ثائر غندورفي السادس من أيّار، وقبل يوم واحد من اندلاع حوادث بيروت، التقى أعضاء اللقاء الوطني للمرّة الأخيرة في منزل الرئيس عمر كرامي. صدر بيانٌ عن اللقاء دافع بقوّة عن المقاومة وقال: «إن شبكة اتصالات المقاومة المعروفة بسلاح الإشارة شكلت عاملاً حاسماً في تعزيز الصمود إبان عدوان تموز، وهي بالتالي عامل أساسي في أي مواجهة مقبلة مع الكيان الغاصب، وإزالتها تؤدي إلى الانتقاص من مناعة المقاومة وحصانتها وقدراتها، كما أنه لا يخفى على أحد، حتى على المواطن اللبناني البسيط، مقدار التنصت على كل شبكات الهاتف العاملة في لبنان من البرّ والبحر والفضاء، وكذلك انكشاف هذا البلد الصغير على كل أجهزة الاستخبارات الكونية وصولاً لتحقيق المشروع الأساسي: ضرب المقاومة وإنهاء وجودها. وما أقدمت عليه الحكومة اللاشرعية هو قرار خطير ومؤذٍ للبنان (القرار المتعلّق بشبكة الاتصالات التابعة للمقاومة) ينبغي التعامل معه على هذا الأساس، ومنع تنفيذه بكل الوسائل المشروعة».
منع حزب الله تنفيذ القرارين بالقوّة. وتوصّل المتحاورون اللبنانيون إلى اتفاق الدوحة. صدرت اعتراضات عديدة من أعضاء في اللقاء على هذا الاتفاق، وعلى عدم إشراكهم فيه.
لكن الحقيقة هي أن أسابيع خمسة مضت ولم يجتمع هؤلاء، الذين شبّههم كرامي ذات مرّة بمجلس وزراء ظلّ مصغّر. وعند البحث في أسباب عدم انعقاد الاجتماعات، يتهرّب كثيرون من الإجابة، مثل نائب رئيس مجلس النوّاب السابق إيلي الفرزلي والشيخ هاشم منقارة والنائبين السابقين زاهر الخطيب وعبد الرحيم مراد، ويقولون: «الرئيس كرامي هو المخوّل الحديث عن الموضوع، فهو الذي يدعو عادة للاجتماع، وتُعقد اللقاءات في منزله».
لكن نائب رئيس جبهة العمل الإسلامي، الشيخ عبد الناصر الجبري، يتحدّث بوضوح أكثر، بعدما تمنّع عن الكلام في البداية، ويستغرب عدم انعقاد اللقاء في موعده الدوري، «ونخشى أن يكون عدم انعقاده، كما يتداول الناس، لمصلحة فريق الموالاة وأن المملكة السعوديّة استطاعت استمالة قيادة اللقاء».
يتمنّى الجبري أن لا يكون هذا الكلام صحيحاً، وأن تكون هناك أسباب أخرى وراء هذا الانقطاع، «سائلين الله أن يأخذ اللقاء دوره مجدّداً في المعارضة، ولا سيما أن طابعه ليس مذهبياً، ونحن نخشى اللقاءات ذات الطابع المذهبي لأنها تخدم المشروع الأميركي الذي يريد مذهبة لبنان».
ما يشير إليه الجبري تتناوله ألسن أعضاء آخرين في اللقاء الوطني بصوت خافت، ويتحدّث بعض آخر عن هروب كرامي من اتخاذ موقف واضح مما يحصل، وهو كلام ينفيه أحد أصدقاء كرامي «من دون أن يكون لدي معطيات، لكن دولته رجل مبدئي ولا يُساوم بهذا الشكل» يقول الصديق. وحاولت «الأخبار» مراراً الحديث مع الرئيس كرامي، لكنّه لم يُجب على الاتصالات.
ويبحث أحد أعضاء اللقاء الوطني في أسباب نشأة اللقاء للدلالة على عدم وجود مبرّر له. ويقول إنه نشأ أولاً في مواجهة السلطة السياسيّة ودفاعاً عن المقاومة. أمّا وقد تغيّرت السلطة السياسيّة، ويتحضّر البلد لاستقبال حكومة جديدة، وحزب الله، بما هو الإطار السياسي للمقاومة جزء منها، فإن شكل المعارضة سيختلف، وسيتغيّر المعارضون ويقلّ عددهم بعد انضمام عدد لا بأس به منهم إلى السلطة، وتتبدلّ أسباب المعارضة، لهذا يسأل: ما هو مبرّر انعقاد اللقاء الوطني؟