مهى زراقطكانت حنين تدرس. الامتحانات الرسمية باتت قريبة وهي حريصة على عدم الرسوب. هو ليس حرص التلميذ العادي الذي يرغب في النجاح، بل أيضاً حرص الابنة التي هدّدها والدها بعدم التحدّث معها إذا رسبت. ولأنها ترغب في تحقيق أمنية يوسف، كما تنادي أباها، كانت ستتخلّف عن زيارته في سجنه الجديد في حلبا. «لم أجرؤ على إخباره بأني سأغيب عنه طيلة فترة الامتحانات، تركت هذه المهمة لأمي». لكن والدتها لم تذهب أول من أمس إلى حلبا، لأن زوجها السجين يوسف شعبان «كان عنده جلسة في المحكمة» على خلفية حادثة التمرّد التي وقعت في سجن رومية في 24 نيسان الفائت، والتي كانت السبب المباشر لنقله إلى حلبا. هكذا تأجّلت الزيارة وراحت معها كلّ الترتيبات التي كانت العائلة قد أعدّتها، وأوّلها الطعام الذي أعدّته الحاجة أم يوسف لابنها.
وكأن زيارة «الأخبار» إلى بيت الحاجة في مخيم برج البراجنة جاءت لتعوّضها عن عدم رؤيتها لابنها ذلك اليوم. ومن هنا يبدأ الحديث عن المعاناة الإضافية للعائلة التي باتت تتكبد كلفة إضافية للوصول إلى حلبا، علماً بأن كلفة الذهاب 3 مرات أسبوعياً إلى رومية لم تكن قليلة. «الحديث في هذا الأمر مخجل، لكننا نعيشه»، تقول أم يوسف في معرض الإجابة عن مصدر رزق عائلة يوسف شعبان منذ سجنه في 19 تشرين الأول 1994بتهمة اغتيال السكرتير الأول في السفارة الأردنية عمران المعايطة.
15 عاماً مرّت ولا تزال أم يوسف تحكي بالحرقة نفسها، بل إن تعاقب السنين من دون رؤيته في البيت الذي طلى جدرانه قبل ساعات من اعتقاله، جعلها أقلّ قدرة على احتمال فراقه، وتقبّل الظلم الذي تعرّض له. «ابني ليس قاتلاً، والقاتل عُرف وأُعدم. فلماذا يبقى يوسف سجيناً ومحروماً من العيش مع زوجته وأولاده الثلاثة كما كلّ إنسان بريء؟».
سؤال تطرحه حنين منذ كانت في الخامسة من عمرها، تحمل كرسياً صغيراً ثلاث مرات في الأسبوع وترافق العائلة إلى سجن رومية. تضع الكرسي أرضاً وتصعد عليه لتستطيع رؤية والدها ومحادثته. «لم أكن أعرف شيئاً عن سبب سجنه إلا مع صدور براءته. كنت في الثانية عشرة من عمري، يومها توقعنا الإفراج عنه سريعاً، وأخبرت كلّ رفاقي بقصته وأنه سيخرج». كانت هذه المرة الوحيدة التي عاشت فيها حنين والعائلة حالة ترقب الحرية، «لكن بعدما رُدّ طلب الإفراج عنه أكثر من مرة، لم نعد نأمّل كثيراً خوفاً من صدمة ثانية».
حنين تحكي عن علاقة خاصة تربطها بيوسف. تناديه كذلك لأنها لا تريد لسلطة الأب أن تكون عائقاً بينهما يحرمها من صداقته ومن رغبتها في إخباره كلّ أسرارها والاطلاع على كلّ أسراره.
يوم أزعجها أحد الشبان أخبرته وعلّمها ما يجب عليها القيام به لحلّ مشكلتها. ويوم اختلفت مع شقيقها الأكبر محمود كانت هي من أخبره أيضاً. أوقفهما معاً وتحدّث مع محمود عبر السماعة من خلف الزجاج في رومية: «لا أريدكما أن تختلفا بعد اليوم، يا محمود أنت الكبير وأريدك أن تهتم بالعائلة». فقال له محمود «إنت اللي بتدير بالك علينا ونحن من دونك لا نعرف كيف نتصرّف».
سنوات طويلة لم تسمع فيها حنين صوت والدها إلا عبر السماعة ومن خلف الزجاج، رغم ذلك استطاعت أن تبني معه علاقة مميزة تثير غيرة أفراد العائلة، وغيرتها إذا عامل أحدهم بطريقة لطيفة. تقول كمن يفشي سراً لعلاقة بين حبيبين: «لا أحب أن يحكي كلمة حلوة مع أحد أمامي، ولا أن يجلس أحد قربه، كما لا أحب أن يقوم بأيّ أمر من دون أن يأخذ رأيي وأنا كذلك».
طبعاً هو لم يسألها قبل قيامه بالاحتجاج الأخير في رومية، «لكني موافقة على ما فعله، وقلت له ذلك». حنين زارت شعبان مرة في رومية بعد الحوادث الأخيرة ثم في حلبا. «هناك، لم أكن قادرة على الكلام، وشعرت برغبة في البكاء، وهو أيضاً بكى».
رغم ذلك تحرص حنين على عدم البكاء أمامه، «ولا أحب أن يبكي أحد أمامه»، تقول وهي تقلّب ألبوم الصور الذي كان يحتفظ به في رومية وطلب منها الاحتفاظ به.