ليس الآن وفي مثل الظروف العاتية التي يواجهها البلد».
ورداً على الردود، قال النائب نبيل نقولا إن طرح عون «هو من صلب الديموقراطية الحقيقية، ومن ضمن المنطق وتقويم الأداء»، سائلاً: «كيف يمكن اعتبار المطالبة بتصحيح الإدارة مطلباً طائفياً، بينما الذي يخطئ ويختبئ وراء طائفته هو وطني». وقال: «إن الذي يتكلم عن الإلغاء فليتذكر تاريخه الحافل بالفناء، ومن يدّعِ العفة، نترك للصوت والصورة وللشعب الحكم. أما تكتل التغيير والإصلاح فهو اسم على مسمى، كفه ناصع، لا دم ولا عمالة في ماضيه ولا في حاضره، ولن يكون في المستقبل. أما جوقة «الرديدة» فكان ينقصهم لتكتمل الصورة، إضافة إلى الطبل والدف، رايس وولش، ولتحيَ الجمهورية في الوطن والمهجر».


اقتصاد وسياسة وحكومة و... بيروت في عشاء رجال الأعمال

في كلمة غلب عليها الطابع الاقتصادي، لأن مناسبتها مأدبة عشاء على شرف المشاركين في مؤتمر رجال الأعمال العرب، قال الرئيس المكلف تأليف الحكومة، فؤاد السنيورة، إن لبنان «خطا خطوة هامة على طريق استعادة المؤسسات الدستورية لدورها، بداية من خلال انتخاب الرئيس العماد ميشال سليمان». وشدد «على ضرورة تكاتف الجهود لتكون المرحلة القادمة حافلة بالتعاون وبالجهد البناء، فنتمكن من تعزيز قيم العيش المشترك في مجتمعنا والتأكيد على قيم الديموقراطية والحرية والانفتاح وقبول الآخر وممارستها عملاً لا قولاً فقط، وكذلك على إقدار الدولة على بسط سيادتها وسلطتها على كامل الأراضي اللبنانية».
وأكد العمل «مع أشقائنا العرب، ليكون هذا العهد فاتحة خير للبنانيين يحمل معه المزيد من العزيمة لمواجهة ذلك الكم الكبير من الإشكالات والتحديات التي تراكمت على مدى سنوات طويلة ماضية وأسهمت فيها عوامل سياسية محلية وأخرى إقليمية ودولية»، متطلعاً «إلى إعادة انطلاق الدورة الاقتصادية وتحقيق معدلات نمو عالية ومستدامة، في ظل عودة الحياة السياسية إلى المؤسسات الدستورية». وأمل أن يتعزز ذلك بتعاون وتضامن لتسريع تأليف الحكومة على الأسس التي تم التوافق عليها في الدوحة.
وختم بالقول: «عاشت بيروت العصية على من يود انتهاك حرمتها. بيروت القوية على الجراح، بيروت المحتضنة لكل اللبنانيين، بيروت المؤمنة كباقي مناطق لبنان بالعيش المشترك، منارة للحرية والشموخ والتقدم».