زينة خليلكثرت التسميات التي تطلق عليها، من «شامة البقاع» إلى «وردة السهل»، وصولاً إلى «قلعة عنجر»... إنها عنجر، «مدينة الأمويّين» المتربّعة في قلب البقاع، متفرّدة بكونها تعود إلى حقبة تاريخية واحدة: الأمويّة، على عكس المواقع الأثرية الأخرى المنتشرة على امتداد لبنان، والتي تتكدّس فيها العصور. عنجر لم تعرف الازدهار، إلا خلال النصف الأول من القرن الثامن الميلادية، في عهد بانيها الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (705ـــ715 ميلادية)، مستعيناً بمهندسين وحرفيّين بيزنطيّين. وبعد مضي أربعين عاماً على تشييدها، أدّى الصراع على الخلافة إلى تدميرها على يد الخليفة مروان الثاني، إثر انتصاره على منازعه إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك، ما حوّل أرجاءها إلى تلال من التراب وأغرق مكنوناتها في دوّامة النسيان على مدى عصور تتالت، إلى أن كُشف النقاب عنها عام 1943، بهمّة المديرية العامة للآثار.
وبعد سنين من التنقيبات الأثرية وعمليات الترميم للأبنية المكتشفة، أتت النتيجة على شكل الموقع الحالي: مدينة مستطيلة الشكل (370 متراً ـــ 310 أمتار) محاطة بسور دُعّم من الجهة الخارجية بـ36 برجاً نصف دائري، وأضيفت إلى زواياه أربعة أبراج دائرية. أما من الداخل فقد حافظت المدينة على مبانيها: قصران، جامع، حمامات، مخازن تجارية، أبنية سكنية وطريقان أساسيتان تقسمان المدينة شمالاً جنوباً وشرقاً غرباً، ويمثّل التقاؤهما في وسط الموقع ما يعرف في تاريخ العمارة باسم «البوّابة الرباعيّة».
ولم يبق من القصر الكبير إلا الصحن الداخلي الذي تحوطه غرف عدّة، ويضمّ بوّابتين من جهتيه الغربية والشرقية، ونُقشت على أحد أعمدته كتابة يونانية تمتد إلى 11 سطراً. أما الجامع فلم يبقَ منه سوى آثار قاعة الصلاة ومكان البئر التي كانت توفّر ماء الوضوء للمصلّين، إضافة إلى القاعدة الحجرية لـ«المقصورة» التي تميّز الجوامع في العالم الإسلامي، والتي يرجّح علماء الآثار أن يكون الأمويّون أول من استخدمها، إن بهدف حماية الخليفة من الاغتيال، أو للفصل بينه وبين الرعايا.
أرضية الحمامات كانت مغطاة بقطع من الفسيفساء تتآكلها اليوم الأعشاب البرية التي تغطي أيضاً أرضية المساكن التي تتوزع في الحارات ومن خلف المخازن التجارية التي تطل على الشارع العام. الحياة كانت تغمر «عنجر» في فترة عزها، وخصوصاً أنها مبنية على تقاطع طرق التجارة بين دمشق وحمص وبعلبك. وتميزها الهندسي التاريخي كمدينة أموية فقط، فريدة من نوعها، كان سبباً أساسياً لتسميتها على لائحة التراث العالمي لليونسكو.